غصّت قاعة الأساتذة بكلية الآداب 9 أفريل يوم الثلاثاء 8 سبتمبر 2009 بعدد وفير من أساتذة التاريخ والجغرافيا تنادوْا من كلية الآداب بصفاقس وسوسة و9 أفريل ومنوبة والمعهد العالي للعلوم الإنسانية بجندوبة لمتابعة القرارات التي اتخذوها قبل العطلة والمتعلقة بإصرار الوزارة على حذف الإجازة الأساسية لكل من مادتي التاريخ والجغرافيا ودمجهما في إجازة واحدة. وللتذكير فإنّه من أهم القرارات المتخذة عدم إعداد جداول الأوقات وإستقالة أعضاء المجالس العلميّة. ولقد أشرفت على هذا الإجتماع تنسيقية متكوّنة من أكثر من عشرة رؤساء أقسام وحضره عضوان من الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي. ومن أهمّ القرارات والأفكار التي وقع تداولها خلال هذا الإجتماع: قرار دمج الإجازتين في إجازة واحدة اتخذ بشكل فوقي وإداري ولم يحض بموافقة المجالس المخولة واللجنة القطاعية. الإجازة المدمجة سابقة لا مثيل لها في الدول الشبيهة بنا لا شرقا ولا غربا. إقتراح الوزارة تنظيم جذع مشترك على إمتداد سداسي واحد غير مقبول لإنعكاساته على محتوى التكوين وبإعتباره وقع تجربته سابقا وكان فشله ذريعا. المقاصد المباشرة لتهميش التكوين الأساسي في التاريخ والجغرافيا هي إستهداف الكليات العريقة التي تدرس هذين الإختصاصين والمعروفة بتمسكها بالمبادئ السامية للتعليم العالي وتسيير المؤسسات الجامعية وبالحريات الأكاديمية والإستقلالية الفكرية والتي كثيرا ما يكون أساتذتها سبّاقون في معارضة السياسة المسقطة والقرارات الزجرية والفوقية للوزارة. المقاصد الخفية لتهميش التكوين الأساسي في الجامعة التونسية هو تنفيذ مشروع القضاء على علوم الإنسان والمجتمع في إطار منظومة تربوية مُعولمة، وتقسيم دولي للأدوار لا يُسند منها لبلدان العالم الثالث الاّ دور مستهلك الأفكار والقيم التي تنتج وتصاغ في البلدان المهيمنة. كما عبّر الأساتذة عن خشيتهم من مقاصد أخرى قد تستهدف تفريع الكليات الكبرى التي ظلّت مستعصية على إرادة الوزارة حيث ينتخب العمداء بطريقة مستقلة وتنظّم الندوات الفكرية الهادفة وتنشط نقابات الأساتذة الكبرى. يبدو أنّ الوزارة استعاضت عن اللجنة القطاعية في التاريخ والجغرافيا بلجنة خبراء وذلك بعد أن رفض بعض أعضاء اللجنة تمرير مشروع الوزارة، وهكذا تلهث الوزارة وراء إكساب مشروعية لسياستها. تعلّل الوزارة بالتشغيلية لتقليص التكوين الأساسي يسقط كليا في موضوع دمج الإجازتين الأساسيتين في التاريخ والجغرافيا ذلك أنّ التشغيلية تستدعي التخصّص الدقيق وليس تعدّد التخصّصات (Polyvalence). معارضة الأساتذة لمشروع الدمج يرتكز على عدّة منطلقات أكاديمية رئيسية ومن أهمها أنّ انتاج الأفكار التجديدية والتقدم العلمي بصفة عامة يستدعي التخصص والتفريع وليس الدمج والتعميم. سياسة الوزارة في هذا الموضوع تثير احتجاج وإستغراب الجامعيين ذلك أنّها رفضت الإجابة على عديد مراسلات رؤساء الأقسام والمجالس العلمية ثمّ أنّها رفضت الإستجابة الى إحداث اجازات تطبيقية بادر الأساتذة إلى اقتراحها مثل الإجازة التطبيقية في السياحة والتراث بكلية آداب صفاقس، وقرّرت إحداث إجازة تطبيقية في المهن والتراث دون تحديد محتوى التكوين والمسائل وإكتفت بمدّ القسم بقرص لا علاقة له بالموضوع وفي المعهد العالي بجندوبة رفضت الوزارة إحداث إجازة تطبيقية في الجغرافيا وظلّ هذا المعهد بدون قسم جغرافيا في حين أنّه سيدرّس حوالي 300 طالب في إجازة مندمجة في التاريخ والجغرافيا، علما أنّ عدد الطلبة الموجهين للكليات التي يتواجد فيها عدد أكبر نسبيا من الأساتذة تقلص بشكل ملحوظ لفائدة المعاهد المستحدثة التي تشتغل بعدد كبير من المتعاقدين والعرضيين. على عكس ما حدث لإختصاص علم الإجتماع فإنّ الوزارة لم تصرح لحدّ الآن بإمكانية المحافظة على الإجازتين الأساسيتين القديمتين بالنسبة للطلبة الراسبين. هذا وقد اتضح من خلال النقاشات أنّ الوزارة جعلت الأقسام في وضعية عدم التمكّن من انجاز جداول الأوقات وتوزيع مواد التدريس على الأساتذة وأنّها نجحت مرّة أخرى في إستنفار الأساتذة وتوتير المناخ داخل المؤسسات الجامعيّة وتعميق شعور الجامعيين بأنّ السلطة ككل تستهدفهم وتستهين بمكانتهم وبمنزلتهم وتتجاهلهم. كما اتضح منذ انطلاق الإجتماع أنّ الإنقسام بين الأساتذة الذي عولت عليه الوزارة كان وهميّا ولا وجود له حيث كان موقف أساتذة كلية الآداب بمنوبة وممثليهم منسجما ومتحدا تماما مع موقف ومقاربة أساتذة بقية المؤسسات. كما أكّدت الجامعة العامة خلال هذا الإجتماع أنّها تتعاطف تماما مع أفكار ومطالب أساتذة التاريخ والجغرافيا وأنّها تعارض كليا سياسة تهميش التكوين الأساسي في الجامعة العمومية وأنّها اهتمّت بالمسألة منذ ظهورها وأصدرت في شأنها بيانا بتاريخ 16 جوان 2009 عقبته ندوة صحفية بتاريخ 3 جويلية 2009 ثمّ حملة صحفية على أعمدة اليوميات والأسبوعيات التونسية وكانت الجامعة العامة قد فضّلت ترك المبادرة في موضوع الإحتجاج على تقليص الإجازات الأساسية في كافة الإختصاصات إلى الهياكل العلمية والبيداغوجية المخوّلة ولم تتدخل الاّ بعد أن تبيّن لها إصرار الوزارة على الإنفراد بالرأي وتجاوز صلاحيات هذه الهياكل وخرق القوانين التي لم تتمكّن الوزارة من سنّها الاّ بشق الأنفس (ثلث النوّاب فقط صوّتوا على القانون التوجيهي). وأكّدت الجامعة العامة استعدادها واستعداد المكتب التنفيذي للإتحاد العام لتأطير كافة التحركات الميدانية الإحتجاجية التي يقرّرها أساتذة التاريخ والجغرافيا بكافة أشكالها. الجامعة العامة وفيما يلي نصّ اللائحة الصادرة عن إجتماع 9 أفريل: إنّ المدرسين الباحثين الجامعيين بأقسام التاريخ والجغرافيا في كل من كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس وكلية الآداب بمنوبة وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس والمعهد العالي للعلوم الإنسانية بجندوبة المجتمعين يوم الثلاثاء 2009/09/08 بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس بحضور الجامعة العامة للتعليم العالي لتدارس آخر المستجدّات في شأن قرار الدمج الذي اتّخذته وزارة الإشراف. يذكرون بالتالي: أنّه وفي تضارب صارخ مع الأعراف التي ميزت تسيير الحياة الجامعية بالبلاد وفي خرق مفضوح للقوانين التي قامت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا ذاتها بتشريعها ولاسيما الفصل 11 من الأمر 3123 المؤرخ في 2008/11/22 المؤطّر لنظام إمد والفصل 13 من القانون عدد 19 لسنة 2008 المؤرخ في 2008/02/25 المعروف اصطلاحا بالتعاقد بين الوزارة والجامعات أقدمت وزارة الإشراف في أواخر شهر ماي 2009 على الإعلان عن قرارها بدمج شعبتي التاريخ والجغرافيا في شعبة واحدة تمّ ذلك بدون استشارة الأساتذة الباحثين ممثلين في هياكلهم البيداغوجية والتسييريّة (من مجالس أقسام ومجالس علمية ومجالس جامعات) أو حتى اللجان القطاعية لمنظومة إ.م.د. رغم كونها معيّنة بأكملها من قبل السيد الوزير. ولأسباب متعدّدة ومختلفة تمّ توضيحها بإسهاب في المراسلات العديدة التي وجهت لسلطة الإشراف وحتى إلى رئاسة الجمهورية بتاريخ 2009/07/22 باعتبارها السلطة الدستورية العليا بالبلاد، وفي أعمدة الصحف عبّر الباحثون المدرسون في اختصاصي التاريخ والجغرافيا عن معارضتهم للإجراء الوزاري. وقد كان ذلك الرفض بيّنا وجليّا في المواقف التي صدرت سواء عن المجالس العلمية بالمؤسسات المعنية بالدمج وكذلك في العرائض والمكاتيب الصادرة عن اجتماعات عديدة التأمت بتلك المؤسسات وحضرها أغلب الزملاء المدرسين (اجتماع قسم التاريخ بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس في شهر جوان 2009 واجتماع قسم الجغرافيا بذات المؤسسة في 20 جوان 2009 واجتماع قسم التاريخ بكلية الآداب والعلوم الانسانية بصفاقس في 15 جوان 2009 واجتماع قسم الجغرافيا بنفس الكلية يوم 8 جويلية 2009 واجتماع قسم التاريخ بكلية الآداب والعلوم الانسانية بسوسة في 12 جوان 2009)، علما أنّ تلك الاجتماعات كلّلت باجتماع عام لمدرسي التاريخ بالجامعة التونسية بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس يوم السبت 4 جويلية 2009 تلاه اجتماع عام ثان يوم الثلاثاء 14 جويلية 2009 بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة حضره عدد هام من أساتذة الجغرافيا إلى جانب مدرسي التاريخ. ويجدر التذكير أنّه وفي الوقت الذي أبدى فيه الجامعيون طوال الأشهر السابقة استعدادهم لإعتماد حلول عاجلة تقضي بإحداث مزيد من الإجازات التطبيقية بحسب ما تقتضيه منظومة إمد وكذلك رغبتهم في التعامل بإيجاب مع مقترحات قد تساعد على تجاوز الأزمة، تميّز موقف سلطة الإشراف بالتصلّب وبالإمعان في تهميش الأطر الممثلة وبمحاولات فرض حلول فوقية غير عملية. يجدّد المجتمعون رفضهم المبدئي لتجميع شعبتي «التاريخ والجغرافيا في إجازة واحدة لما في ذلك من انعكاس سلبي مباشر على المدرسين ومن ضرب للإنسانيات. يستنكرون سياسة تقليص عدد الموجّهين من حاملي شهادة الباكالوريا الجدد إلى الشعبة المدمجة المستحدثة (إجازة أساسية في التاريخ والجغرافيا) في مؤسسات جامعيّة عريقة لها موقعها ودورها وثقلها في نحت تونس المستقلة وهي كليات توفّرت لها وفيها منذ مدّة طويلة تجربة ورصيد من فرق بيداغوجية وتأطيريّة وبحثيّة متكوّنة من عدد وافر من الأساتذة الباحثين المختصين والمؤهلين للإشراف على التكوين والتقييم المرتبطين بالتبريز والماجستير والدكتوراه والتأهيل الجامعي. يؤكدون رفضهم القويّ لما بلغهم عن نيّة الوزارة فرض سداسية أولى موحّدة في الإجازة المُحدثة قبل توزيع الطلبة على اختصاصي التاريخ أو الجغرافيا في السداسي الثاني وذلك لعدم جدوى ذلك بيداغوجيا وأكاديميا ولأنّ ذلك القرار لم ينبع من الهياكل العلميّة القانونية ولم يحض حتّى بموافقة اللجان القطاعية التي انجزت الأنظمة الدراسيّة السابقة والمدرجة في منظومة «إمد» الحالية. يوصي الحاضرون مديري الأقسام بإنجاز موازنات المستويات المدرجة في نظام «إمد» السابقة (السنة الأولى، نظام قديم والسنوات الثانية والثالثة) وموازنات السنة الرابعة من الأستاذية لا غير باعتبار أنّهم غير معنيين بالسنة الأولى المُحدثة. يدعو المجتمعون سلطة الاشراف إلى بدء حوار فعليّ مع ممثلي الأقسام المعنيّة في أقرب الآجال تلافيا لمزيد تأزّم الوضع وضمانا لانطلاق سنة جامعية جديدة في ظرف طبيعي يساعد على البحث والتكوين. عن الاجتماع العام تنسيقيّة رؤساء أقسام التاريخ والجغرافيا