بين نفسٍ كوميدي ونفسٍ تراجيدي، وفي سياق مونو درامي تناثرت تفاصيل السيد «ميم» فوق خشبة المسرح الذي كان خاليّا من أي ديكور ما عدا الأضواء والموسيقى التي رافقت الممثل توفيق العايب بانسجامٍ متقن في حركاته وسكناته وهو يشخص يوميات حزينة لمواطن ثقُلت حياته بموازين «البؤس» و»الخيبة»... حتى ليخيّل لمشاهد هذا العمل المسرحي أن السيد «ميم» مستهدفٌ بشكل عبثي... حالة الانتظار والترقب هما السند الرئيسي والمحمل الأول للجانب السردي في المسرحيّة... أو هما المدخل الذي يضعنا في قلب الأحداث وفي عمق الحكاية... فمثلما يُجمل ملخص مسرحية «مستر ميم» فإنّ البطل وهو ينتظر الحافلة يوم اجتياز مناظرة هامة ومصيرية تخول له تعاطي مهنة التنشيط وممارسة الألعاب السحرية بصفة رسميّة، يثور غضبًا من تجاهل سائقي الحافلات وعدم وقوفهم له في المحطة. يدل اختيار موقف الإنتظار والترقب على فطنة متناميّة وذكاء في الدخول لعمق الحكاية ذلك أنّ انتظار الحافلة هو الغطاء الذي ما أن يُرفع حتى نجد أنفسنا أمام حالات متعدّدة من الترقب والانتظار لتصل إلى ذروتها ورمزيتها المقصودة وهي انتظار الحياة في حدّ ذاتها. وعلى بساطة الحكايات التي تتدلّى كالسحب العابرة من دائرة «مستر ميم» فإنّ قوّة المسرحي توفيق العايب تتجلّى في قدرته على الانتقال السلس من المباشرتية الى حقل الترميز الموغل في الاحالات والدّلالات، حيث يلعب مثل البهلوان المحترف على توظيف المعجم اليومي ورفع دلالته الى المناطق «الملغومة» والمحظورة، بنسق متسارع ويتطاول بجرأة وذكاء لا متناهي على ما نعيشه يوميّا ولا نُفكّر فيه بصوت عال، إنّه تطاول الممكن على المستحيل. المسرحيّة أيضا تمنح مشاهدها متعة من خلال رقصات «الكلاكات» وما يأتيه توفيق العايب من ألعاب سحريّة وأيضا من خلال تشريك الجمهور في تأثيث النص... فالمتلقي لهذا العمل المسرحي لن يبقى منعزلا وخارجا عن دائرة الابداع بل سيقدمه الممثل معه لأنّه بالأخير وجه من وجوه النص، وشاهد أمين على «حُرقة» مستر «ميم» أمام تراكم الانكسارات في حياته