للمرّة الثانية أكتب عن جائزة أدبية ترصدها مؤسسة مالية مثل البنك التونسي الذي تفضل مشكورا تشجيع محترفي الكتابة والمصابين بهاجس الإبداع من حاملي القرطاس والقلم، ذلك الأديب الذي يحترق كالشمعة ليضيء على غيره. لذلك تفضّل البنك التونسي مشكورا بتقديم الدّعم وتشجيع هذه الفئة المحرومة من متاع الدنيا بعد يقينه أن محترفي هذه الفنون الأدبية شعرا وقصّة ورواية، هم أفقر فئة شعبية مقارنة بالكوارجي ذلك الذي يتقاضى آلاف الدنانير اضافة الى ما يحصده من رخص وامتيازات مقابل تسديده خبطة كروية واحدة؟! ورغم أنّ قيمة جائزة البنك التونسي المالية لهؤلاء الأدباء لا تساوي عشاء كوارجي ليلة واحدة بأحد النزل الفاخرة، غير أنّها تسد رمق ذلك المبدع الذي يصنع آلاف العبر والكلمات اللغوية الشيقة والساحرة تصقل المواهب وتغذي العقول ويبقى الفارق شاسعا بين مفكر بساقه وآخر بفكره اذ انقلبت المعادلة وأصبح الاول سيد الثاني في زمن التردّي الفكري والعقل المجوني؟! أعود من حيث بدأت لأتذكّر وأذكّر بما كتبته منذ أعوام عن الشروط والمواصفات التي كانت حاجزا بين المترشح وهذه الجائزة المحترمة في شكلها على الأقل رغم زهد قيمتها المادية التي كانت تفرض على المرشح للمسابقة الشعرية أن لا يقدّم عملا شعريا يقل عن المائة وعشرين صفحة، واقترحت آنذاك أن يكون مقياس الأثر الشعري كيفا لا كمّا، فأحيانا نجد ما في قصيدة واحدة لشاعر متميّز أحسن ممّا في مائة قصيدة لشاعر هجين. على كلّ شكرا لأسرة البنك التونسي التي اتخذت ذلك المنحى مقياسا تقريبا وألغت شرط عدد الصفحات بعد اقتناعها أنّ العبرة بالكيف.. لا بالكم. لكن الذي راعني هذه المرّة طبقا للمثل القائل ماكلّ مرّة تسلم الجرّة نقطة هامة وحيوية تتمثّل في تركيبة لجنة التحكيم عندما فوجئت بإسناد رئاستها للأستاذ عزالدين المدني، ورغم أنّي لم أطلع عن بقيّة أسماء أعضائها، ومن أي شريحة هم؟ من الشعراء أم من القصاصين أو الروائيين، اذ لكلّ فنّ من هذه الفنون تقنيات وخصوصيات خاصة لأنّها لجنة تحكيم؟! ورغم ثقتي المطلقة ولاتدعو مجالا للشك في أنّ الصديقة العزيزة الشاعرة جميلة الماجري تستحق ذلك التكريم وأكثر، لما تتميّز به من قدرة على الإبداع وتأثيث القصيدة، غير أني تساءلت: 1) لماذا لا يكون رئيس هذه اللجنة أحد الشعراء المتميزين مثل أحمد اللغماني أو محي الدين خريف أو نورالدين صمّود أو غير هؤلاء، والشعراء عندنا كثيرون؟! 2) كيف يمكن لأديب متخصص في الكتابة الروائية أن يقيّم قصيدة أو مجموعة شعرية من جميع جوانبها الفنية واللغوية والابداعية؟ وهي مقاييس أساسية لابدّ من الرجوع إليها مهما كانت قيمة ذلك الابداع الشعري. 3) لماذا لا تخصّص المؤسسة صاحبة هذا الامتياز القيّم والنبيل لجانيا متعددة وحسب الاختصاص ، لجنة من الشعراء لفحص الأعمال الشعرية ولجنة من القصاصين لفحص الأعمال القصصية، وكذلك للرواية والأعمال النقدية الخ... وعلى هذا المنوال قد يكون التقييم جادّا وموضوعيا واسناد الجائزة لا تشوبه شائبة، فقرار لجنة متكوّنة من عديد الشعراء الأكفاء ومن مختلف التوجهات الشعرية تجعل من هذه الجائزة أكثر من مصداقية وكذلك بعيدة عن الشك والمجادلة. 4) المتتبع للأحداث يرى أنّ الفارق الزمني بين مسابقة وأخرى وفن وآخر يتعدّى السنوات؟ وهو ما يحرم العديد من المشاركة أو ما يجعل عدد المترشحين لكل مسابقة يرتفع لحدّ التخمة وهو ما يشكّك في عملية التقييم والتمحيص، اضافة الى تحاشي الدّقة والتأنّي في القراءة من طرف أعضاء اللجنة لهذا الكم الهائل من المجموعهات الشعرية مجموعة شعرية دفعة واحدة في ظرف وجيز؟ السؤال لماذا لا تخصص عدّة جوائز لعدّة فنون كلّ عام ولو اقتضى الأمر تقسيم قيمة الجائزة الواحدة الى عدّة جوائز فالمهم المواصلة وتقريب المسافة الزمنية لتوفير أكثر الحظوظ. أخيرا أرجو أن لا أؤاخذ من طرف أعضاء لجنة التحكيم من غير الشعراء وخاصة أستاذي المفكر والأديب الفذ عزالدين المدني الذي يدرك ما أكنّه له من تقدير واحترام انسانا وأديبا والحجّة في ذلك، احترامي له خارج أطر اللقاءات الأدبية والندوات ، وحتى على أرصفة أنهج المدينة وشوارعها وأزقتها كلّما رأيته مترجّلا، أو جالسا، الاّ وبادرته من بعيد أو قريب بإبداء التحيّة والمصافحة تبجيلا لشخصه وتقديرا لما أثرى به الساحة الثقافية بتونس والوطن العربي من كتابة جيدة وأدب فذّ. * عبد الحميد مواعدة