كنّا كالعادة جلوسا في حانوت الهادي الحجام هاربين من ضغط الأيّام وكان صديقنا جيلاني عبوسا قمطريرا لتنهداته شهيقا وزفيرا وقد ثبت على رأسه كبوسا في لون دم الحمام وأخذنا نخوض في مصائر الأيّام فقال الحجّام قد اقترب رحيل هذا العام وماذا أعددتم للإحتفال برأس العام وأين ستقضون ليلة هذا العيد؟ في نزل بالجريد أو في دار يغلقها باب من الحديد فقال عبد المجيد تلك أيّام ذهبت مع فصل الشباب فلا تذكرنا يا أخانا بذلك الزمن التليد فقال سي محمود مازالت أحنّ لهذه الأيّام ولكن أين الصحة والشباب والأحلام فصاحبة الدار والأولاد يريدون سهرة متواضعة كسائر العباد فقال رشاد رغم العناد فهي سهرة مستورة ولكنّها ليست ميسورة فدجاجة أو دجاجتين أو فطيرة من »القاطو« ولا تكون من صنع الحاجة أو البنات أو البنين زد على ذلك مشروبات وعصير فقال بشير لقد أصبح ذلك من العبء الكبير فقال سي محمود هذا كلّه من العبث الكثير وقد صار من البدع والسنن التي تتبّع وقد تعلقنا بالقشور واضعنا اللب وخرجنا عن روح الأدب فمرحبا بسيدنا المسيح ولكن أيّها المعلّم الفصيح أليس لكل أمّة كتاب ودين سمح ومليح وما رأيك في احتفالاتنا المولدية وما فيها عصائد شهية فلنحافظ على متاعنا ولنترك ما لغيرنا لغيرنا فقال عزالدين ما قاله سي محمود كلام محمود وهو لا يخرج عن الحدود فروح الأديان وتعاليمها تقصي التقليد وتدفع للتجديد فلنبعد كلّ الأدران ولننفض الصدأ عن كل حديد ولنعش كما كان الأولون بقناعتهم فرحون فلا تسيب ولا تشديد وخير الأمور الوسط ولا تقصير ولا شطط، فتدخل عمّار الرجل الكليم وقال لقد قيل في القديم »بات بلا لحم تصبح بلا دين« وهذا ما صححته الأيّام وعمقته الأرقام فلم يكن لدى الأقدمين تداين ولا منّي حكمهم تباين فقرّر حمّة أن لا عيد ولا يحزنون وهي ليلة وفراقها صباح فاعلموا أيّها المقلدون كي لا تهزّكم الرياح وتخسروا كلّ الأطراح.