كنا جلوسا في حانوت الهادي الحجام في جماعة من المعلمين وثلّة من متقاعدي المناجم نستمع من نافذة الدكان إلى صياح باعة الحوت والحديث المعاد للعاطلين عن أخبار الحارقين، فقال عميد المتقاعدين هل تتابعون الأخبار ممّا لم يرد في قواميس ولا معاجم ولم نسمعه في أي دار، إنّها أنفلونزا الخنازير وكل يوم تزداد في كل بلاد من أمريكا إلى التشاد. ولا ينفع فيها عسل مكنوز في زير ولا دواء لطبيب أو متطبب أو وزير وهنا تدخل حمّه البشير وهو دائما من جماعة الأقلام والطباشير قائلا تبا لهذا العالم الذي أصبح هدفا للأمراض الغريبة من جنون البقر الى الزكام الذي أصاب الطيور وها نحن في نزلة الخنازير وكوارث الأعاصير ويقترب الجميع من الحفر والقبور، فقال منصور وهو من قدماء المينة وكانت له عشرة مع علماء الماكينة لا دجاجة مريضة ولا سردوك ولا خنزير ولا حلول فليت معنا الحاج كلوف ليفضح بكلوفه المحبوك إنسان اليوم وصغار القوم وما اعتراهم من الجبن والخوف، فقاطعه شيخ العلماء المحافظين على صلوات الصبح والمساء قائلا :»يا جماعة لقد اقتربت الساعة وهذه شروطها وعلاماتها فالدنيا كثرت غرائبها وانتشرت أمراضها والعلامات الصغرى ظهرت وأصبحت قاب قوسين أو أدنى». فانتفض عزالدين وهو من الأساتذة المتقاعدين الملحدين لم يعرف صياما ولا قياما وقال مخاطبا وغاضبا أية ساعة يا سادة إنّما هي عولمة وتحولات ومحنة وتقلبات ولابد من الإيمان بالعلوم والمعارف وما يصنعه الإنسان وما يصعد إليه بلا كرسي ولا سلوم ومازلتم تعالجون بالبصل والثوم وتخافون من البورصة والمصارف فهذه الأمراض وقبلها الأعراض تزال باللقاح لا بالخل ولا بعصير التفاح، فثقوا في العلم والطب وتسلحوا بالقلم والكتب، عندها تنحنح العم مفتاح وهو من شيوخ المنجم وكانت له صولات في الليل وفي الصباح أيّام الكفاح وتحرير البلاد وفي حملات الإنتاج له قياس وزاد وهو كالحجر الباقي في الواد. فقال لقد عملت في الداموس وكنت مع الطليان والروس، وعاشرت الفرنسيين وارتقيت من كبران إلى شاف سربيس فكلامك يا عزالدين كلّه صحيح وتحليلك مليح ولكن من يعمل بهذه الدعوات ذات التنوير والصادرة عن القلب البصير فكثير من أصحابي وأصحابك عبدوا الفضائيات وصاروا يؤمنون بالترهات ولا يخدّمون الكمباص وكأنّ العقل ليس في الرأس بل هم مثقفون بالسماع ولا يلتقطون الاّ سقط المتاع، فقال البشير حبيب الطباشير ليت هؤلاء خسروا على أمخاخهم ليكون العلم لهم أزكى رصيد ويقلعوا عن هذا التفكير البليد.