موجات من الافات والكوارث ما فتئت تجتاح العالم منذ سنوات.. فقد ظهر جنون البقر وفجر صراعا مريرا بين الاروبيين والامريكان وظلت الاتهامات سجالا بينهما أعدمت خلالها عشرات الالاف من رؤوس الابقار ثم ظهرت آفة الجمرة الخبيثة وباتت ملامسة اي ظرف أو جسم غريب مغامرة وخيمة العواقب في خضم المعركة ضد ما يسمى الارهاب سرعان مانسيها العالم لتحل محلها موجة الانفلونزات وفي مقدمتها انفلوانزا الطيور قيل انذاك ان طيور مهاجرة مصابة نقلت هذا الفيروس الى الطيور الداجنة فنفقت وأبيدت ملايين من الطيور في مختلف اصقاع العالم وانتقل هذا الفيروس الى البشر خصوصا الذين يتعايشون مع هذه الطيور سواءفي تربيتها او الاتجار بها وأقيمت الحواجز في كل المعابر والمنافذ بين المدن والبلدان للحيلولة دون انتشار هذا الداء صنّف كل ذي منقار في المراتب الاولى من اهتمامات البشر واضحى التخلص منه اولوية مطلقة ..للاعلام وطأته الخطيرة على توجيه الراي العام كانت كل نشرات الاخبار الموجزة منها والمطولة لا تخلو من الشاحنات الضخمة من مختلف اماكن العالم تفرغ حمولتها من الطيور النافقة في مدافن جماعية وترى اشباحا بشرية مقنعة ترش مبيدات في معارك ضارية للقضاء على هذا الفيروس.. لم تكن الرديف بمنأى عن هذه الآفة التي ألمّت بالعالم فقد سعى المواطنون للتخلص بسرعة من طيورهم واطلقوا سراحها في الجبال والاحراش والوهاد المحيطة بالبلدة سرح الدجاج والبط وتنفس الصعداء من ضيق المساحات التي كان يعيش فيها فهاهو يملأ رئتيه هواء نقيا عبر مسالك صحية في الجبال. أزمة الطيور عم دبيب هذه الكائنات الداجنة مغاور الجبال الجرداء واصبحت طرائد سهلة للثعالب والذئاب وكذلك لرهوط اخرى من البشر فها هو الدجاج السائب لقمة سائغة في متناول مجموعات من المدمنين المتعاطين للكحول بعد ان كانوا يعانون الويلات للحصول على بقايا اسماك متعفنة او فضلات عظام من قمامة الدكاكين يتناولونها في مخابئهم وتحت الكهوف بعيدا عن اعين الناس. فقدت كثير من العائلات المعوزة مصدرها الرئيسي من البروتينات كما فقدت عائلات اخرى موارد رزقها. لم تفلح الومضات الدعائية في التلفزة او غيرها من وسائل الاعلام لتقريب الهوة بين المواطنين والطيور حتى موائد الشواء في الهواء الطلق والاطباق الشهية التي من شانها ان تسيل اللّعاب وتجعل المرء يتهالك على الدجاج المشوي لم تتمكن من مد جسور المصالحة بين البشر والدجاج. لقد تنكر البشر الى الكائنات الجميلة التي تم تدجينها والاستفادة منها منذ عصور خلت.. هل يمكن ان نقطع مع هذه الطيور التي عاشرتنا؟ ما رايكم في كوكبنا الأرضي وهو خال من ذوات الريش بصفة عامة؟ ماذا سنذكر لأبنائنا في المستقبل حول هذه الحيوانات؟هل ستدرس كما ندرس الان الديناصورات المنقرضة باشكال افتراضية ووفق ما توفر من رصيد اركيولوجي؟ سيختل التوازن البيئي لا شك في غياب هذه الكائنات ستظل الطيور المصنعة المنحوتة والمصقولة والبلاستيكية منها سلوانا الوحيدة في استحضار هذه الحيوانات تماما كالورود والازهار البلاستيكية التي رغم رونقها وجمالها لا ترقى الى نضارة الورود الطبيعية العطرة. لقد مرت انفلونزا الطيور بكثير من الخسائر لتحل محلها انفلونزا الخنازير والتي ملأت الدنيا وشغلت الناس منذ ما يزيد عن السنة من المكسيك اكتسحت العالم ناقلوه ديدنهم الحركة والتنقل ليسوا سوى البشر معمرو هذا الكوكب.. ما حكاية اللقاح؟ طال الفزع كل اصقاع العالم نشطت الهياكل والمنظمات وسعت المخابر في سباق محموم لايجاد لقاحات كل شركات تصنيع الادوية تحاول ان تحقق السبق العلمي. المطلوب لقاح فعال. افردت نشرات اخبارية تقودها منظمة الصحة العالمية لتمدنا بتطورات وتداعيات هذا الداء. بدا مؤشر المصابين والموتى في خط تصاعدي... هذا يناصر اللقاح ويدعو اليه وذاك يكذب ويفند بدعوى مؤامرة تحاك هدفها صراع تجاري بغيض بين المخابر وشركات الانتاج لاستنزاف ميزانيات الدول والشعوب خصوصا الفقيرة منها. أصبح المواطن في مفترق الطرق تتنازعه الاهواء وتتقاذفه التيارات المتناقضة يستشعر الخطر في كل لحظة ويعلم انه مستهدف بسبب «تسونامي اعلامي» الذي حجب عنه الرؤية بصيص امل يلوح في عمق النفق من خلال طريقة تناول هذه المعظلة في تونس دون ضجة ولا تهويل بدأت الهياكل في معالجة هذه الافة الوافدة عبر تشكيل مرصد من المختصين للاحاطة بهذا الداء وتطويقه.تمت مراقبة كل الوافدين على الحدود. تم تشخيص هذا الفيروس ووقع التعرف على اعراضه. صيغ كل هذا في ومضات سمعية بصرية لتحسيس المواطن وتوعيته توجهت بالخصوص الى مواطن التجمعات (مدارس.. معاهد.. كليات.. ثكنات..) تمشي محمود هدّأ من روع المواطنين رشد سلوكهم تجاه هذا الخطر الداهم. يطل علينا من حين الى اخر اطباء مختصون ليتلوا علينا وصياهم الثمانية من بينها نهينا عن المصافحة والتقبيل والدنو من المصابين فكل شخص يعد مصابا حتى يثبت برؤه. اذن يجب الكف عن المصافحة بالايدي والانف (كما هو الشأن لدى الخليجيين) وستظل المصافحة السودانية مقبولة على كل حال (كان تضع كتفك على كتف الآخر) لعدم تلاقي الاكف. أما القبل فتحجر تحجيرا مطلقا مهما كانت دوافعها وأسبابها.. ألسنا مكممين؟ كذلك تمنع اللقاءات الحميمية بين العشاق والازواج ومنها الواجبات الزوجية وما أدراك. عالم إفتراضي يعني هذا انه ينبغي علينا ان نبحث عن بدائل أخرى لهذه السلوكات التي اكتسبناها كبشر منذ أن تيسر وجودنا الاجتماعي بما انه يمنع التماس الجسدي مهما كان شكله فإنه يتعين علينا ان نمارس علاقتنا عن «بعد». أليس العصر عصر اتصالات عن بعد؟ سيكون كل ما ننوي فعله افتراضيا لمساتنا.. مناجاتنا.. قبلنا.. احتكاكنا البدني افتراضي. لعلنا نجد ضالتنا فالعلم وفر علينا عناء البحث والاستقصاء علينا بطفل الانبوب على ان يكون المني والبويضة سليمين من فيروس وان يكون الجنين في رحم اصطناعي فما المانع من ذلك؟ ثقتنا عمياء في الحاضنات سنظل نتابع باهتمام بالغ نموه كما تنمو نبتة اليقطين(القرع). اما اذا استغنينا عن هذا المنحى فالاستنساخ ملاذنا وملجؤنا. سيكون «السحب» سيد الموقف. سنتستنسخ نماذج اخرى متطابقة تؤمن لنا بقاء النوع البشري بايسر السبل وأسهلها. أما عواطفنا الجياشة ووجداننا فاوعيته جاهزةال«SMS» وال«MMS» الصور والرسائل القصيرة ملتزمين بالهامش الذي وفره لهم فيروس «AH1N1». هنيئا لنا بهذا الفيروس الذي سيجعل منا كائنات ملائكية في تواصلنا العاطفي. سيرقى حبنا الى عناق الارواح في السموات العلى.. ستتزاوج ارواحنا المقسومة منذ الأزل والى الابد اما اجسادنا فلا تعدو ان تكون ظلالا لما يصير في السماء السرمدية...تحققت الرؤية الافلاطونية