قد يحكم على المريض بالفشل وقد يذهب في إعتقادنا أن الابطال هم أصحاب أجساد متكاملة لم تعان المرض ولا الألم.. ولكن ما رأيكم في أبطال لم ينجحوا في حياتهم المهنية فقط بل تألقوا في عديد الرياضات وحصدوا الالقاب والميداليات بعد أن تحصلوا على كلية أو قلب من غيرهم ما رأيكم في أشخاص عانوا المرارة والألم بسبب المرض ثم إنقلبت حياتهم رأسا على عقب عندما عثروا على متبرع وهم الآن يعيشون بأعضاء غيرهم؟ لقد مثلت سنة 1986 ولادة أمل جديد لمن تعطلت لديه وظيفة عضو ما ففي هذه السنة زرعت أول كلية بنجاح فكانت النقلة نحو مزيد التقدم ولم لا زرع أعضاء أخرى كالقلب والكبد والقرنية وكانت السنوات التي تلت هند الحدث خير شاهد على النجاح الطبي في إحياء الأمل داخل الأجساد التي أنهكها المرض.. في الريبورتاج التالي حكايات مثيرة عن أبطال تألقوا بأعضاء غيرهم. عندما نسمع عن بطل في إحدى الرياضات يذهب في إعتقادنا أنه لا يشكو شيئا وأن جسده متكامل لم يعكر صفوه أي ألم أو مرض لكن هل يمكن أن يصنع تبرع بعضو ما من مريض إسما لامعا في عالم الرياضة ويعتلي بذلك منصات التتويج في عديد المنافسات الرياضية ويؤكد لنا نجيب شيوح 56 سنة أستاذ في التربية البدنية أنه أجرى سنة 1998 عملية زرع كلية حصل عليها من متبرع من إحدى الدول العربية وكان ذلك دافعا لمزيد التألق ولم تثنه الجراحة على نسيان هواياته ومواهبه فقد توج في عديد المناسبات بميداليات ذهبية وفضية وبرنزية في إختصاصين هما السباحة والعدو الريفي يقول لا يمكن أن تمرّ تظاهرة دون أن أتوج فمثلا سنة 2007 بالكويت تقلدت ميدالية ذهبية مؤكدا أنه إستعاد نشاطه ولا يشكو أية متاعب. عودة للنشاط ولا يعني زرع قلب أن الراحة المطولة هي ما ينصح به لمن أجرى هذه العملية الجراحية فعلي عبد الملك 47 سنة موظف بالشركة التونسية للكهرباء والغاز تبرع له إنسان لا يعرفه سنة 1998 بقلب وهو يمارس نشاطه بصفة إعتيادية ويؤكد أن نجاح العملية لا يكون بنسبة 100٪ بل توجد حمية خاصة مع ضرورة المواظبة على الفحوصات وقد يشاع أحيانا أن من يأخذ قلب إنسان آخر تتغير نشاطاته ونوعية أكله حسب النظام الذي كان يتبعه صاحب القلب الذي تم أخذه منه. ويضيف محدثنا «القلب مجرد مضخة لا يغير زرعه شيئا في الشخصية أو في مشاعرنا أو في تفكيرنا والشيء الوحيد الذي تغير في حياتي هو النشاط المكثف فقد كنت أعيش حياة لا أمارس فيها أبسط النشاطات وألتزم دائما نفس الوضعية عند الجلوس أو النوم ولكن اليوم ما أنفك أدعو بالرحمة لمن وهبني قلبه لأنه أعاد إليّ الحياة وصرت أكثر نشاطا». أما عادل البرني 47 سنة وهو مستفيد من كلية أخيه سنة 1998 كان من العناصر التي كونت النواة الاولى لجمعية المنتفعين بزراعة الاعضاء وقد شارك في عدة تظاهرات منها الالعاب الاولمبية بأثينا 2003 وتظاهرات أخرى بكندا وتايلندا وأستراليا كذلك الشأن بالنسبة لسامية الدريدي بطلة العالم في الكرة الحديدية وهي مستفيدة من كلية منحت لها سنة 2001 وهي موظفة تبلغ من العمر 42 سنة تقول عن تجربتها «منحتني شقيقتي كلية وحاليا أتمتع بصحة جيدة وأعيش حياتي بشكل عادي بعد أن تأقلم العضو الجديد مع جسدي بل أكثر من ذلك رصيدي زاخر بالميداليات في بطولات العالم والمشاركات في الالعاب الاولمبية وأحرزت لقب بطلة العالم في الكرة الحديدية» وتضيف محدثتنا أنها شاركت في البطولة العالمية للمنتفعين بزرع الأعضاء أوت 2007 ومشاركتها في الدورة المغاربية للتبرع بالأعضاء في ليبيا (سبتمبر 2007) وأحرزت ميدالية ذهبية وأخرى فضية في رياضة المشي (سباق 5000م) وتستعد للمشاركة في البطولة العالمية في أستراليا (أوت 2004) ومهما كانت الجراحة فقد أثبت هؤلاء الرياضيون أنهم ليسوا إستثناء في المجتمع بل هم حلقة من حلقاته يصنعون الإضافة رغم حصولهم على أعضاء من غيرهم. أب ينقذ إبنه وفي نفس السياق أفادنا السيد عبد العزيز بالحاج أستاذ بمكثر (51 سنة) والذي حدثنا بكل ثقة عن تلك التجربة والمتمثلة في تبرعه بكلية سنة 1999 لإبنه البالغ من العمر (20 سنة) وهو يشعر الآن بصحة جيدة ولا وجود لأي مخلفات صحية لآثار هذه العملية ويقول محدثنا أنه يمارس نشاطه اليومي بكل أريحية وبكل ثقة في النفس وكذلك نفس الشيء بالنسبة لإبنه كما أشار محدثنا إلى أن هذه القيمة الانسانية لازالت قائمة في مجتمعنا والدليل أنه تبرع لإبنه بكلية لكن رغم أهمية هذه القيمة إلا أن البعض من الناس يرفض هذه الفكرة على غرار السيدة (سنية 27 سنة) حيث أنها تحترز من هذا الموضوع نظرا لخوفها من الإتجار بالأعضاء وتعتبر أن جسدها ملك لها وحدها ويجب أن تحافظ عليه مهما كانت الظروف وتقول أنه أبسط ما يمكن أن أقدمه لجسدي هو دفني كتلة واحدة غير مشتتة الأعضاء في حين يرى البعض العكس على غرار السيد عبد الكريم (موظف) والذي يعتبر أن ثقافة التبرع بالأعضاء لازالت غير متداولة في مجتمعنا نظرا لبعض الاشاعات التي تروج حول المتاجرة بالأعضاء مؤكدا على ضرورة نشر هذه القيمة إما عن طريق وسائل الإعلام أو العمل على الرفع من عدد المواطنين الحاملين لبطاقة متبرع. زوجة أبي أنقذت حياتي عندما يكون الفرد منا في حاجة إلى عضو من الأعضاء فإنه من الطبيعي أن يقف أفراد عائلته إلى جانبه كأن يقف الأبناء إلى جانب آبائهم أو الزوجة إلى جانب زوجها لكن أن تقف زوجة الأب إلى جانب الإبن عند الحاجة فهذا أمر مستبعد هي حالة نادرة يرويها السيد منصف بازين عضو الجمعية التونسية للتحسيس بالتبرع بالأعضاء والبالغ من العمر 57 سنة يقول محدثنا «قبل إجراء عملية زرع الكلية كنت أعيش وضعية صعبة و لم أعرف معنى الإستقرار لا على الصعيد العائلي ولا على الصعيد الاجتماعي وكنت أخضع إلى حمية غذائية قاسية جدا وكنت عبارة على معاق ولكن في فيفري 2006 تغيرت كل المعطيات وعدت أمارس نشاطي أكثر من السابق ويعود الفضل إلى زوجة أبي التي أصرت على منحي كليتها ومثل يوم 8 فيفري 2006 يوما حاسما في حياتي إذ إنتهت فيه رحلتي مع عذاب الدياليز» ويشير محدثنا إلى أنه يتمتع بصحة جيدة وكذلك الشأن بالنسبة لزوجة أبيه ويقترح محدثنا إنشاء جمعية تسهر على المتابعة الطبية للمتبرعين بالأعضاء والمرضى المستفيدين لأنه وحسب رأيه عملية المراقبة الصحية ضرورية خاصة وأن عددا كبيرا من المتبرعين لا يخضعون لعملية المتابعة لأنها تتطلب مبالغ مالية هامة ويقول في هذا الصدد «موش معقول متبرع ويزيد ينفق من عندو» أملا أن تتولى بلادنا متابعة المتبرع والمريض ولم لا التكفل بهما مدى الحياة صحيح العملية مجانية لكن المتابعة تتطلب نفقات دقيقة. أكثر من 50 ٪ يتقبلون فكرة التبرع وأشار الدكتور رمزي لوحيشي طبيب منسق بالمركز الوطني للنهوض بالتبرع بالأعضاء أن الدراسة التي قام بها المركز الوطني للتبرع بالأعضاء أوضحت أن 53٪ من التونسيين يتقبلون فكرة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة وأن أكثر من 80٪ على بينة بأن عمليات زرع الاعضاء تجرى في تونس ويعتقدون أنها مجانية كما يعلم أكثر من 53.6٪ أن أخذ الاعضاء أمر مباح من وجهة نظر دينية ويحمل 9000 آلاف تونسي عبارة «متبرع» على بطاقات الهوية الخاصة بهم وأشارت الدراسة إلى أن محدودية عدد المتبرعين يعزى بالدرجة الاولى إلى إنعدام الثقة تليها أسباب شخصية فدينية ويرفض قرابة 39٪ الخوض في هذه المسألة. 9000 مريض سنة 2016 تصنف البلاد التونسية في المرتبة الثانية عالميا بعد اليابان من حيث تغطية طلبات المرضى للقيام بعملية تصفية الدم وهي مرتبة مشرفة مقارنة ببعض الدول المتقدمة وهو ما يعكس أهمية الجانب الصحي ببلادنا وما تتكفل به الدولة من مصاريف مثل مصاريف عملية تصفية الدم التي تصل تكلفتها إلى 100 مليار سنويا أي بمعدل 6٪ من ميزانية وزارة الصحة يقع إستثمارها في تغطية تكاليف خاصة ب 7500 مريض سنويا وسيشهد عدد المرضى تزايدا إذ سيبلغ سنة 2016 حوالي 9000 مريض بعد أن كان في حدود 3000 مريض سنة 2003 وحسب الدكتور رمزي الوحشي فإنّ الاسباب تعزى إلى الامراض المزمنة (السكري، ضغط الدم والكوليسترول). وبالنسبة لمرض القلب فيوجد اليوم 200 مريض تستوجب حالتهم زرع قلب وقد تم زرع300 كبد و 3000 شخص هم في حاجة أكيدة لزرع كلية كما يضيف محدثنا أن التباين واضح جدا بين عدد المتبرعين وعدد المحتاجين للتبرع إذ لا نلبي سوى رغبة 1.06٪ علما وأنه على كل مواطن يوجد (9) بإمكانهم التبرع نظرا للتوافق بين نوعية الدم والأنسجة. أما بالنسبة لسنة 2008 فقد سجلت رقما هاما في عدد المتبرعين بالكلية حيث بلغ 127 حالة و 348 عملية تبرع بين سنتي2005 و2008 وكل هذه الارقام دليل على تزايد وعي المواطن التونسي بقيمة التبرع والذي نأمل أن يتطور أكثر فأكثر.