منذ أن دخلت تونس عهد "التوافق"، بمباركة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، كان هناك توجه نحو "تعميم" هذا "التوافق" الثنائي ليصبح توافقا وطنيا يؤسّس لمرحلة سياسية جديدة. وقد شهدت هذه الفترة عديد المطبّات ولم تكن مستقرة سياسيا بما يكفي، الأمر الذي يترجمه تعاقب 3 حكومات وهي الحكومتان اللتان قادهما الحبيب الصيد والحكومة الحالية التي يسيرها يوسف الشاهد. وكانت حكومتا الصيد الأولى والثانية في مرمى الانتقادات لعجزها عن التعاطي مع الملفات الاقتصادية والاجتماعية ولم يسلم الصيد هو الآخر من "التقريع" لفشله في تعزيز أواصر "الأخوة" بين أعضاء الفريق الحكومي واتخاذ قرارات جريئة، ما دفع رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي إلى "الإصداح" بمبادرة حكومة الوحدة الوطنية. ومثلت وثيقة قرطاج العماد والأساس الذي تشكلت على إثره حكومة الوحدة الوطنية، وتضمنت هذه الوثيقة "حزمة" من " المبادئ" العامة على رأسها "التوافق" بين أكبر طيف من المكونات السياسية والذي بموجبه " تجمعت" عديد الأحزاب على اختلاف "أوزانها" السياسية لضمان سند سياسي متين لحكومة تواجه عديد التحديّات. وقد عرفت حكومة يوسف الشاهد عديد الانتكاسات ودق حزبا الاتحاد الوطني الحر وحركة مشروع تونس أولى المسامير في نعشها، وهي التي عرف مسار تشكيلها شدا وجذبا بين مختلف الفاعلين السياسيين. وخروج الأمين العام لحركة مشروع تونس ورئيس حزب الاتحاد الوطني الحر سليم الرياحي من "بيت الطاعة " وكفرهما بوثيقة قرطاج وتموقعهما في المعارضة أنذر ببداية " التقهقر" السياسي لحكومة الشاهد التي راهنت على توسيع قاعدتها الجماهيرية لمجابهة "التركة " الاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي خلّفتها الحكومات السابقة. وراهن يوسف الشاهد في حكومته على الوجوه النقابية على غرار وزير الوظيفة العمومية والحوكمة - السابق - عبيد البريكي ووزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي لكسب "ود" الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظوريه. وقد لعب البريكي والطرابلسي دورا هاما في المفاوضات "الماراطونية" بين حكومة الوحدة الوطنية والمركزية النقابية إثرالخلاف الحاد الذي "تمخّض" عن مقترح إرجاء الزيادة في أجور الوظيفة العمومية. وقبل أيام من بلوغها الشهر السادس بعد المصادقة عليها في 26 اوت 2016 أعلن عبيد البريكي أنه قرر الاستقالة من حكومة الوحدة الوطنية ليدق اسفينا آخر في "نعشها" وهي التي تراهن اليوم على قطاع الوظيفة العمومية والحوكمة والاصلاح الإداري. و"استقالة" البريكي التي أعلن عن قرارها مع تأجيل التنفيذ تزامنت مع تسريبات تتعلق بإجراء تحوير وزاري مرتقب، ما يعكس تخبط الحكومة وعجزها عن التعاطي مع بعض الملفات وفشلها في تجسيد "نظريات" وثيقة قرطاج على أرض الواقع خاصة في ما يتعلّق بالإصلاح الاقتصادي. وتداول اسم البريكي كبديل لوزير التربية ناجي جلول قد أحرجه أخلاقيا وفق ما أكّدته مصادر موثوقة، وهو الذي كان يشغل سابقا خطة الناطق الرسمي للاتحاد العام التونسي للشغل، الذي تقود نقابتان تابعتان له "حربا" شعواء للمطالبة بإقالة جلول. في الوقت الذي كان عبيد البريكي " يناور" قطع عليه رئيس الحكومة يوسف الشاهد الطريق قبل لقائه برئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الذي ربما كان سيمثل سببا لعدوله عن الاستقالة وأعلن عن تحويري وزاري، أزاح من خلاله "ممثل" الاتحاد العام التونسي للشغل ليعوضه بممثل منظمة الأعراف. وأثارت هذه الخطوة "حفيظة" الاتحاد العام التونسي لللشغل الذي أعلن عن انعقاد اجتماع طارئ لمكتبه التنفيذي غدا ومن جهته نشر الامين العام المساعد في الاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري تدوينة جاء فيها " رصّوا الصفوف.. توحّدوا..استعدّوا ..فالرسالة واضحة"، ليدق بذلك نواقيس "الحرب" بين الاتحاد والحكومة، ما ينذر بتعرية الحكومة من غطائها النقابي. وإذا ما عدنا إلى الأسباب التي أوعز لها البريكي باستقالته سنلاحظ انها ارتكزت على تكرّر ممارسات يرفضها مبدئيا، الأمر الذي فتح باب التأويل على مصراعيه وجعل حكومة الشاهد "فريسة" للانتقادات. ويظهر أن علاقة الاتحاد العام التونسي للشغل قد أخذت منحى آخر سيتسم بالتوتر، خاصة إذا ما علمنا أنّ الشاهد لام البريكي لتشاوره مع الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي حول اعتزامه الاستقالة..وأن البريكي صرح لبعض المقربين منه بما مفاده تأثير بعض المسؤولين في الحكومة على رئيسها يوسف الشاهد. وخطوة الشاهد المفاجئة بإعلان إقالته وضع الحكومة بأكملها على صفيح ساخن قد تأكل حرارته "صحيفة قرطاج". وفي انتظار ما سيسفر عنه الاجتماع الطارئ للمكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي تبقى كل السيناريوهات محتملة.