28 و29 ديسمبر الجاري : انعقاد الدورة 12 للجنة المشتركة التونسية السعودية بالرياض.    الميناء التجاري برادس محل متابعة من قبل سلطة الإشراف    خبايا الخطة..ماذا وراء اعتراف اسرائيل بأرض الصومال..؟!    كأس امم افريقيا 2025 :منتخب بنين يفوز على بوتسوانا 1-صفر..#خبر_عاجل    مداهمة مصنع عشوائي بهذه الجهة وحجز مواد غذائية وتجميلية مقلدة..#خبر_عاجل    تأجيل محاكمة رضا شرف الدين    وزارة النقل: الدفعة الاولى من صفقة اقتناء 461 حافلة من الصين ستشحن قريبا (فيديو)    هام/ بالأرقام: كميات الأمطار المسجلة خلال 24 ساعة الماضية..#خبر_عاجل    كأس أمم إفريقيا 2025: السودان وغينيا الاستوائية في اختبار حاسم لإنعاش آمال التأهل    النادي الصفاقسي: الكشف عن الحالة الصحية للاعبين إثر نهاية تربص سوسة    عاجل/ حجز يخوت ودرجات نارية فاخرة: تفاصيل تفكيك وفاق دولي لترويج المخدرات يقوده تونسي..    الكاف: ورشات فنية ومعارض وعروض موسيقية وندوات علمية في اليوم الثاني من مهرجان صليحة    اللجنة الوطنية الأولمبية التونسية: محرز بوصيان يواصل رئاسة اللجنة    عاجل/ بعد اعتراف الكيان بأرض الصومال: حماس تصدر هذا البيان وتفجرها..    جريمة مروعة: وسط غموض كبير.. يقتل زوجته وبناته الثلاث ثم ينتحر..#خبر_عاجل    إيقافات جديدة في فضيحة مراهنات كرة القدم    رئيس الجمعية التونسية لمرض الابطن: لا علاج دوائي للمرض والحمية الغذائية ضرورة مدى الحياة    عاجل/ تنبيه: انقطاع التيار الكهربائي غدا بهذه المناطق..    مستخدمو التواصل الاجتماعي مجبرون على كشف أسمائهم الحقيقية    قابس: نجاح جديد بقسم طب العيون بالمستشفى الجامعي بقابس    كرهبتك ''ن.ت''؟ هذا آخر أجل لتسوية الوضعية؟    سيدي بوزيد: تحرير 17 تنبيها كتابيا وحجز كميات من المواد الغذائية    قابس: تقدم مشروع اصلاح أجزاء من الطرقات المرقمة بنسبة 90 بالمائة    المسرح الوطني التونسي ضيف شرف الدورة 18 من المهرجان الوطني للمسرح المحترف بالجزائر    عروض مسرحية وغنائية وندوات ومسابقات في الدورة العاشرة لمهرجان زيت الزيتون بتبرسق    حصيلة لأهمّ الأحداث الوطنية للثلاثي الثالث من سنة 2025    السكك الحديدية تنتدب 575 عونا    بعد ليلة البارح: كيفاش بش يكون طقس اليوم؟    مواعيد امتحانات باكالوريا 2026    التشكيلة المحتملة للمنتخب التونسي في مواجهة نيجيريا    حجز 5 أطنان من البطاطا بهذه الجهة ،وتحرير 10 محاضر اقتصادية..    عاجل/ تعطّل أكثر من ألف رحلة جوية بسبب عاصفة ثلجية..    الركراكي: التعادل أمام مالي كان محبطًا لكنه سيكون مفيدًا مستقبلاً    تايلاند وكمبوديا توقعان اتفاقا بشأن وقف فوري لإطلاق النار    تنفيذا لقرار قضائي.. إخلاء القصر السياحي بمدنين    رئيس وزراء بريطانيا يعلن عن عودة الناشط علاء عبد الفتاح    ألمانيا.. الأمن يطلق النار على مريض بالمستشفى هددهم بمقص    فرنسا.. تفكيك شبكة متخصصة في سرقة الأسلحة والسيارات الفارهة عبر الحدود مع سويسرا    مزاجك متعكّر؟ جرّب هذه العادات اليومية السريعة    المجلس الجهوي لهيئة الصيادلة بتونس ينظم الدورة 13 للايام الصيدلانية يومي 16 و17 جانفي 2026 بتونس    استراحة الويكاند    نشرة متابعة للوضع الجوي لهذه الليلة..#خبر_عاجل    قرقنة تكشف مخزونها التراثي: الحرف الأصيلة تحول إلى مشاريع تنموية    الأحوال الجوية: وضع ولايات تونس الكبرى ونابل وزغوان وسوسة تحت اليقظة البرتقالية    نصيحة المحامي منير بن صالحة لكلّ تونسية تفكّر في الطلاق    وزارة التربية تنظّم يوما مفتوحا احتفاء بالخط العربي    أيام القنطاوي السينمائية: ندوة بعنوان "مالذي تستطيعه السينما العربية أمام العولمة؟"    قائمة أضخم حفلات رأس السنة 2026    موضة ألوان 2026 مناسبة لكل الفصول..اعرفي أبرز 5 تريندات    4 أعراض ما تتجاهلهمش! الي تتطلب استشارة طبية فورية    جندوبة: انطلاق اشغال المسلك السياحي الموصل الى الحصن الجنوي بطبرقة    بداية من شهر جانفي 2026.. اعتماد منظومة E-FOPPRODEX    تونس: مواطنة أوروبية تختار الإسلام رسميًا!    أفضل دعاء يقال اخر يوم جمعة لسنة 2025    نابل: حجز وإتلاف 11طنا و133 كغ من المنتجات الغذائية    البحث عن الذات والإيمان.. اللغة بوابة الحقيقة    روسيا تبدأ أولى التجارب للقاح مضادّ للسّرطان    السجن المؤبد لصاحب شركة وهمية أغتصب طالبة وقتلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القَصْفُ على مَطارِ الشعيرات السوري أصابَ السياسةَ الأمريكيّة في مقتل!
نشر في حقائق أون لاين يوم 24 - 04 - 2017

عندَما أكَّدْتُ في الفصل الأوّل مِن كِتابي " صَخْرَةُ الصُّمُودِ السُّوري والرؤوسُ الحامِيَة" الذي صدَرَ مُؤخّراً عن دار ديار للنشر والتوزيع في تونس...
عندَما أكَّدْتُ في الفصل الأوّل مِن كِتابي " صَخْرَةُ الصُّمُودِ السُّوري والرؤوسُ الحامِيَة" الذي صدَرَ مُؤخّراً عن دار ديار للنشر والتوزيع في تونس، على أنني ما زلتُ أرى " أنَّ الشركات الاحتِكاريَّةَ الإمبرياليّةَ في الولايات المُتَّحدِة الأمريكيّة وَمَصالحَ تلكَ الشركات عبْرَ العالم هِي مَرجعيّةُ صُنَّع القَرار المُحدِّد والمُوَجِّه للسياسَتَيْن الداخليّة والخارجيَّة الأمريكيَّتين. وهِي التي تُرَجِّحُ كَفَّةَ الجمهوريين تارةً والدِّيمقراطيِّينَ تارَةً أخرى في القَبْضِ على دَفَّتَيِّ أيٍّ مِنَ السّلطَتَيْنِ التشريعيّةِ والتَّنْفيذيّةِ"، وبيَّنْتُ أنَّهُ "إذا كانت الإداراتُ الأمريكيّةُ المُتلاحِقَةُ مُنْذ انهيار الاتحاد السوفياتي قد اعْتَمَدَتْ سياسةً خارجيّةً ترْمي إلى السيطَرَةِ على السياسةِ الدّوليّةِ سيطرةً مُطْلَقَة بالقُوَّتين العسكريّةِ والاستخباراتيّةِ خدْمَةً لِمَصالِحِ الشركاتِ الإمبرياليّة تحْتَ شِعارِ: الحِفاظ على نَمَطِ الحياةِ اليوميّةِ لِلْمُواطِنِ الأمريكيّ، الذيْ تَبَيَّنَ أنَّه كانَ شِعاراً زائفاً تَضليليّاً ديماغوجيّاً تَماماً كِشعار: تصدير الديمقراطيّة، ذلكَ أنَّ العَقْدَيْنِ الماضِيَيْن مِن هذهِ السياسةِ قَدْ أفْضَيَا إلى فَجْوَةٍ هائلةٍ بينَ مَصالِحِ تلكَ الشركاتِ والنُّخَبِ السياسيّةِ والاقتِصاديّةِ والإعلاميّةِ المُحيطَةِ والمُرْتَبِطَةِ بِها مِن جِهَةٍ وَبَيْنَ مَصالِحِ العامَّةِ مِنَ الشَّعبِ الأمريكيّ مِن جِهَةٍ ثانية، إذا كانَ ذلكَ كذلكَ فَمِنْ تلْكَ الفَجْوَةِ تَسَرَّبَ دونالد ترامْب إلى البيْتِ الأبيَض"، مُسْتَدْرِكاً أنّ " هذا لا يَعْني أنّ دونالد ترامب بِمَثابَةِ أرنستو تشي غيفارا قادِم مِن طَبَقةِ الأغنياء أو كَمُنْشَقٍّ عن الأثرياءِ الإمبرياليِّين لِيَخدمَ مَصالح طبقاتٍ شَّعبيَّةٍ في شَمالِ القارَّةِ الأمريكيّة، كما أنَّهُ ليسَ غورباتشوفاً أمريكيّاً أوْكَلَتْ إليهِ المُخابراتُ الرُّوسيَّةُ مهمَّةَ تَقويضِ الولايات المُتَّحدة الأمريكيَّة مِنَ الدَّاخِلِ كما سَبَقَ للمُخابراتِ الأمريكيّة أنْ أوْكَلَتْ إلى ميخائيل غورباتشوف مَهَمَّةَ تَقْوِيضِ الاتحاد السوفياتي مِن داخِلِهِ. بل الأرْجَح عنْدَنا أنَّ دونالد ترامْب جاءَ بمهمَّةِ إصْلاح السياسةِ الخارجيّةِ الأمريكيّة التي انْحَرَفَ بها المُحافِظون الجُّدُدُ مِن الجمهوريّين، والديمقراطيين الذين واصَلُوا سياساتِهِم الحَمْقاء ، لِتَغْدُو هذهِ السياسةُ خَطَراً مُحْدِقاً بالسلمِ العالمي ، وفي الآن نفسِهِ خَطَراً على نَمَطِ الحياةِ اليوميَّة لِلمُواطِنِ الأمريكيّ الذي كانَ وراءَ وُصُولِ ترامْب إلى البيتِ الأبيض".
لكنّني كُنْتُ أوَّلَ مَنْ فُوجئَ ، رُبّما، بأنَّ الدّوائرَ التي كانت تُراهِنُ على إدارةٍ تقودها هيلاري كلينتون، والتي تسيطِرُ على مُعظم وسائل الإعلام والتواصُلِ الأمريكيّة، لم تَتَرَدَّدْ في تصويرِ "دولانْد ترامْب" وكأنَّهُ النّسخة الأمريكيّة مِن "غورباتشوف"، صَنَعَتْهُ المُخابراتُ الرُّوسيّة وأوْصَلَتْهُ إلى البيتِ الأبيض لِتَفكيكِ الولايات المُتّحدَة ، ولوَّنَتْ هذه الصُّورَة باتِّهامِ شخصيّاتٍ هامَّة مِن الطاقم الذي اخْتارَهُ بالتَّعامُلِ مع المُخابرات الرُّوسيّة عبر السفارة الرّوسيّة في واشنطن أو بالسَّفَرِ إلى موسكو ، وأخذتْ هذه الاتّهامات مَنْحىً جدّيّاً مِمّا اضطرَّ ترامب إلى التّخَلِّي عَنْ تلكَ الشخصيّات الواحِدَة تلو الأخرى على إيقاع التظاهرات التي عَمَّتْ الشوارع الأمريكيّة تتّهم الرئيس الأمريكيّ الجديدَ بأنَّه خَطَرٌ على البيئة الكونيّة وأنَّ بقاءَهُ في البيت الأبيض سيُفْضي إلى تفكُّكٍ يُدشِّنُهُ انْفِصالُ ولاية كاليفورنيا الوشيك . وهكذا وَجَدَ الخبيرُ في "بناءِ العِقارات" نَفْسَهُ أسيرَ نصائح المخابرات الأمريكيّة التي يُطفئ أَخْذُهُ بِها عاصِفَةَ الاحتجاجات التي وَجَدَ حاضِرَهُ ومُستَقْبَلَهُ السِّياسِيَّ في مَهَبِّها ، وأوَّلُ هذه النّصائح أن يَهدِمَ ما شَرَعَ في بِنائه على مستوى السياسةِ الخارجيّة ، بَدْءاً بالتَّنَصُّلِ مِن أيّ علاقةٍ قد تربطُهُ بروسيا وقيصرها فلاديمير بوتين الذي وَضَعَ وُصُولُهُ إلى الكرملين حَدَّاً لِهَيْمَنَةِ القطب الأمريكيّ الأوْحَد على السياسةِ الدَّوليّة لِدَرَجَةِ أنَّ ظِلالَهُ باتَتْ ترسمُ الطريقَ إلى "البيت الأبيض" كما زعمَ الإعلام الأمريكيّ الهوليوديّ في حالةِ الملياردير دونالد ترامب!.
والمخابراتُ الأمريكيّة نفسها التي قدَّمَتْ لكولن باول "الأدلّة" المزعومةَ على امتِلاك نظامِ الرئيس صدّام حسين أسلحةَ دَمارٍ شامِلٍ و التي عَرَضَها في مجلس الأمن الدوليّ ، ثُمَّ اعتَرَفَ لاحِقاً بأنّها كانتْ مُفَبْرَكَةً ، المُخابَراتُ ذاتها بِتَعاوُنٍ مع نظيراتِها السُّعُوديّة والتّركيّة والجماعات الإرهابيّة فَبْرَكَتْ مسرحيّةَ "خان شيخون" الوحشيّة الهوليوديّة في آن . وهذا ما أكّدَهُالبروفيسور "ثيودور بوستل" الخبيرُ الأمريكيّ العالميّ في الأسلحة الكيميائية،مُبْدِياً استعدادَه للذهابِ إلى مكان الحادث في خان شيخون والإدلاء بشهادته بخصوص القنبلة كيميائيّة التي يرى أنّ "هناك منّ فجرها على الأرض".
فقد شكَّكَ "بوستل" كلياً في صحّةِ تقرير المخابرات الامريكّية الذي قدَّمَتْهُ الى الرئيس دونالد ترامب، وأكّدتْ فيه استخدام الطائرات السورية أسلحةً كيميائيّة لضرب خان شيخون، وذلك في مقالٍ مُدَعَّمٍ بالوثائق والتحليلِ العلمي نشرَهُ في صحيفة “كونتر بنش” الامريكية الالكترونية، بيَّنَ فيهِ أنّ " القنبلةَ الكيميائية المزعومة التي أُلقِيتْ على خان شيخون لا يُمكن أنْ تكون قد أُطلِقتْ من الجوّ، وإنّما كانت موجودة على الأرض، وأنّ الرُّوسَ أبلغوا الأمريكان رسميا بأن الطائرات الحربيّة السورية ستقصف البلدة قبل 24 ساعة ".
إذَنْ ، المُخابراتُ الأمريكيّة كما زوّرَتْ أدلّة مزعومة عن امتلاك جيش صدّام حسين أسلحة دَمار شامِل واستخدام ذلكَ ذريعةً لتبرير إسقاط نظامه وإزاحته عن سدّة الحكم في بغداد خارجَ القوانين والشرائع الدّوليّة، كانتْ وراء حكايةِ التفجيرِ الكيميائيّ في "خان شيخون" لاتّهامِ الجيش العربي السوري بهذا العمل الجبان واتخاذه ذريعة لتوجيهِ ضَرْبَة إلى مطار الشّعيرات السوري بَعْدَ أن كان الأمريكان قد علموا أنّ المقاتلات الجويّة السوريّة التي ستضربُ الإرهابيين في خان شيخون ستنطلقُ مِنْ ذلك المطار ، وأنَّ هذه الضَّربة سيكون لها ما يتبعها مِن تجييشٍ هَدَفُهُ إطاحة نظام السيّد الرئيس بشار الأسد في دِمَشق، تتويجاً للأهدافِ التالية:
*تأكيدُ دونالد ترامب استقلاله التامّ عن روسيا وقيادتها، بعمليّةِ الشعيرات، وبالتالي إخراس وسائل الإعلام والدوائر التي ما فتئت تُلاحِقه بهذه التّهمة.
وقد كانَ له ذلكَ فعلاً فَتَوَقَّفَ النّباحُ عليه والتهديد بانفصال كاليفورنيا إلخ، خاصّةً وأنَّهُ أردَفَ هذا السلوك العسكريّ العدائي تجاه موسكو بالتصريح بأنّه لا تربطه أي علاقة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولا يجده قريبا منه بينما شعر بالودّ ازاء الرئيس الصيني منذ أوّل لقاء جمعهما . وهُوَ بذلكَ انقلبَ على نفسِهِ مُنافِساً " الحرباء اللبنانيّة العجوز "وليد جنبلاط" في هذا المجال ، ذلكَ أنّ ترامب ذاته عَيْنه إيّاه ، غداةَ انتخابه رئيساً لم يَفُتْهُ أنْ يُلاحِظَ وهُو يصف برقيّةَ تهنئةِ بوتين لَهُ بالفوز بأنّها "برقيّة جميلة جدّاً ورائعة" ، وأنَّ مُعْظَمَ قادَةِ العالَم هَنَّأوهُ باستثناءِ الرئيس الصِّينيّ "شي جينينغ".(!!!). إنّهُ على الأرجح قد أخذَ بنصيحة الصهيونيّ المُخَضْرَم "هنري كيسنجر" الذي طالما بالَغَ في أهميّةِ الصين في السياسة الدّولة فقط للاستِهانة بروسيا ومكانتها ودورها وللبحث باستمرار عن إسفينٍ يدقّه بين موسكو وبكّين.
*اختبار ردّ الفعل الرّوسي والمدى الذي يُمكِن أن تذهب فيه روسيا في الدفاع عن الدولة الوطنيّة السوريّة، في حال قررتْ واشنطن المُواجَهَة المُباشَرَة مع الجيش العربي السوري. ويبدو أنّ المخابرات الأمريكيّة والبنتاغون كانت شبهَ مُطْمئنّة إلى رخاوةٍ ما في الموقف الروسي مستذكرةً انفرادَها مع حلفائها بالعبثِ في أفغانستان والعراق وليبيا.
وَعلى مَبْدأ "خُذْ أسرارَ القَوْمِ مِن أفواهِ صِغارِهِم" فقَدْ تَطَيَّرْتُ شخصيّاً مِنْ تَجَرُّؤ العبْد الرّعديد "سَعْد الحريري" على الدّولة السّوريّة وقيادتها بِدُونِ مُناسَبَة ُّمِمّا يَعْني أنَّ أولياء أمْرِهِ السعوديين أسَروا لهُ بما يُبيّتونَهُ ضدَّ دمشق، وكما كانَ الحالُ دائماً فالسعوديّة وأخواتها الخليجيّات تَكَفَّلْنَ بتكاليفِ حَرْبٍ (على الرئيس بشار الأسد) بدءاً مِن رَشْقَتيّ التوماهوك على مطار الشعيرات، وبِدَورِهِ فإنَّ السلطان "أردوغان" الذي كان يُراوِغُ موسكو بانتِظار اتِّضاح موقف "ترامب" منه ومِن نُظرائهِ الأمراء والمُلوك العَرَب، أَخَذَتْهُ الحَماسَةُ مُعلِناً اسْتِعدادَهُ للانخراط الفَوْريّ في حَربٍ على سوريا بقيادة ترامب غير آبهٍ بالتزاماته إزاء الرئيس الروسي الذي يُراقبُ بِهدُوءٍ هذا المَشهد مِن كوميديا هوليوديّة سوداء. وبِدَوْرِهِ هَرْوَلَ المملوكُ عبد الله الثاني إلى واشنطن يتلقّى التعليمات بشأن دَوْرِهِ انطلاقاً مِن الأراضي الأردنيّة بخُصُوص ما يُسمّى "إقامة مناطق آمِنَة " في شمال سوريّة وجنوبها. إلّا أنَّ "ريحَ ترامب" لم تفعل أكثرَ مِن إثارة روائح حُلفائهِ النَّتِنة وإظهار ما كانوا يُبْطنوه إزاء موسكو خاصّةً.
وإذا كانَ سيّدهم الأمريكيّ الجديد قد بَلَعَ ما كانَ قَد صرَّحَ بِهِ بشأن المسألة السوريّة، ألم يَقُلْ سابقاً، و حَرْفِيَّاً: "مَوْقِفِي هُوَ التالي : أنتَ تُقاتِلُ سوريا، وسوريا تُقاتِلُ داعش، وعليكَ القَضاء على التنظيمِ (أي داعِشْ). رُوسيا الآنَ تَقِفُ تماماً في صَفِّ سوريا، ولَدَيْكَ إيران التي تزدادُ نُفُوذاً، بِسَبَبِنا، وَهِيَ مَع سوريا. نَدْعَمُ فَصائلَ مُعارِضَةً في سوريا، ولا فِكْرَة لَدَينا إطلاقاً عَن مَنْ تكون " و" في حالِ ضَرَبَتْ الولايات المُتَّحِدَةُ الأسد ، سَنَنْتَهي إلى واقِعِ نُحارِبُ فِيه روسيا وسوريا".
وحسبناهُ حينها على قَدْرٍ مِن الحكمة، إلا أنّه ارْتَدَّ وَ أفْصَحَ عن تَشَبُّعِهِ بِخَلْطَةِ مِنَ الرّعونةِ والغَطْرَسةِ والوحشيّة والحُمْق والعُهْر، سَبَقَ لها أنْ تَجَلَّتْ في رونالد ريغان وجورج دبليو بوش فَبَدَتْ كأنّها مِنَ الخصائص التقليديّة التي لا بُدَّ مِن تَوَفُّرِها عنْدَ هذا الطّراز مِنَ الرؤساء الذين يُقَدِّمُهُم الحزبُ الجمهوريُّ إلى الشَّعب الأمريكيّ والعالَم.
وفي حركة استِعراضيّة بهلوانيّة أوسع أخَذَ ترامب يُهدِّدُ كوريا الشماليّة ويدّعي أنّه أمَرَ بارجة نووية بالتوجّه إلى الشواطئ الكوريّة ، مُحَرِّضاً الرأي العامّ الدّوليّ على زعيمها الذي مِن "كبائر خطاياه" أنّه على خُطى أبيه وجدّه يرفض الاعتراف بالكيان الصهيوني ، ولا يعدّ "اسرائيل " دولة بل هي مُجَرَّد قاعدة للإمبرياليّة الأمريكيةّ لحماية مصالح الأخيرة يجب أن تزول.
وعندما تأكدَ ترامب ومستشاروه مِن أنّ بارجَتَهُ ضَلَّتْ الطريق إلى البحر الكوريّ، وأنّ الزعيمَ الكوريّ الشماليّ قَبِلَ التحدّي عاقداً العَزْمَ على جَعْلِ القواعد الأمريكيّة في كوريا الجنوبية واليابان والمحيطَين الهندي والهادي رماداً، أعلنت المندوبةُ الأمريكيّةُ الدائمة في مجلس الأمْنِ بِكُلِّ صَغارٍ أنّ بلادَها لن تَعتدي على كوريا الشّماليّة إلا إذا اعتَدَتْ الأخيرة عليها!.
إذا كان السيّد الأمريكيّ الجديد بهذهِ الخِفَّةِ فماذا تنتظرُ مِنَ الجّوقة التي عادَتْ إلى ترديد تلكَ العبارات التي تَهَرّأتْ والتي تدعو إلى رحيلِ الرئيس بشار الأسد.
وَبَعْدَ أنْ صُدِمَ الأمريكان بالردّ الرُّوسيّ الصّلب سياسيّاً ودبلوماسيّاً وعسكريّاً على العدوان على مطار الشعيرات السوريّ ، يرفضُ الأمريكانُ مُقْتَرَحاً روسيّاً إيرانيّاً للتحقيق في حادثة خان شيخون على أن يشملَ مطار الشعيرات ، وفي ذات الوقتِ عادَ ترامب للحديثِ عن أنّ الحلّ السوريّ يكون بمشاركةِ الرئيس الأسد.
إلا أنَّ هذاالأبْلَه الأمريكيّ ، مثله مثل وَلَدٍ شَقيّ ارتكبَ عملاً طائشاً فوَجَدَ نَفْسَهُ بِصَدَدِ تَلَقِّي العقاب الذي يستحقّهُ عليه. هكذا وَقَفَ وزيرُ خارجيّتهِ "تيلرسون" في حضرةِ القيصر الغاضب فلاديمير بوتين يُعْلِن تَوبةَ واشنطن وتعهدها بأنّها لن تُعيدَ ضرب الجيش السوريّ مرّةً أخرى.
وهكذا فإنّ ترامب باني العقارات فقدَ فرصةً كانت مُتاحَة لشركاتهِ الخاصّة (التي يُديرُ الولايات المتحدة كما يُديرها) في مُشارَكَةِ روسيا وحُلفاء دِمشقَ الآخَرين بإعادَة إعمار سوريا لَو زجّ قوات بلاده في حرب حقيقيّة على الإرهاب لا على الدّولة السوريّة. لكنّه بسلوكِهِ الأحْمَقَ حَصَلَ على عَهْدٍ مِنَ الرئيس بشار الأسد بأنَّ القوّات الأمريكيّة والتركيّة وغيرها مِن القوات التي دَخَلتْ الأراضي السوريّة بدونِ دعوة مِن الحكومة السوريّة ستغادِرُ الأراضي السّوريّة إمّا بإرادتها أو بالقوّة الوطنيّة السوريّة.
أمّا الكيان الصهيونيّ الذي يُدْلي بِدَلوِهِ في جميع المؤامرات الداخليّة والخارجيّة التي تستهدفُ سوريّا فإنَّهُ خاسِرٌ في أيِّ مَعْرَكَةٍ قد يُخطئ ويتورَّطُ في خَوْضِها مَع الجيش العربي السوريّ وأيٍّ مِن حُلفائهِ ، فهي فرصتنا ليس فقط لتحرير الجولان بل لتحرير فلسطين مِن كيانٍ ليس بمقدورهِ أن يستمرّ في حربٍ مفتوحة مع أيّ قوّة مقاومة وطنيّة لفترةٍ زمنيّةٍ لا تُجاوِزُ السنةَ الواحدة . فإذا كانت حكوماتنا سابقاً تخشى مِن حربٍ مفتوحة مع جيش العدوّ الإسرائيلي ومؤسسات كيانه كافّة ، قد لا يقدرُ أيٌّ مِن شُعوب "دُوَل الطّوق" على دَفْعِ كلفتها البشريّة والعمرانيّة والاقتصاديّة والماديّة ، فإنّنا سنربحُ المستقبل مادام لا راهن لنا نخسره في أيّ حرب مع عدوٍّ غير قادر على تحمّل أيّ خسارة.
وبالمُقابلِ فإنَّ قصْفَ مَطار الشعيرات الذي لم يؤثِّرْ على قدرات الجيش السوري، زادَ الحليفَ الرُّوسيّ اقتناعاً بضرورةِ تَحصين الجيش السوريّ وتعزيز قدراته بالمعدّات المُتطوّرة برّاً وبحراً وجوّاً، وعَزَّزَ الأواصرَ وزادَها بين حلفاء سوريا وخاصة روسيا وإيران وحزب الله في مُواجَهةِ التحالف الأمريكي الغربي الصهيوني التركي الأردني الخليجي على الميدان السوري وخارِجَه.
لقد أكَّدَتْ مُعطيات ميادين هذه الحرب العسكريّة والسياسيّة والدبلوماسيّة والاقتصاديّة والإعلاميّة والثقافيّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة أنّنا لا نخوضُ حربَ شعاراتٍ أيديولوجيّة ، بل باتت أبْعَدَ مِن حَرْبِ مصالح اقتصاديّة وإنْ تَضَمَّنَتها ، إلا أننا جميعاً بُتنا مُدركين أنّها حربٌ يتحدَّدُ بنتائجها وجودُنا أو فناؤنا . بقاؤنا الذي يتحقَّقُ بانتِصارنا على قُوى الشرِّ التي يُمثّلها التحالُف الصهيوني الغربي التركي الخليجي الإخونجي ، نَحْنُ قُوى الخير التي تُدافعُ عن القيمِ الإنسانيّة النبيلة والقانون والشرعيّة الدوليّة بقيادة الجيشين السوري والرّوسي على الأرض السوريّة.
فمَن يربَحَ دِمَشقَ ربحَ العالم.
ومَن يَخْسَرُ في دِمَشق خَسرَ في كِّلِّ مكانٍ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.