تقدم مؤخرا، رئيس الجمهوريّة التّونسيّة... تقدم مؤخرا، رئيس الجمهوريّة التّونسيّة، الباجي قائد السبسي بمبادرة تّشريعيّة إلى الشّعب التّونسيّ للتّداول بشأنها ، و ذلك للمصادقة عليها من قبل مجلس نواب الشعب في إطار مشروع قانون في الغرض قد تعرضه رئاسة الجمهورية ، في صورة حصول توافق بشأنه. ومدار هذه المبادرة في جانبها الترتيبي والتشريعي عنصران: – أوّلهما: مراجعة المنشور الصادر عن وزارة العدل الذي يحجّر زواج التّونسيّة المسلمة من غير المسلم. – وثانيهما: تنقيح القوانين المعمول بها في اتّجاه يقرّ المساواة في الميراث بين الرّجل والمرأة. لاقت المبادرة هجمة شرسة من قبل أصحاب الرأي في الدين على اعتبار أنّ النّصوص الدّينيّة الواردة في هذين الغرضين هي على درجة من الإحكام و لا تحتمل أيّ تأويل أو اجتهاد، "ومَن يؤوّلها فإمّا مبتدع وإمّا كافر بما ثبت في محكم التّنزيل". 17 أوت 2017 :الجامعة الزيتونة تطالب بحماية الدين طالبت جامعة الزيتونة في بيان أصدرته يوم 17 أوت 2017، في شأن شغل الناس، خلال ندوة ترأسها الدكتور هشام قريسة رئيس الجامعة، وهيئة من كبار علمائها، رئيس الجمهورية بحماية الدين وليس التعدي على أحكامه، فضلا عن تعارضها مع الدستور، مذكّرة بتردي مستوى مؤسّسة الإفتاء، في حين أن "الشرع لا يحتاج الى مداراة". و استندت الجامعة في تبرير موقفها إلى حجج علمية منها: أنه ليس من طبيعة المسلم أن يعقّب على حكم الله لأن أوامره إلزامية "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ” والاجتهاد لا يكون في قطعيات النصوص، بل في ما لا نص فيه أو نص ظني، فيه اختلاف الدلالة والورود. وتغيير الواقع لا يستوجب منا تغيير الأحكام، فزواج المسلمة بغير المسلم حكم متأكد ليس فيه نظر، بل تشدد فيه الشرع كثيرا، فضلا على أنه ليس من الثابت أن تغير حكما شرعيا وتترك آخر. المقصود بالمبادرة آية “يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين” وليس التسوية بين مطلق الرجال والناس، في حين أن الأنثى هي الأصل في الميراث، ولا يعرف نصيب الرجل الا بعد تحديد نصيبها، وأحكام الإرث من المحكمات الثابتة كتابا سنة وإجماعا، وفرائضه تجلت في أربعة مسائل “يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين” والوصيّة لغة لها صيغة الإلزام، “فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما”، دلالة على قطعية الحكم، “تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ الله”، الاستفتاء “ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن” . وأكدت الجامعة أن انحرافات المجتمع لا يجب أن تحرّف القرآن الذي لا يتحمل وِزْر "التغيير القسري لدور المرأة في المجتمع، فليس كلما انحرف واقع اجتثثنا من القرآن نصا حتى يتطابق مع واقع تبين فيه أن واجب النفقة محمول على الرجل قانونا، في زوجته ووالديه أيضا ويقضى عليه بالسجن من اجل عدم الانفاق، ولكن المبادرة لا تحوي استعدادا لتغيير قانون النفقة وفرضه على المرأة في حال طلبها الطلاق، و من هنا كان لزاما التسوية في جميع الوجوه، ولكن المساواة نفسها قد تكون عين الظلم." الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: زواج المسلمة بغير المسلم مخالف للكتاب والسنة من جانبه شن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، هجوما حادا، على مبادرة الباجي القائد السبسي، وعبر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في بيان وقعه كل من يوسف القرضاوي، رئيسه، وعلي القره داغي، أمينه العام، عن بالغ استغرابه واستنكاره لما صدر عن قائد السبسي، وديوان الافتاء، معتبرا أن “أحكام الميراث المنصوص عليها صراحة في القرآن الكريم، تعتبر من جملة الأحكام القطعية، والثوابت المجمع عليها في جميع المذاهب الإسلامية، وأنها جزء من منظومة عادلة، متكاملة، ومتناسقة من أحكام الأسرة، ونظامها المتين في الإسلام”. واعتبر الاتحاد أن زواج المسلمة بغير المسلم مخالف للكتاب والسنة، ولإجماع الأمة، ولا يجوز بحال من الأحوال تجاوزها، وأن ” لا مكسبا حقيقيا فيه، لا لتونس العريقة في إسلامها، وحضارتها، ولا للمرأة التونسية، المعتزة بدينها، ولا يحل أي مشكلة للشعب التونسي، بل يزيد في تعميق معاناته وتناقضاته وشغله، وبلبلته بمشاكل مفتعلة”، لافتا الانتباه إلى أنه مخالف حتى للدستور التونسي. ودعا الاتحاد الرئيس التونسي إلى التراجع عن القرار، وأعضاء مجلس النواب إلى رفضه “وفاء منهم لدينهم وشعبهم، و أداءا لأمانتهم”. للأكادميين و الفلاسفة رأي آخر.. ردا على هذه الهجمة كتب أستاذ الفلسفة بالجامعة التونسية، أسعد جمعة، مقالا أورد فيه بعض الحجج الدينية على كون النّصوص القرآنيّة لم تحرّم زواج المسلمة من غير المسلم بصفة مطلقة، منها مثلا قوله –تعالى-: ﴿ وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [البقرة:221]، وقوله –عزّ من قائل-: ﴿فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَاهُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾ [الممتحنة:10]، وقوله –سبحانه-: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء:141]، والمقصود هاهنا بالتّحريم زاواج المسلمات منهنّ إنّما هم المشركون والكفّار، وأهل الكتاب مستثنون من هذا التّحجير. ورفع النّهي لا يقتصر هاهنا على اليهود والنّصارى فحسب باعتبار أنّ مجتهدي هذه الأمّة، أمثال الأشعري والشّهرستاني والرّازي، قد أدرجوا ضمن هذه الفئة مَن لهم شبهة كتاب كالمانويّة والزّرادشتيّة…بحيث أنّ الحكم بإطلاق المنع في هذا الغرض لا سند قرآنيّ له، والواجب هاهنا الالتزام بالقاعدة الأصوليّة القائلة بأنّه لا فرض ولا تحريم إلاّ بمحكم التّنزيل، فالتّمسّك بالتّحريم المطلق هاهنا إنّما هو من باب التّشديد على غير قياس. أمّا في ما يخصّ العنصر الثّاني من المبادرة التّشريعيّة الرّئاسيّة، وهو المتّصل بالمساواة بين الرّجل والمرأة في الميراث، فقال :برجوعنا إلى الآيات التي حدّدت نصيب كلّ وارث من مجموع الميراث، وهي: – ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ (سورة النّساء، الآية 11). – ﴿۞ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۚ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم ۚ مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ ۚ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ۚ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾ (سورة النّساء، الآية 12). – ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ۚ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ۚ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ۚ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۗ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (سورة النّساء، الآية 167). نخلص إلى أنّ النّصيب المفروض لكلّ وارث (مع عدم وجود الأبناء) من مجموع الميراث هو: – الثّلاث بنات: 2/3 – الزّوج : 1/2 – الزّوجة: 1/3 – الأب: 6/1 – الأمّ: 1/3 – الأخت: 1/2 – الأخوات: 2/3 فإذا ما التزمنا بالتّطبيق الحرفي لمنابات الورثة كما وردت في النّصّ القرآنيّ، تجاوزنا مجمل الميراث بنسب تتراوح بين 10% و50%. – ففي مسألة الزّوج المتوفّى، وله من الورثة ثلاث بنات والزّوج والأب والأمّ، (ثلاث بنات: 16/24، الزّوجة: 3/24، الأب: 4/24 والأمّ: 4/24)، تكون نسبة تجاوز مجمل الميراث أكثر من العشر (8/6 = 112 %). – وفي مسألة الزّوجة المتوفّية، ولها من الورثة ثلاث بنات والزّوج والأب والأمّ، (ثلاث بنات: 8/12، الزّوج: 3/12، والأب: 2/12، والأمّ: 2/12)، تكون نسبة تجاوز مجمل الميراث الرّبع (8/6 = 125 %). – وفي مسألة الزّوجة المتوفّية، ولها من الورثة الزّوج والأمّ والأخت، (الزّوج: 3/6، والأمّ: 2/6، والأخت: 3/6)، تكون نسبة تجاوز مجمل الميراث الثّلث تقريبًا (8/6 = 133 %). – وفي مسألة الزّوجة المتوفّية ولها من الورثة الزّوج والأمّ والأختان (الآية 11: الزّوج: 3/6، والأمّ: 2/6، والأخوات: 4/6)، تكون نسبة تجاوز مجمل الميراث بالنّصف (9/6 = 150%). وقد تفطّن الى ذلك مَن حُمل عليهم تطبيق هذه الأحكام منذ البدايات وهو ما حدا بعمر بن الخطّاب – بصفته أميرًا للمؤمنين- إلى الاجتهاد بشأن هذه النّصوص وتنقيحها بشكل يضمن قابليّتها للتّطبيق ويمكّن من تجاوز حالات الاستحالة الرّياضيّة في إيصال الحقوق إلى أصحابها، باعتبار تجاوز مجموع منابات الورثة مجموع الميراث كما سبق. والمسألة مشهورة في الكتب الأصوليّة والتّاريخيّة تحت عنوان: العمريّتين –نسبة لعمر بن الخطّاب-. بل أنّ هذه المسألة أتاحت لنا فرصة الوقوف على مدى التزام قادة الدّولة الإسلاميّة بمبدإ الانضباط وفق التّسلسل ىالإداريّ، فبعد أن جادل عبد الله بن مسعود في مسائل إجرائيّة الإصلاح (التّقليص من عدد المستفيدين من التّركة عوضًا عن مراجعة نصيب كلّ واحد منه، كما ذهب إلى ذلك عمر)، أذعن بصفته واليًا إلى الأوامر التي تلقّاها من أمير المؤمنين. يذكر أنّ مهدي بن غربية كان قد تقدّم في ماي 2016 بمقترح قانون يرمي إلى تسهيل المساواة في الميراث بين الرجال والنساء، مشددا في الوقت نفسه على الطبيعة "الاختيارية" لاقتراحه بعد الجدل الذي أثارته هذه القضية الحساسة. ويقول الفصل الأول من مشروع القانون أنه "عند غياب أي اتفاق صريح ومكتوب مخالف بين الورثة، تقسم التركة باعتماد التساوي في المنابات بين المرأة والرجل عند التساوي في الوضعيات العائلية". أماّ المفتي عثمان بطيخ فقد كان موقفه صريحا حيث قال إن "الموضوع غير مناسب لا الآن ولا لاحقا، القرآن صريح في ذلك. هذا حكم ربنا لا يمكن أن نغيره. كما 1+1 يساوي 2، لا يمكن أن نقول 3 ولا 6". لا تزال مسألة المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث قضية حساسة جدا في تونس و غالبا ماكانت هذه المسألة تطرح وجهات نظر متعددة وأغلبها معارضة لكن يبدو أنّ عددا من مكونات المجتمع المدني سيبدؤون في التحرك قريبا لتفعيل كل ما يخدم مصلحة المرأة و حرياتها الفردية و خصوصا ما يتعلق بمبدأ المساواة بينها و بين الرجل.