استفاق الشعب التونسي في ثاني انتخابات رئاسية جرت بعد الاطاحة بنظام بن علي على وقع عاصفة سياسية وانقلاب شعبي وشرعي على رموز الحكم والمعارضة وزعماء الأطروحات الايديولوجية وأثبت أن صندوق الاقتراع يخضع لسيادة الخيارات الشعبي وللسلطة الشعب لا لقوة الدعم الأجنبي لبعض المرشحين. دلالات نتائج الانتخابات الرئاسية كثيرة ومتعددة، وخلافا لكونها سياسية فهي تبرهن سيادة الخيارات الشعبية واستقلالية الانتخابات التونسية وتدحض كل طرح يرى أن تونس رئيس تونس تنصّبه دول أجنبية وقوى إقليمية كبيرة. وانتهت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها في تونس الى صعود المرشحين قيس سعيد ونبيل القروي الى الجولة الثانية للحسم ما بينهما في هذا الاستحقاق الانتخابي الرئاسي مقابل إقصاء زعماء الأحزاب السياسية ذات التوجهات الايديولوجية المتنوعة. انتخابات فاز في دورها الأول من لم يخوضوا المعركة السياسية في فترة الحملات الانتخابية ولم تكن حملاتهم استعراضية، فقيس سعيد اختار عدم الظهور كثيرا في وسائل الاعلام في حين يقبع نبيل القروي داخل سجنه ولم يشارك حملة الاستحقاق الانتخابي الرئاسي. ومثّل مرور قيس سعيد، غير المدعوم من دول الاتحاد الاوروبي ولا دول البترودولار ، للدور الثاني من سباق قرطاج مفاجأة بمقدار صاعقة لزعماء الأحزاب السياسية والمرشحين المنافسين له، و مثّل كذلك انقلابا شعبيا على كل رموز الحكم والمعارضة ولحظة فرز لمن وعدوا وأخلفوا. وبقدر ما مثلت نتائج الانتخابات الرئاسية انتكاسة لكل العائلات السياسية سواء اليمينية أو اليسارية ومن يصفون أنفسهم بالعائلات التقدمية الحداثية، بقدر ما مثلت عملية فرز شعبية ورفض لكل مكونات منظومة الحكم التي تلت ثورة 2011 بأحزابها الحاكمة والمعارضة، الثورية والنوفمبرية والبورقيبية. وتعكس صورة النتائج الانتخابية للجولة الأولى من الرئاسية اللاهتمام الشعبي بكل الأحزاب الايديولوجية ومختلف توجهاتها، مقابل دعم وتفويض مرشحين رأى الشعب التونسي أنهما الأقرب الى تحقيق المطالب الشعبية بعيدا عن كل الأطروحات السياسية والايديولوجية والثورجية والمتحزبة. حركة النهضة ذات التوجه الاسلامي كانت تمتلك حزانا انتخابيا بحوالي مليون و500 ألف ناخب ضمن قواعدها المؤمنة بطرحها الديني، ذاب وزنها السياسي وتقلص حجم ناخبيها الى 900 ألف في الانتخابات التشريعية لسنة 2014 ثم الى حوالي 600 ألف ناخب في الانتخابات البلدية لسنة 2018 وتقلص اليوم في انتخابات الرئاسة لسنة 2019 الى حوالي 435 ناخب. أحزاب اليسار التونسي عوُقبت هي الأخرى من طرف الناخبين و عادت في انتخابات 2019 الى حجمها الذي كانت عليه في انتخابات 2011 وحلت في مراتب الصفر فاصل حبا منها في مواصلة معركة الزعامة واكتساب شرعية النضال. أحزاب غنيمة المناصب المتفرّخة عن المشروع السياسي للرئيس الراحل محمد الباجي قائد السبسي وأحزاب بقايا نظام بن علي أخذت هي الأخرى نصيبها من اللامبالاة الشعبية بمقترحاتهم التي تقدم بها قرابة 7 مرشحين وخذلتهم قراءاتهم للمشهد السياسي فحل جميعها في الصفوف غير المعنية بالجولة الثانية الرئاسية. رياح التغيير السياسي قد تعصف بالأحزاب السياسية في الانتخابات البرلمانية وترمي بهم الى تذيل الترتيب كعقوبة على ركوبهم رحلات السياحة الحزبية في البرلمان مقابل منح تفويض للمستقلين لتمثيلهم في الدورة النيابية القادمة.