أصبحت فكرة إرسال قوات دولية لمراقبة إطلاق النار في ليبيا، أكثر تبلورا، مع ترحيب رئيس المجلس الرئاسي الليبي فائز السراج، بالمقترح، وإعراب إيطالياوألمانيا استعدادهما لإرسال قوات أوروبية لدعم السلام في البلاد، شرط الالتزام بهدنة دائمة. كما اتفق وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، مع نظيره الأمريكي مايك بومبيو، على ضرورة التوصل لاتفاق رسمي لوقف إطلاق النار، و”آلية مراقبة موثوق بها”، بحسب تغريدة الأخير، دون توضيح طبيعة هذه الآلية. وفي حال اتفاق الدول المجتمعة في مؤتمر برلين على وقف دائم لإطلاق النار، يحتم عليها إيجاد آلية لمراقبة ذلك، قد تشمل إرسال قوات سلام للفصل بين الأطراف المتنازعة، ولكن ذلك لن يتحقق إلا بقرار من مجلس الأمن الدولي، شريطة ألا ترفع أي من القوى الخمسة دائمة العضوية حق النقض (الفيتو) في وجه هذا القرار. كما لم تتحدد من هي الجهة التي سترسل قوات سلام إلى ليبيا، هل الاتحاد الأوروبي، أم حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أو الاتحاد الإفريقي بتمويل دولي، أم تركيا باعتبارها وقّعت مذكرة تفاهم عسكري مع حكومة الوفاق الليبية، المعترف بها دوليا، كما لم تحسم روسيا موقفها بشأن هذه المسألة. أما بالنسبة لتمويل هذه القوات، فتعتبر ألمانيا راعية مؤتمر برلين، أكثر الدول المؤهلة للعب هذا الدور، بالنظر إلى قوة اقتصادها، وإعرابها عن استعدادها للمساهمة في “مهمة محتملة للجيش الألماني لحفظ الأمن”. ** مساعي أوروبية لموازنة تركياوروسيا عسكريا منذ 2014، لم تكن أوروبا مهتمة كثيرا بالحضور عسكريا في ليبيا، إلا في إطار محدود متعلق أساسا بعملية صوفيا البحرية لمكافحة الهجرة غير النظامية نحو السواحل الإيطالية. لكن تواجد روسيا في ليبيا عبر مرتزقة شركة فاغنر، الذين يقاتلون إلى جانب حفتر، وقرار تركيا إرسال جنودها إلى ليبيا لدعم حكومة الوفاق، ونجاح أنقرة وموسكو في إقناع طرفي النزاع بوقف إطلاق النار في 12 يناير/كانون الثاني الجاري، أظهرهما كأبرز الفاعلين في الملف الليبي، ووضع دول الاتحاد الأوروبي، خاصة فرنساوإيطاليا على هامش الصراع، رغم الأهمية الاستراتيجية التي تمثلها ليبيا بالنسبة إلى أوروبا سواء من ناحية الهجرة غير النظامية أو الطاقة أو الأمن ومكافحة الإرهاب. وهذا ما يفسر الحماسة المفاجئة لدول الاتحاد الأوروبي لإرسال قوات سلام إلى ليبيا، حيث دعا الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، الأوروبيين إلى “تجاوز انقساماتهم” والانخراط على نحو أكبر في إيجاد حل لإنهاء النزاع في ليبيا. وقال بوريل، في مقابلة نشرتها الجمعة، مجلة “دير شبيغل” الألمانية، “إذا تم الأحد التوصل إلى وقف لإطلاق النار (في مؤتمر برلين) يجب على الاتحاد الأوروبي أن يكون مستعدا للمساعدة في تنفيذ وقف إطلاق النار هذا ومراقبته، ربما من خلال جنود في إطار مهمة للاتحاد الأوروبي”. وسبقه لفكرة إرسال قوات أوروبية، رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، الذي قال الخميس، من الجزائر، إن نشر قوة سلام أوروبية في ليبيا “هي إحدى الفرضيات التي سنتباحث بشأنها في برلين”. من جانبها، اشترطت وزيرة الدفاع الألمانية “انيغريت كرامب- كارنباور”، السبت، الالتزام بهدنة دائمة في ليبيا لأي مهمة محتملة للجيش الألماني هناك لحفظ الأمن، قائلة إنه عندما يتم الاتفاق على مثل هذه الهدنة، ويتم ضمانها دوليا، “فعندئذ يأتي السؤال بطبيعة الحال حول كيفية تنفيذ ذلك ومن يضمنه؟”. لكن السراج، وبالنظر لمعرفته الجيدة بحفتر، ونكثه لعدة تفاهمات، آخرها خرق مليشياته لوقف إطلاق النار أكثر من مرة، رحب بإرسال “قوة حماية دولية بإشراف الأمم المتحدة”. واستدرك أن هذه القوة “ليس لأننا بحاجة إلى الحماية كحكومة، ولكن لحماية المدنيين الذين يتعرضون للقصف المستمر منذ 9 أشهر”. ويبدو الخلاف واضحا بين ترحيب السراج ب”قوة حماية دولية” لحماية المدنيين، واشتراط الإيطاليين والألمان ضرورة وقف إطلاق نار دائم في ليبيا، تحت مظلة أممية. فالأوروبيون لا يرغبون في التورط في الحرب الداخلية الليبية ولو من باب حماية المدنيين، ويفضلون التواجد عسكريا فقط بعد تثبيت وقف إطلاق النار، وبضوء أخضر من مجلس الأمن. لكن أول المتحفظين على دعوة السراج، كانت روسيا، التي لفتت إلى أن قرار إرسال قوات دولية إلى ليبيا، “يتطلب إجماعا كاملا عليه”. المصدر: وكالة الأناضول