اتسم مسار مشاورات تشكيل الحكومة في شوطه الثاني، أي بعد تكليف الياس الفخفاخ من طرف رئيس الجمهورية بتكوين الحكومة، بكثير من التقلبات السياسية وتتعلق أساسا، الى حد الآن، بمكونات الائتلاف المشكل للحكومة. مسار انطلق منذ يومه الأول بالاعلان عن الحزام السياسي للحكومة ويتركب من أربعة أحزاب وهي النهضة وحركة الشعب و حزب التيار الديمقراطي وحركة تحيا، وهو خيار استمده رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ من نتائج الدور الثاني للانتخابات الرئاسية وعزاه الى ملائمته لما اعتبره مسارا ثوريا.
ودخل الفخفاخ خلال الأسبوع الى قاعة المشاورات مطئنا بتكوين اغلبية برلمانية تكونها كتل هذه الأحزاب الأربعة في مجلس نواب الشعب، لكنه اصطدم بشرط اول فرضته عليها حركة النهضة وهو الاخذ بعين للتمثيلية البرلمانية للأحزاب في تركيبة ومنحها العدد الأكبر من الحقائب الوزارية لتنطلق بذلك معركة لي الذراع و فرض الخيارات.
ودفع شرط النهضة الياس الفخفاخ إلى توسيع تمثيلية الأحزاب في الحكومة بالحاق ستة أحزاب أخرى ليضع النهضة أمام حتمية تقاسم الحكم مع تسعة أحزاب على نفس القدر و يجبرها عن طريق هذه الأحزاب على التخلي عن مبدأ منحها أكثر عدد من الحقائب الوزارية.
وظلت النهضة، تستمد أوراق الضغط على الفخفاخ، واشترطت عليه فيما تشريك حزب قلب تونس في الحكم تحت عنوان تشكيل حكومة وحدة وطنية.
وأمام تعنت الفخفاخ وإصراره على اقصاء حزب نبيل القروي، بلغت الى مسامعه كون النهضة ستصوت لحكومته لمنحها الثقة في حال تمسكه بموقفه وحشر قلب تونس في المعارضة تجنبا لحل البرلمان، لكنها ستقدم لائخة لوم بعد مدة من تنصيبها لسحب الثقة منها وإسقاطها دون حل البرلمان وهو ما أجبره على الجلوس الى طاولة الغنوشي للتحاور معه و مع القروي على تكوين الحكومة.
وباخضاعها لشروطه، عادت النهضة الى مرتبة اللاعب الأساسي المتحكم في خيارات تشكيل الحكومة وسحبت بذلك توجهات تكوين الحزام السياسي من رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي طلب من الفخفاخ استثناء حزب القروي من مشاورات تحديد تركيبة الحكومة وبرنامجها.
وقد بات الأمر واضح وجلي أن تعطل تكوين الحكومة مرده صراع فرض شرعية الانتخابات التشريعية وعلويتها عن شرعية الانتخابات الرئاسية فيما يخص تكوين الحكومة.
وبدأت أولى عناقيد تقلبات مسار تكوين الحكومة تتساقط باعلان حزب التيار الديمقراطي اعتراضه عن تشريك قلب تونس في المشاورات وانسحابه من الائتلاف الحكومي المرتقب وقد يليه انسحاب ائتلاف الكرامة من المشاورات الذي قد يبرر قراره برفض الفخفاخ منحه وزارة الداخلية وامتناعه (ائتلاف الكرامة) عن مشاركة نبيل القروي في الحكم.
وستتمعمق الخلافات والتقلبات مع دخول المشاورات مرحلة تحديد تركيبة الحكومة في ظل التشتت البرلماني للأحزاب وعدم قدرة الفخفاخ على لملته.