لئن يحسب لتونس الإعلان عن الدرجة الثالثة من الحالة الوبائية في الوقت الذي لم تبارح فيه الدرجة الثانية وذلك لقطع السبل أمام انتشاره ولتقديم الخدمات للمواطنين في أحسن الظروف الممكنة، فإن خطاب رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ الذي تضمّن هذا الإعلان لم يخل من الثغرات في مجالات عدّة. وإن قال الفخفاخ الكثير عن خطة تونس للتصدّي لكورونا فإن ما لم يقله يوازي أيضا هذا الكثير، وهو ما أثار موجة ردود أفعال متباينة بين مستحسن للقرارات المعلن عنها لما تنطوي عليه من مسؤولية ومستهجن لها لانعكاسها "الموجع" على فئات من المجتمع دون غيرها رغم أن الوباء لا يفرّق بين أحد منها.
فيما يتعلّق بقرار إغلاق المقاهي والمطاعم والملاهي ابتداء من الساعة الرابعة مساء هل فكّرت الدولة في بعض العاملين في الفترات المسائية وهل تواصلت مع القائمين على هذه المشاريع من اجل البحث عن حل يضمن العيش الكريم لكل العاملين فيها دون استثناء وهل ستتدخّل الدولة في حال تسريح بعض العاملين.
أسئلة كثيرة تركها الفخفاخ دون إجابات، في علاقة بخطابه بما فيه القرار السابق ذكره، منها أيضا سبل مراقبة غلق المقاهي والعقوبات في حال تجاوز أصحابها الساعة المحدّدة لتواصل فتحها علما وأنّ عددا من المقاهي ظلّت مقتوحة لساعة متأخرة من مساء الأمس، أول أيام انطلاق العمل بالقرارات الحكومية المعلن عنها.
وبالنسبة لغلق جميع رياض الأطفال والمحاضن واغلاق المدارس الخاصة والأجنبية إلى غاية يوم 28 مارس مع امكانية التمديد في ذلك، هل تم التنسيق مع المؤسسات الخاصة لإيجاد صيغة لبعض العاملين الذين لا حل لهم سوى ترك أبنائهم في المحاضن، هل تم تعميم منشور على الإدارات العمومية لمراعاة لحالات الاستثنائية؟
وفيما يخصّ الإبقاء على رحلة واحدة يومية بالنسبة لفرنسا ورحلة اسبوعية مع مصر واسبانيا وألمانيا وبريطانيا، مع اعلام كل الوافدين على تونس بتطبيق الحجر الصحي الذاتي، لم يوضّح رئيس الحكومة إجراءات الرقابة.
وفي سياق متّصل، لم تشمل القرارات المعلن عنها الحدود البرية التونسية التي يتوافد عليها أجانب، وإن تحدّث الفخفاخ عن ضرورة احترام الحجر الصحي فإنّه لم يذكر إذا ماكانت الدولة قد جهّزت قرية صحّية للعزل الصحي خاصة وأن تجربة العزل الذاتي أثبتت فشلها.
ولئن أشار إلى أنّ عدم احترام العزل الذاتي يعدّ جريمة يعاقب عليها القانون وأنه سيتم تطبيق إجراءات صارمة لاحترامه خاصة مع استهتار بعض الحاملين للفيروس فإنّ هذه الإجراءات ما تزال ضبابية.
ويبدو أنّه بات على الدولة اليوم أن تتجه نحو العزل الإجباري لحاملي فيروس كورونا أو المشتبه بهم لتطويق العدوى مع سرعة انتشاره، وهو الأمر الذي لم يقله الفخفاخ في خطابه، ولكن رغم بعض الثغرات فإن الإجراءات المعلن عنها على ما تحمله من ثغرات توائم الأزمة.