ينتظر العالم على أي شاكلة ستكون العلاقات الدولية بعد أزمة وباء كورونا. والسؤال ذاته أطلقه رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) عندما أكد بأن كرة القدم لن تعود بمثل ما كانت عليه قبل الجائحة العالمية. تتجاوز المسألة التعليق الاضطراري للمسابقات الرياضية وتأجيل بعضها ومفاوضات خفض رواتب اللاعبين والمدربين وإنقاذ الأندية من شبح الإفلاس، إلى الهدف الأسمى وهو استعادة الروح الأولمبية الأصيلة للرياضة وجعلها أكثر انسانية.
مثلا كيف يمكن تخليص كرة القدم من فكاك الرأسمالية لتعود "لعبة الفقراء" في الملاعب وأمام شاشات التلفاز ومع استخدام وسائط الاتصال المتعددة؟ وكيف يمكن أن يحصل التشابك بين الرياضة والعلم، وبين الرياضة والصحة والاحتياجات الاجتماعية لمحيطها.
والأهم من ذلك أيضا كيف يمكن مواءمة حجم رؤوس الأموال المستثمرة في القطاع الرياضي وطنيا وعالميا مع أولويات أخرى اكثر التصاقا باحتياجات الناس.
هناك موافقة ضمنية حتى الآن من رئيس الفيفا جاني اينفانتينو بأن تخطو كرة القدم خطوة الى الوراء من أجل الإصلاح. لكن أي طريق ستسلك تحديدا؟
لطالما كانت كرة القدم ملهمة للتغيير فيما يحيط بها، مثلما رسخ ذلك الصحفي الهولندي ساميون بيكر في كتابه "الكرة ضد العدو" وكيف أن اللعبة الأكثر شعبية في العالم ساهمت بإطلاق الثورات وشحنها كذلك.
ثمة بوادر لذلك الآن. فعلى عكس النقاشات المالية التي طغت على الدائرة الضيقة للأندية المهيمنة والرائدة في عالم كرة القدم، بدأت أندية أخرى في تقديم تعريف جديد للعبة أكثر مسؤولية والتزاما في قلب الأزمة الصحية العالمية.
هناك نموذجين على ضفتي المتوسط يمكن أن يشكلا نواة أولى لإعلاء الروح الأولمبية. سانت اتيان في المقدمة
فريق سانت اتيان العريق أبهر أوروبا في سبعينات القرن الماضي دون أن يقطف ثمار هيمنته في ذات نهائي مثير وقاسي كقسوة الألمان الذين خطفوا اللقب ببراعة اسطورة البايرن بيكنباور. لكن سانت اتيان ظل حامل لواء الفرنسيين في المسابقات الأوروبية ومقارعا لكبار القارة ردحا من الزمن، وهو أيضا فريقا يرفع اليوم لواء الالتزام بتنظيمه مباراة افتراضية ضد فيروس كورونا (كوفيد-19).
فريق الخضر الذي يضم من بين صفوفه نجم المنتخب التونسي وهبي الخزري، وضعوا تحديا لبيع 80 الف تذكرة وهي السعة القصوى لملعب "ستاد دو فراس" بسعر أورو واحد للفرد، مقابل التبرع بجميع المداخيل لدعم الأبحاث الطبية ضد الوباء في مستشفى المدينة.
وداد الأمة في المغرب
على الضفة المقابلة في الجنوب كانت المبادرة للوداد البيضاوي المغربي الملقب بوداد الأمة، بأن طرح "قمصان التضامن" لتسويقها بين جماهيره على الانترنت بجانب تنظيمه لمباراة افتراضية ضد الفيروس على مركب محمد الخامس واقتراحه ل60 ألف تذكرة على أن يذهب ريعها جميعا لمجابهة الوباء. والإقبال منقطع النظير في كلتا المبادرتين.
في تونس تحرك الطلاب والعمال وحتى السجناء في معركة الوباء ولكن أندية الرياضة ليس بعد. هذه الاندية التي تدين لها الآلاف من الجماهير بالحب والولاء يمكنها اليوم فعل الكثير في إدارة دفة الصراع والمشاركة في منح تعريفا جديدا لرياضتنا بعد محنة كورونا. فمتى تتحرك؟