أخفت أزمة فيروس كورونا في بداية المعركة معه جملة الأزمات الصامتة بين الأضلع الحزبية المكونة لما يعرف بالحزام السياسي للحكومة التي ولدت برلمانيا مع ولادة الفيروس في أنحاء اوروبا حد وصوله تونس في الثاني من شهر مارس وفق الإعلان الرسمي. خبأ الفيروس المتمدد النار الحزبية الكامنة تحت الرماد قبل أن " ينفجر " نوع من الخلاف المنهجي التاريخي الواضح بين حركتي النهضة والشعب ( ستتوضح نتيجته قريبا على الأداء الحكومي ) وتجسد ذلك في الرسالة " الموجعة بالمعاني " الشديدة رميا سياسيا للبرلماني سالم الأبيض إلى رأس البرلمان راشد الغنوشي والرد الهادئ شكلا العنيف قصفا سياسيا من القيادي في النهضة محسن السوداني حد استذكار العديد من منتسبي السرديتين السياسيتين ( قوميون وإسلاميون ) مرة أخرى مقولة لن يجتمع قومي وإسلامي إلا على أركان الإسلام الخمسة وأن ما يطلق عليه بالمؤتمر القومي الإسلامي والحوار القومي الاسلامي أو ماشابههما من محاولات تجميع على طاولة النقاش الفكري والسياسي والتطارح الثنائي بينهما لقضايا " الأمتين العربية والإسلامية " ماهو الا هبة رغبة سياسية وايديولوجية عابرة وترف نخبوي بين خطين سياسيين متوازيين لن يلتقيا الا في ساحات الخصام السياسي والنقابي والطلابي.
أخفت أزمة كورونا أيضا ولو لحين حوار الطرشان الدائر بين قصري قرطاج وباردو الذي تكشفت أزمته الصامتة بين رأسي السلطتين التشريعية والتنفيذية في عديد التصريحات المباشرة والبيانات الصادرة عن مؤسسة رئاسة الجمهورية خصوصا مقابل عدم رد التحية بمثلها من رئاسة البرلمان في الغالب.
وسيطفو الخلاف المؤجل لطبيعة الظرف مرة اخرى حال بوادر الانفراج الصحي وما سيحدده بخصوص طبيعة التباعد السياسي بين الرجلين حد قول البعض بإمكانية تكرار فصل جديد من معارك كسر العظام كالتي عرفتها الساحة السياسية بين الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي وشق من شقوق النداء ورئيس الحكومة المنصرف يوسف الشاهد وما يعرف بشق التصحيح الذي قاده صلب ما تبقى من شظايا النداء وعندها ستكون معارك الأمس ليست كحال اليوم.
غطت أزمة كورونا في بدايتها أيضا سرعة تشكل خارطة سياسية من الاستقطاب الحاد لتقترب من حالة العودة إلى معسكر التضاد القديم الجديد ( اسلاميون وماجاور حلقاتهم ودساترة وتجمعيون وما اقترب من خلاياهم ).
حالة استقطاب بدأت في التجذر محليا وجغرافيا عبر سياسة التخندق الواضحة في محاور إقليمية ودولية للطرفين خصوصا مع ما عاشه اليسار بتشكيلاته المختلفة كخط ثالث من " تدافع إيديولوجي وسكتاري وتنظيمي " تجسد في نتائجه " الصفرية " في الانتخابات الأخيرة مقارنة بما حققه في استحقاقي البرلمان والرئاسة سنة 2014 كقوة سياسية ثالثة.
إن هذه الأزمات وما يرافقها الآن من عودة شبح الاغتيالات السياسية و الكلفة الاقتصادية والاجتماعية الباهضة لازمة كورونا تؤشر إلى مواجهة البلاد مرة أخرى رحلة صعبة بين الألغام المكلفة في عد حساب الزمن الديمقراطي.