حسم ملف عودة بطولة الرابطة المحترفة الأولى بقرار جامعي رحّل المرحلة الثانية من الموسم إلى غاية شهر أوت المقبل في واحدة من أطول فترات الانقطاع عن النشاط ربما منذ الحرب العالمية الثانية. واحتفظ استصدار القرار بكامل تشويقه إلى غاية الساعة الصفر التي اختارت فيها الجامعة أن تحسم الجدل وتعلن تأجيل العودة إلى شهر أوت القادم غير أنه مع ذلك لم يبح بكامل أسراره وكواليسه والتي يبدو أنها جمعت عدة معطيات بما في ذلك "زواج" السياسي بالرياضي.
ولئن استقر قرار التأجيل داخل قراءات رياضية وأخرى اقتصادية وثالثة صحية إلا أن البعد السياسي للقرار لا يمكن استبعاده لاسيما وأن رئيس الجامعة وديع الجريء كانت له بعض التحركات التي قادته مثلا إلى مجلس نواب الشعب لكن دون أن تؤتي أكلها.
هزيمة الجريء؟
كسب رئيس الجامعة وديع الجريء كل صراعاته منذ وصوله إلى رئاسة الجامعة حيث بسط نفوذه على شارع المرحوم محمد علي عقيد متغلبا على كافة خصومه من الوزراء بدءا بطارق ذياب مرورا بماهر بن ضياء ووصولا إلى ماجدولين الشارني.
ولم يرض التعادل الجريء أيضا في صراعاته مع الأندية الكبرى فقد روض عبد الناظر وجنيح واستقطب شرف الدين والمدب والرياحي فيما رمى بالمنصف خماخم خارج المشهد الكروي لما فشل في ترويضه أو تحجيمه كما كان الأمر أيضا مع زياد التلمساني دون نسيان تمكنه من تحييد رئيس اللجنة الأولمبية محرز بوصيان بعد صراع استمر لسنوات اختار الطرفان في أعقابه هدنة لا يزال مفعولها ساريا إلى اليوم.
ومع حجم الصراعات التي كسبها الجميع يعتقد الكثيرون أن ترحيل البطولة إلى شهر أوت هو الهزيمة الأولى لرئيس الجامعة وديع الجريء طيلة سنوات رئاسته فيما ذهب آخرون إلى الاعتقاد بأنها بداية نهاية الرجل الذي لم يفلت منه أي نصر في السابق.. لكن هل انهزم الجريء فعلا؟
وتبدو الإجابة عن هذا السؤال بالسلب والايجاب جائزة ولها حججها ذلك أن رئيس الجامعة نزل بثقله من خلال رصد الميزانيات والدفاع بقوة عن مصالح الأندية واللاعبين الذين تضرروا ماليا من توقف النشاط وغيرها وبالتالي يمكن الإقرار بفشله وبهزيمته الأولى.
ولأن كل شيء نسبي فإن الإقرار بالفشل يحتمل الخطأ أيضا باعتبار أن الجريء طرح على الدولة ثلاثة مشاريع لاستئناف النشاط ثالثها عودة البطولة في شهر أوت وهنا يرى الكثيرون وخاصة مناصرو الرجل أن الدولة اختارت العمل بمشروعه الثالث وبالتالي لا وجود للهزيمة.
وحتى نكون منصفين في قراءتنا فإن الواقع يشير إلى أن الجريء "حقق مكسبا رغم الهزيمة" فالرجل نزل بثقله لإعادة البطولة في شهر جوان القادم وترك قارب نجاته جاهزا في حال انقلبت الأمور ضده وهو ما كان في النهاية باعتبار أن رفض العودة في الظرف الحالي قاد الجميع إلى مشروعه الأخير وهو استئناف النشاط في شهر أوت.
اللعبة السياسية
تحرك رئيس الجامعة وديع الجريء مدعوما بصديقه الوزير النهضوي أحمد قعلول بغاية فرض عودة النشاط في الفترة الحالية فزار لجنة الثقافة والرياضة بمجلس نواب الشعب وطرح مشروعه الذي دعمه الوزير وتحمس له.. ومن اللجنة مر الجريء إلى مكتب رئيس المجلس "الشيخ" راشد الغنوشي غير أن النتيجة بالنهاية لم تكن كما كان يصبو إليه.
الغريب أن رئيس الجامعة تنقل إلى ممثلي السلطة التشريعية دون أن يبادر بملاقاة أصحاب القرار الفعليين وهما رئيس الحكومة الياس الفخفاخ ووزير الصحة عبد اللطيف المكي باعتبار أنهما الفاعلان الرئيسيان اليوم في ما يتعلق بالحجر الصحي وعودة الأنشطة.
ويطرح عدم التقاء الجريء بالمكي والفخفاخ واقتصار مكتبه على مراسلة وزارة الصحة وانتظار ردها –الذي لم يأت- عدة تساؤلات وهو ما يجعل الحديث عن تأثير اللعبة السياسية منطقيا للغاية.
ويبدو أن حسابات رئيس الجامعة لم تكن موفقة حيث اختار المراهنة على "الفتى المدلل" لزعيم حركة النهضة أحمد قعلول حتى ينجح في افتكاك قرار عودة النشاط بتأثير من الغنوشي لكن في النهاية يبدو أن صراعات النهضة الداخلية والحسابات السياسية مالت لفائدة المكي ومن خلفه الفخفاخ الذي يبقى وزير الصحة أحد أهم ورقات حكومته التي يتربص بها الكثيرون أملا في اسقاطها.
انزعاج من الجريء؟
فرض وديع الجريء نفسه ضمن نجوم فترة الحجر الصحي بفضل المبادرات التي قادتها الجامعة سواء على المستوى الاجتماعي أو أيضا في مؤازرة مجهودات الدولة في مجابهة انتشار فيروس "كورونا".
وقدمت الجامعة مساعدات بالجملة لفائدة العائلات المعوزة من ميزانيتها الخاصة كما فرضت على اللاعبين الدوليين وأغلب العاملين معها المساهمة سواء بدعم الحساب البنكي الذي تشرف عليه وزارة الصحة أو من خلال الوقوف بجانب العائلات الفقيرة.
ومن الخطوات المهمة التي أقدمت عليها هي تجهيز بعض منشآتها ووضعها تحت تصرف الدولة تماما كما هو الشأن لمنظوريها من الإطارات الطبية وشبه الطبية.
تحركات رئيس الجامعة سحبت البساط من تحت أقدام الكثيرين في الأسابيع الماضية وبالتالي فإن تحجيمه أو توجيه ضربة إليه يبقى من الفرضيات المطروحة خصوصا أن الانتخابات الأخيرة كشفت عن جانب آخر من طموحاته التي تتعدى الجانب الرياضي إلى التأثير في الحركة السياسية للبلاد.
فرضية توجيه ضربة للجريء تبدو منطقية وتدعمها تصريحات رئيس لجنة الحجر الصحي محمد الرابحي أكد في حوار مع جريدة الصباح قبل يومين من إعلان التأجيل أن مشروع الجامعة يتماشى مع التوجهات العامة لوزارة الصحة بل ودافع عنه مذكرا بمهنة رئيس الجامعة كطبيب.
وبين دعم رئيس لجنة الحجر الصحي والمعارضة التي قوبلت بها الرغبة في العودة قد يكون الخيط الرفيع سياسيا بامتياز لذلك سقط المشروع الثاني ولم يبق سوى ترحيل البطولة إلى شهر ماي.
أيّ ردّ منتظر؟
توحي صياغة بلاغ التأجيل أن الجامعة التونسية لكرة القدم لن تقتصر على قرار ترحيل البطولة إلى شهر أوت فقط وإنما قد تتلوها خطوات أخرى في قادم المواعيد.
وتضمن البلاغ الخاص بتأجيل البطولة إشارات صريحة بأن السلطات لم تتعامل بجدية مع مشروع العودة حيث توحي صياغة مطلعه بأن الجامعة تعرضت للتجاهل فكان ردها الأول قرارا فرديا بترحيل البطولة إلى شهر أوت.
ويبدو أن الجريء قد استبق تكرار سيناريو سقوط مشروعه الأول بقرار التأجيل ذلك أنه قبل ثلاثة أيام من حلول آجال مشروعه الثاني لم تقم الدولة بالرد رسميا رغم أن طرفا منها تم إشراكه في بلورته وهو وزير الرياضة.
وعليه يمكن التأكيد أن إعلان ترحيل البطولة إلى شهر أوت وعدم انتظار رد السلطات هو موقف غاضب من رئيس الجامعة تجاه أصحاب القرار رغم محاولة اكسائه بمنطق الالتزام بالسياسة العامة للدولة في مجابهة "كورونا".
يذكر أن المشروع الثاني للجامعة ينص على عودة تدريجية بتدريبات فردية وفق مجموعات محدودة العدد لا تتجاوز 6 أفراد انطلاقا من يوم 11 ماي على أن تتلوها العودة إلى التدريبات الجماعية بداية من يوم 18 وبالتالي فإن اتخاذ قرار التأجيل يوم 8 ماي يمكن اعتباره رسالة مضمونة الوصول للمسؤولين السياسيين في انتظارها أن تتلوها إرساليات أخرى.. لننتظر..