تُحيي تونس في 23 جانفي 2020، اليوم الوطني لإلغاء العبودية والرق، وهي ذكرى تعود ل 174 عاما، عندما أصدر أحمد باي الأول قرارا بإلغاء الرق في تونس بشكل نهائي في سنة 1846. أقر أحمد باشا باي، إلغاء الرقّ والعبودية في تونس، لتكون بلادنا أوّل دولة في العالم تُلغي العبودية والرق بوثيقة رسمية، ولتسبق الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي كانت تشهد نزاعات أهلية بين ولايات الشمال بقيادة الرئيس أبراهام لينكولن، وولايات الجنوب الخمس، بقيادة جيفرسون ديفيس، المعارضة لحملة لينكولن الساعية إلى تحرير "العبيد''.
انتهاء العبودية لم يتم إقرار إلغاء الرق في23 جانفي 1846 بصفة فجئية، إذ سبقته عدة قرارات من بينها إصدار أمر يتعلق بمنع الاتجار ب"البشر" وبيعهم في الأسواق في سبتمبر 1846.
وفي مرحلة لاحقة، صدر أمر بهدم المحلات المعدة لبيع العبيد في المدينة العتيقة بالعاصمة تونس، وفي ديسمبر من العام الموالي تم إصدار أمر يعتبر من وُلد في تونس حرا يمنع بيعه وشراؤه.
وجاء في الفصل الأول من امر إلغاء الرق، الذي يضم خمسة فصول، حسب ما ورد في بوابة العدل، منع العبودية في تونس، مع التنصيص على أن كل "إنسان حر مهما كان جنسه أو لونه"، وأتاح لمن تعرض للاسترقاق "أن يرفع أمره للمحاكم".
كما فرض الأمر عقوبات سجنية ومالية ضد مخالفي هذه الإجراءات، سواء كان مرتكبها تونسيا أم أجنبيا.
وقد حظيت هذه الإجراءات، وفقا للوثيقة التاريخية نفسها، بمساندة عدد من علماء الدين، وهي خطوة ساعدت في تقبل المجتمع لفكرة إلغاء العبودية، وذلك من خلال إضفاء شرعية دينية على هذا الأمر.
واعتمد أحمد باي على طريقتين لمنع الرق، تمثلت الأولى في الدفع ب"الاشتباه في وجود أحرار ضمن العبيد الذين يتم بيعهم"، فيما تمثلت الطريقة الثانية في إقناع الناس بمنع الرق.
هل اختفى زمن الرق؟ على الرغم من مرور أكثر من 19 عقدا على إقرار منع الرق في تونس، فإن جمعيات ومنظمات في المجتمع المدني لا تزال تعمل من أجل محاربة الممارسات المماثلة للرق والعبودية، على غرار العنصرية، على اعتبار أن هذه الظاهرة تشترك مع العبودية في اضطهاد الآخر والتعامل معه بميز عنصري.
وفي محاولة منه لزجر الممارسات العنصرية، صادق المجلس الوزاري، على أول قانون يتعلق بمناهضة التمييز العنصري والذي صدر بتاريخ 23 أكتوبر 2018.
ويحدد القانون الجديد عقوبات ضد الذين يطلقون شعارات عنصرية، تتراوح بين شهر وسنة من السجن وغرامة مالية تصل إلى ألف دينار، كما يعاقب بالسجن من عام الى ثلاثة أعوام وبغرامة مالية من ألف إلى ثلاثة آلاف دينار، كل من يحرض على العنف والكراهية والتفرقة والتمييز العنصري، وكل من ينشر أفكارا قائمة على التمييز العنصري.
ويهدف القانون رقم 11/2018 إلى "القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري ومظاهره، حماية لكرامة الذات البشرية وتحقيقا للمساواة بين الأفراد في التمتع بالحقوق وأداء الواجبات وفقا لأحكام الدستور والمعاهدات الدولية المصادق عليها من قبل الجمهورية التونسية".
ورغم وجود ترسانة قانونية فريدة من نوعها بتونس فيما يخص مكافحة الرق والاتجار بالبشر، تشير تقارير رسميّة إلى انتشار شبكات تجارة الرقيق الابيض، وعادة ما يكون أغلبهم من القصر والاطفال والنساء وحتى الرجال الذين يعانون من تردي الأوضاع المعيشية، حيث يتم اختطافهم أو ايهامهم بالعمل بدول غنية كدول الخليج ومن ثم احتجازهم ونقلهم للعمل بدور الدعارة والمواخير بدول أخرى كالمغرب وتايلاندا أو الامارات، أو يتم استغلالهم في الجبهات المسلحة بمناطق التوتر.
ولعل تصريح مديرة الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر، روضة العبيدي خير دليل على ذلك، حيث أكدت في ندوة انتظمت يوم الثلاثاء 4 فيفري 2020 أنه تم تسجيل 1113 حالة اتجار بالبشر أغلبهم من الاطفال، كما تم تجيل 83 حالة متعلقة بالتشغيل القسري.