لم يكن قرار الجزائر بقطع العلاقات الدبلوماسية مع البلد الجار المغرب، بالمفاجئ لدى الكثير من المتابعين للشأن المغاربي ولتاريخ العلاقات بين هاذين البلدين، بل وصفه كثيرون بالمتوقع. لكن ماهي دوافع اتخاذ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لهذا القرار؟ وماهي النقطة التي تكون قد أفاضت الكأس وسرّعت بالاعلان عن قطع العلاقات؟
حقائق أون لاين اتصلت بالصحفي الجزائري والمختصّ في الشؤون الدولية والدبلوماسية الطاهر سهايلية، الذي وصف هذه الخطوة بالتاريخية والمتوقعة، وكشف لنا عن أسباب هذا القرار.
علاقات متوترة منذ استقلال الجزائر أفاد الطاهر سهايلية بأن العلاقات بين المغرب والجزائر متوترة منذ الاستقلال منذ سنة 1963 إلى يومنا هذا، أي منذ حرب الرمال (حرب الرمال هو صراع مسلح وحرب اندلعت بين المغرب والجزائر في أكتوبر من عام 1963 بسبب مشاكل حدودية)، مضيفا أنه في سنة 1976 قطعت المغرب العلاقات دون اعلام الجزائر، وذلك بعد اعترافها (الجزائر) بالجمهورية الصحراوية الديمقراطية.
وتواصل توتر العلاقات بين البلدين وفق محدثنا، حيث اتهمت المغرب في سنة 1994 الجزائر بظلوعها في الانفجار الارهابي الذي وقع في مراكش، نفس الشيء في سنة 1999، جدّ عمل ارهابي في الجزائر ووجه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حينها أصابع الاتهام نحو الرباط.
النقطتان اللتان أفاضتا الكأس النقطة الأولى التي أفاضت الكأس، وأزعجت كثيرا الجزائر، وفق الطاهر سهايلية، هي ما صرّح به سفير المغرب لدى الأممالمتحدة عمر هلال، الذي دعا لاستقلال القبائل وانفصالها عن الجزائر، في مقابل التزام المغرب الصمت إزاء هذا التصريح الذي يعتبر دعوة لتقسيم الجزائر، مضيفا ان هذا الصمت اعتبرته الجزائر دعما من الرباط لما يسمى بحركة الماك الارهابية.
نقطة ثانية أزعجت كثيرا الجزائر واعتبرتها مستفزة جدا، وهي تصريح وزير خارجية الكيان الصهيوني في المغرب في 11 أوت 2021، الذي تحدث فيه عن "تقارب بين الجزائر وايران يقلق اسرائيل"، وبجانبه وزير خارجية المغرب، هنا شدد الطاهر سهايلية على خطورة هذا التصريح الذي جاء من بلد عربي مجاور، مبينا أنه منذ سنة 1948 لم ينطق أي وزير خارجية صهيوني بأي كلام ضد دولة عربية من دولة عربية أخرى، على حد تعبيره.
وأوضح سهايلية، أن العلاقات الجزائرية الايرانية جد طبيعية وعادية، حتى أن العلاقات التجارية بينهما جدّ منخفظة، وحتى لو كان هناك تقارب فلا علاقة لوزير خارجية الكيان الصهيوني بذلك ولا يجوز له تهديد بلد عربي من بلد عربي اخر.
في سياق متصل، ذكر محدثنا بأن الحرائق الأخيرة التي شهدتها الجزائر وراح ضحيتها الكثيرون، اتهمت فيها الجزائر المغرب، وبأنها هي من دعمت حركتا رشاد والماك الارهابيتين وحرضتهما على افتعال الحرائق، وفق قوله.
وبين الطاهر سهايلية أن وزير الخاريجة الجزائري رمطان العمامرة قدّم في ندوة صحفية أمس دامت حوالي ثلاث ساعات ونصف "كرونولوجبا" العلاقات بين الجزائروالرباط، وكانت واضحة لكل مسؤول يريد معرفة أسباب هذا القرار.
وبخصوص موقف المغرب، قال سهايلية: "شخصيا استغربت بيان خارجية مملكة العاهل المغربي الذي وصف الخطوة الجزائرية بغير المبررة وأحادية الجانب، لكن يبدو أنها نسيت ما أقدمت عليه سنة 1976 حين قطعت العلاقات مع الجزائر دون علم الجزائر بذلك"، مضيفا دبلوماسية الجزائر اليوم لم تعد دفاعية بل اصبحت دبلوماسية هجومية وستستنفر في كل مكان لحماية مصالحها وأمنها، وفق تعبيره.
تداعيات القرار اعتبر محدثنا أنه لن تكون هناك أي تداعيات على شعوب المنطقة، فالوزير رمطان لعمامرة كان واضحا وقال إن قرار قطع العلاقات لن يؤثر على المقيمين في كلا البلدين.
وقال الطاهر السهايلية: "نحن لن نستفيد شيئا سواء تم استئناف العلاقات أو قطعها، في الأخير علينا أن ننشغل بالداخل أكثر لتحصين الوحدة الوطنية ورص الجبهة الداخلية والالتفاف حول مشروع مجتمع يضمن مزيدا من الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، واهتمام السلطة الحالية يجب أن ينصب نحو تنمية العقل الجزائري ومستقبل ابنائها دون الانشغال الكبير بعلاقات الجار الذي أهدر الوقت الكثير عن شعوب المنطقة وفوت فرصة كبيرة على شعبه خدمة لمصالح الخارج، على حد قوله.
تذكير بموقف المغرب من قرار الجزائر أعربت الخارجية المغربية عن أسفها لقرار الجزائر بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب اعتبارا من الثلاثاء 24 أوت. وقال بيان للخارجية المغربية: "أخذت المملكة المغربية علما بالقرار الأحادي الذي اتخذته السلطات الجزائرية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب اعتبارا من اليوم."
وأضاف البيان: "ويأسف المغرب على هذا القرار غير المبرر تماما والمتوقع - في ضوء منطق التصعيد الذي لوحظ في الأسابيع الأخيرة - ويأسف كذلك لتأثيره على الشعب الجزائري. المغرب يرفض رفضًا قاطعًا الذرائع المغلوطة، وحتى العبثية، الكامنة وراءه."
وختم البيان بالقول: "وستظل المملكة المغربية من جهتها شريكا صادقا ومخلصا للشعب الجزائري وستواصل العمل بحكمة ومسؤولية من أجل تنمية علاقات مغاربية سليمة ومثمرة."
من جهة أخرى، قال رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، إنه يأسف لإعلان الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع بلاده، مضيفا أن المملكة تتمنى تجاوز هذا الوضع قريبا.
وعن احتمال عودة العلاقات إلى طبيعتها مع الجزائر، قال العثماني "في رأيي الشخصي، إن بناء الاتحاد المغاربي وعودة العلاقات إلى طبيعتها بين الجارين المغرب والجزائر هو قدر محتوم ضروري تمليه أولا وقبل كل شيء المصالح المشتركة وبناء المستقبل المشترك"، كما تمليه "التحديات الكبرى التي يعيشها عالم اليوم والتي تنبني على تجمعات إقليمية قوية ذات مصالح مشتركة".