بقبولها حل حكومة علي العريض المؤقتة، تعلن حركة النهضة انسحابها بشكل غير رسمي من السلطة و تجهض محاولة جرها الى المجهول من قبل الحرس القديم. في الحقيقة انتهى رسميا حكم النهضة عندما انفرط عقد الوفاق الوطني حول المسار السياسي الذي سارت عليه البلاد والمؤسسات القائمة التي كانت نتاجا لهذا المسار منذ انتخابات 23 أكتوبر. انتهى حكم النهضة في تونس مع الرصاصات التي اخترقت جسد الشهيد محمد البراهمي , يوم 25 جويلية الماضي , في ثاني اغتيال سياسي من نوعه تحت حكم الاسلاميين الذين يديرون حكومة الترويكا في تونس. نقول نهاية حكم النهضة لان طرفي الترويكا لم يكونا الا ممثلين من الكومبارس في مثلث الثلاثي الحاكم. نجحت النهضة طوال عام ونصف في الترويج لتحالفها مع المنصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر خارجيا على انه تحالف اسلامي علماني , واستطاعت ان تقنع تشكيلات كثيرة من المعارضة والمجتمع المدني في الداخل بأنها جزء من تحالف حاكم مؤقت وسيرحل بانتهاء مدته الانتخابية. طالت الفترة الانتقالية , وتابعنا مهزلة ماراطون انجاز الدستور الذي لم يتم الى اليوم , فجاءت عملية الاغتيال الثاني،لمحمد البراهمي، التي شهدتها البلاد يوم 25 جويلية، في ذكرى الاحتفال بعيد الجمهورية، بعد اغتيال شكري بالعيد يوم 6 فيفري، لتجهض مرحلة سياسية بأكملها. صبيحة 25 جويلية الماضي انتهى حكم النهضة , وما عاد أحد يقتنع بخلطة الترويكا التي قدمت رئيس جمهورية ضعيفا أصبح محل تندر من التونسيين، و رئيس مجلس تأسيسي فشل في الدور الذي رسم له كرجل مطافئ لم يقنع الديمقراطيين في الداخل , و أصبح محل شك أمام اصدقائه الغربيين في الخارج بانه الضامن الوحيد لمدنية الدولة , كما يروج لهم في جلساته المغلقة معهم. جاءت الأزمة الحالية لتشوش على ارادة حركة النهضة في الاندماج النهائي في اللعبة السياسية القائمة في البلاد. الوضع الذي عرفته البلاد خلال الاسابيع الاخيرة اعاد حركة النهضة الى وضعية ما قبل تحالف 18 اكتوبر الشهير. اعادنا المشهد الى الاستقطاب السياسي والايديولوجي الحاد الذي عرقناه طوال عشرية التسعينات بين الاسلاميين والديمقراطيين. طوال السنوات الاخيرة , وقبل وصولها الى السلطة بعد الثورة ، نجحت النهضة في جلب أطراف سياسية ديمقراطية اليها , وكان تحالف 18 اكتوبر الاختراق الاكبر للساحة الديمقراطية من قبل الحركة الاسلامية، نجحت من خلاله في اقناع خصومها السياسيين انها اجرت مراجعاتها وقبلت بقواعد اللعبة الديمقراطية واقتنعت بشكل نهائي بمدنية الدولة. ما حدث يوم 25 جويلية اعاد عقارب الساعة عشرين سنة الى الوراء. أصبح الاسلاميون في مواجهة الديمقراطيين. ساحة المجلس التأسيسي قسمت التونسيين بين من يرفع شعارات الديمقراطية والدولة المدنية من جهة، و اخرين يرفعون صيحات التكبير وينشدون اغنية "لبيك اسلام البطولة" و "طلع البدر علينا"، الاغاني ذاتها التي كان ينشدها الاتجاه الاسلامي في حفلات الزواج في اوائل الثمانينات حينما بدأت الحركة خطواتها الاولى في طرح المشروع الاخواني على التونسيين. من أعاد حركة النهضة الى نقطة الصفر في علاقة بلعبة الاندماج في الحياة السياسية؟! بلا شك تجربة الحكم ، بعد عام ونصف، اثبتت محدودية قدرة الاسلاميين على ادارة شؤون الدولة. ورطة السلطة كما ضغوطات المعارضة الديمقراطية وترصدها لكل هنات الاخوان في الحكم سارع بانهاء التجرية ..هذا دون ان ننسى الظروف المحلية والاقليمية التي كانت عاملا مساهما في افشال هذه التجربة واجهاضها مسبقا. كان سقوط الاخوان في القاهرة ايذانا بتتابع سقوط قطع الديمينو الاخواني العربي بالنسبة للبعض. اقتنعت حركة النهضة ان ساعة رحيلها قد حلت غير انها ارادت ان يكون الرحيل سلسا، بعيدا عن الدموية والمطاردة كما يحدث هذه الايام لاخوان مصر. و لكن بعيدا عن الضغوط المحلية و السياقات الاقليمية، وبعيدا عن التفسرات التآمرية لما يقع لحركة النهضة و ربط ما يقع اليوم لها في تونس بالوضع المصري، فان هناك سببا اساسيا ادى الى افشال تجربة النهضة في الحكم. لا نتردد في القول بأن سياسات الحركة العرجاء هي التي اوصلتها الى مأزقها السياسي الحالي. عزلة النهضة الحالية في المشهد السياسي هي نتيجة سياسات قيادات نهضوية جرفت ضد تمش اخر داخل النهضة اراد ادماج الحركة في المشهد السياسي الحالي بصفة نهائية. ما هي العلاقة بين قيادات شابة من قبيل حسين الجزيري وسمير ديلو وقيادات متطرفة من قبيل الصادق شورو او حبيب اللوز مثلا ؟ لا شيء تقريبا غير الانتماء الى حركة اصيبت بترهل تنظيمي وانفصام في شخصيتها وهويتها ولم تحسم بعد ثلاثين سنة في المقولات الاصولية التي أسستها. ما كانت تقوم به قيادات معتدلة داخل النهضة نحو مزيد تونستها ودمقرطة تجربتها وادماجها النهائي في الحياة السياسية التونسية أفسده الحرس القديم للحركة والذي انغرس فيه الحنين الى العمل السري وحبك المؤامرات و العودة الى الشعارات الاصولية الاولى. كانت أحداث الاسابيع الاخيرة و سقوط حكم الاخوان في مصر عاملا محددا لكي يعود الحرس القديم في حركة النهضة بقوة في موقف متعنت وصدامي من الواضح انه لم يقنع التيار المعتدل داخل الحركة. الارتهان بمصير الاخوان في مصر والنقل المباشر الذي قامت به بعض القنوات النهضوية لما يجري في ميدان رابعة العدوية في القاهرة اثبت ان الحرس القديم في النهضة اراد ان يسير بالحركة والتنظيم الى مصير الشهادة والانتحار الجماعي الذي سارت فيه الجماعة الام في ارض الكنانة بقيادة مرشدها محمد بديع. من الواضح ان القرار الاخير بقبول حل حكومة علي العريض والقبول بتكوين حكومة كفاءات اجهض ارادة الحرس القديم للنهضة في جر الحركة الى نفق مظلم معتم لا نهاية له يؤدي في نهايته الى طريق التضحيات الاعتباطية التي لم تجن منها الحركة الا منافي و سجونا و متاعب لاتباعها المساكين. قرار قيادة النهضة القبول بحكومة كفاءات في تقديرنا، كان قرار حكيما , و جاء ليفك الغام الحرس القديم داخلها وخارجها , ويحبط مخططه في جرها الى المجهول على غرار ما حصل في مصر للاخوان المسلمين.