جاء بيان وزارة الخارجية التونسية،في الرد على الأخبار التي راجت حول إقامة قاعدة عسكرية أمريكية في تونس ،كأول رد فعل رسمي بعد صمت حكومي و رئاسي على حد سواء ،استمر طويلا ،فيما عدا بعض الردود المقتضبة ،و التي زادت في تعميق الغموض حول الموضوع. لاشك في أن موضوع إقامة قاعدة أمريكية في تونس له من الدسامة حتى يغري الجميع بالخوض فيه تحليلا و ترجيحا ،وقد اختلطت فيه الكثير من التفاصيل بعد القرار الجمهوري الأخير بإقامة منطقة عسكرية عازلة على الحدود الجنوبية مع الجزائر و ليبيا ،تلخصت اسبابها حسب الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع ،العميد توفيق الرحموني في "تنامي التھدیدات الأمنیة وتضاعف تھدیدات التنظیمات الإرهابیة وتنامي نشاط شبكات الجریمة المنظمة في تجارة الأسلحة والذخیرة والمخدرات وتھریب المواد المدعمة، إلى جانب استعمال السلاح ضد العناصر الأمنیة المكلفة بمراقبة الحدود للإفلات من الملاحقة". و في كل مرة كان يقوم فيها السفير الأمريكي بزيارة إلى مناطق حدودية كولايتي مدنين و تطاوين خاصة، أو يزور فيها احد القادة العسكريين الأمريكيين تونس ،يعود الحديث في الإعلام و على حيطان مواقع التواصل الاجتماعي عن القاعدة العسكرية الأمريكية في تونس،ذات الأخبار كانت قد انتشرت إبان زيارة القائد الأعلى للقوات الأميركية في إفريقيا (أفريكوم) الجنرال "كارتر هام" الى تونس وليبيا والجزائر،في شهر مارس 2013 الماضي،لأمر الذي كذبه العميد مختار بن نصر، المتحدث باسم وزارة الدفاع التونسية آنذاك بالقول: إن "هذه الأخبار هي من قبيل الإشاعة، وإن المسألة ليست مطروحة بالمرة". وأوضح بن نصر أن اللقاء الذي جمع القائد الأعلى للقوات الأميركية في إفريقيا بقائد أركان الجيوش الثلاثة، الجنرال رشيد عمار، يأتي في إطار المجاملة والتوديع باعتبار أن الجنرال كارتر هام سيحال قريباً على التقاعد.كما نفى السفير الأميركي جاكوب والس في أوت 2012 و أفريل 2013، الأنباء التي ترددت في وقت سابق حول سعي أميركي لنقل مقر القيادة الإفريقية الأميركية من قاعدة شتوتغارت الألمانية إلى تونس. و عاد الجدل إلى واجهة الأحداث بعد قرار الرئيس المرزوقي بإقامة منطقة حدودية عازلة مع ليبيا و الجزائر ،الأمر الذي فسره البعض بإرادة واضحة لجعل هذه المناطق مجالا لتحرك قوات أجنبية ،أمريكية بالأساس ،في إطار ما يسمى بمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل و الصحراء،و ما زاد تخمينات المراقبين في تونس ،ما كشفت عنه جريدة الفجر الجزائرية في عددها الصادر الأربعاء، 4 سبتمبر الجاري ، عن "وجود مشروع تونسي أميركي يقضي بالسماح لإقامة قاعدة عسكرية أميركية على الحدود التونسيةالجزائرية تحت ذريعة مكافحة الإرهاب بالمنطقة". كما نشرت وسائل إعلام محلية تونسية ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي صورا لما سمي "قاعدة عسكرية أميركية" في منطقة رمادة بالجنوب الشرقي التونسي. وكانت جماعة أنصار الشريعة قد أشارت في بيان لها حول دوافع تصنيفها على لائحة الإرهاب، من طرف الحكومة بالقول: "لم يخف على ذي لب حقيقة هذه المؤامرة الدنيئة المتمثلة في إيجاد ذريعة تخول إعطاء الضوء الأخضر لهبل العصر أميركا للتدخل المباشر وتبرير صفقة القاعدة الأميركية برمادة ، والتمهيد لها بإعلان المنطقة الحدودية الجنوبية منطقة مغلقة معزولة بدعوى الجهود الحثيثة في مكافحة الإرهاب". مؤشر آخر في هذا السياق كشفت عنه جريدة الخبر الجزائرية في عددها الصادر يوم السبت 7 سبتمبر نقلا عن مصدر أمني جزائري ،"توقعه بحدوث تدخل عسكري غربي- الأرجح ان يكون أمريكا أو فرنسيا – في جنوب ليبيا وتونس لمنع تشكل قاعدة للجهاديين تهدد أمن المنطقة،ولم تستبعد مصالح الأمن الجزائرية تدخلا عسكريا في هذه المناطق شبيها بما وقع في شمال مالي،وأوضح المصدر أن التهديدات الأمنية التي تشكلت في جنوب غرب ليبيا وبعض المناطق في تونس وشمال النيجر قرب الحدود الشرقية والجنوبية الشرقية للجزائر، كانت موضوع اللقاء الأخير بين بوتفليقة وقائد أركان الجيش الجزائري الفريق قايد صالح . إذا ،بين نفي الجانبين الرسميين ،الأمريكي و التونسي ،و بين المؤشرات الصحفية و الأمنية في المنطقة تبقى حقيقة الموضوع شديدة الغموض ،خاصة و أن المنطقة المشار إليها قد استعملت في وقت سابق كقاعدة إسناد و دعم للمتمردين الليبيين ضد نظام معمر القذافي في الفترة بين شهر أفريل و أوت 2011 و كانت مصدرا هاما للأسلحة التي ضختها قطر والولايات المتحدةالأمريكية بالتعاون مع الجيش التونسي ،و ذلك حسب تقرير بعثة خبراء الأممالمتحدة لمراقبة قرار حظر الأسلحة في ليبيا الصادر في مارس 2012. غير أن المرجح , و حسب طبيعة المنطقة المرشحة لاحتضان القاعدة العسكرية،انه من المستبعد في المدى القريب و المتوسط إقامة قاعدة عسكرية أمريكية كتلك التي نراها في قطر أو في السعودية أو في الكويت ،تحوي جنودا و معدات عسكرية و قواعد جوية ،لكن و بحكم الموقع الجغرافي فالأرجح أن تكون القاعدة ذات طبيعة أمنية -استخباراتية ،فمنطقة برج الخضراء التابعة لمعتمدية رمادة من و لاية تطاوين تقع في النقطة الثلاثية بين الحدود التونسية -الليبية -الجزائرية في عمق المنطقة الصحراوية ،أي أن القاعدة المزمع إقامتها ستكون مجهزة بأجهزة رصد و اتصالات و تحوي مهندسين و خبراء لا عسكريين و جنود و تكون مهامها محصورة في مراقبة تحركات الجماعات المسلحة الناشطة في منطقة الصحراء الكبرى و رصد اتصالاتهم و التي تتخذ من هذا الفضاء الجغرافي الواسع مجالا لتهريب الأسلحة و المقاتلين و هو الأمر الذي دعا إليه معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى و المقرب من صناع القرار في الإدارة الأمريكية في أكثر من مرة ،و الذي حذر في أخر دراسة له ،حررها المتخصص في شؤون الإرهاب و الأمن القومي بمنطقة المغرب هارون زيلين ،من تدهور الوضع الأمني في منطقة المغرب العربي في الأيام القادمة إذ لم تتدخل الإدارة الأمريكية لوضع خطط طوارئ ،على حد قوله . و ما يعزز هذا التوجه الزيارات المتتالية التي قام بها السفير الأمريكي الأسبق "غراندي" إلى المناطق الحدودية في جهة الجنوب الشرقي و السفير الحالي "والاس" الذي قام في إحدى زياراته الى ولاية مدنين بتفقد قوات حرس الحدود في الولاية ،كما تقوم السفارة الأمريكية و منظمات المجتمع المدني بالاشراف على تمويل بعض المشاريع التنموية و التعليمية و الخيرية في القرى و الجهات الحدودية على الجانبين الجزائري و الليبي .