عامان فقط من الثورة،فقئت عينا من يطعن في انجازتها، حتى أفغنت (نسبة الى افغانستان) شوراعنا وجزأرت جبالنا (نسبة الى الجزائر) ولبنتت (نسبة الى لبنان) عملية اختيار الحكومة الجديدة. هذا الاسبوع كان نموذجا جيدا لعملية التعميد ببركات عقيدة التثليث العربية الاسلامية ونقصد: الافغنة والجزأرة والللبننة. فمن مظاهر التعميد على الطريقة الافغانية وفي اقل من أربعة وعشرين سنة هاجت وماجت مدينة الكاف بأكملها وتحولت شوارعها الى ساحات حرب شوارع بين اصحاب اللحى والجلابيب الافغانية وبين قوات الامن. كانت الانطلاقة احتجاجات بسيطة على عملية تهريب روتينية للتتحول الى غزوة لانصار الشريعة في الشوارع يتظلمون من الحيف والتمييز الذي يمارس ضدهم وانعدام حقوقهم من اجل نيل نصيبهم من الاسمنت المهرب. النتيجة حرب شوارع ومواجهات وتكبيرات وحجارة حتى مطلع الفجر. غير بعيد عن الكاف يتواصل سناريو"الجزأرة" على سفوح سلسلة جبال الشعانبي ومرتفعاتها. اخر الشهداء التي تقدمهم البلاد هو الرقيب "يوسف الدريدي اصيل ريف ولاية سليانة. جاء استشهاده بلغم مزروع حديثا على الارجح ليؤكد ان مسلسل حرب الارهاب طويل وان عملية استئصاله في الجبل لن تتم الا عبر تجفيف ينابيعه في السهل. من أجل فك الغام الجزأرة في الشعانبي وتفكيك الخلايا المتركزة في اعلاه لا خيار لنا الا ضرب دعامته العقائدية واللوجستية في المدن. اجهاض مخطط جزأرة الشعانبي يبدأ في الكاف وسجنان والتضامن وغيرها عبر تفكيك قواعد الافغنة في الشوارع والمساجد. في ذات الاسبوع الذي عشنا فيه نماذج من الأفغنة في الكاف والجزأرة في سفوح الشعانبي، تعيش العاصمة على وقع مارطون تشكيل الحكومة الجديدة ومفاوضات الرباعي من اجل اختيار رئيس الوزراء الجديد. حالة اللبننة اصابت المجتمع السياسي بأكمله، ففي لبنان يستغرق تشكيل الحكومة الجديدة اشهر عديدة وهو وضعنا الحالي. ومثلما يزكى أي حكومة لبنانية جديدة من جميع الفرقاء والطوائف فان رئيس حكومتنا مطالب بان ينال موافقة الجميع. واذا كان الضوء الاخضر ضروري في الحالة اللبنانية من طهران(الشيعة) والرياض(السنة) فانه من الضروري أن ينال رئيس حكومتنا الجديد رضى عواصم اخرى من قبيل الجزائر وباريس ولما لا عاصمة النفوذ الجديدة: دوحة قطر. المشهد السياسي بكل تفاصيله في تونس والعملية القيصرية التي تجري لاختيار رئيس الوزراء هي بامتياز عملية "لبننة" مع تعويض المكونات المذهبية والطائفية والدينية بالمكونات السياسية عندنا. اتحاد الشغل هدد في اخر انذارته اذا ما تواصلت المفاوضات بلا نتيجة الى سير البلاد الى المجهول، اي اننا ربما نسير في اتجاه "اللبننة" في صيغتها الصفر أي الحرب الاهلية اللبنانية. من المرجح اذا ما تواصل الوضع على ما هو عليه ان نسير الى انتاج علامتنا المميزة: التونسة والتي هي على الارجح ستكون جماع للتجارب والخبرات الماضية في الصراعات والتقاتل الداخلي والتجاذب الطائفي السياسي. فالتونسة ستكون على الارجح اذا ما واصلنا سياسة الهروب الى الامام ، تجميعا لتراكمات وخيرات وبركات، الافغنة والجزأرة واللبننة.