من المنتظر ان يتم خلال الأيام القليلة القادمة وضع اللبنة الاخيرة لخارطة الطريق بين الرباعي الراعي للحوار الوطني و الاحزاب السياسية و ذلك من خلال ختم الدستور و المصادقة النهائية على فصوله اثر نقاشات وصفت بالعنيفة أحيانا بين نواب المجلس التأسيسي خلال عملية التصويت ، و تأتي عملية المصادقة على هذا الدستور ضمن المسار التأسيسي بعد الانتهاء من بقية المسارات وهي تشكيلة حكومة مهدي جمعة و التوافق على اعضاء هيئة الانتخابات. و رغم حرص أغلب الاطراف السياسية على بلوغ مرحلة التوافق خلال حفل ختم الدستور فإن هناك أطرافا رفضت هذا المشروع القانوني على غرار عدد من المؤسسات الدينية الرسمية وبعض رجال الدين من الخطباء و الأيمة و الذين رفضوا هذا النسخة من الدستور إما في مجمله او في عدد من الفصول . و اكد الناطق الرسمي باسم حزب التحرير رضا بلحاج ان هذا الدستور دخيل على التونسيين باعتباره قائما بالأساس على الترضيات السياسية و ليس الشريعة الاسلامية اضافة الى اقرار عديد التناقضات حتى داخل نفس الفصل وهو ما لا يمكن القبول به مشيرا الى انه تم تنظيم وقفة احتجاجية بشارع الحبيب بورقيبة يوم الجمعة الفارط أعلن خلالها عن ابراء ذمته امام الله و امام التاريخ من هذه النسخة من الدستور . و اضاف بالحاج في تصريح لحقائق أون لاين ان الفصل السادس يعتبر فضيحة بكل المقاييس و خاصة عندما اقر حرية الضمير التي ستمهد الى ظهور الالحاد و الشذوذ في مجتمع ديانته الرسمية و التاريخية هي الاسلام مع بعض الاقليات اليهودية و المسيحية و الذين تعايشوا في ما بينهم طوال مئات السنين دون اية مشاكل تذكر و دون الحاجة الى حرية للضمير على حد تعبيره. و يذكر ان الفصل السادس من الدستور في نسخته الاولى المصادق عليها خلف عديد الاحتجاجات وصلت الى حد الاستقالة من المجلس من جانب بعض نواب حركة النهضة الذين رفضوا ادراج تجريم التكفير و حرية الضمير كما طالبوا بإضافة حماية المقدسات ومنع النيل منها، من جهتهم طالب نواب المعارضة بضرورة ادراج حياد دور العبادة و المساجد عن التوظيف الحزبي و الإبقاء على حرية الضمير . من جانبه أفاد رئيس الجمعية الوسطية للتوعية و الإصلاح عادل العلمي ان هذا الدستور هو نسخة علمانية تساهم في تغريب المواطن التونسي داخل بلاده بالنظر الى عدد من الفصول التي انبنت أساسا على تقاليد الغرب و عاداتهم وذلك بعد اقرار المساواة بين الرجل و المراة وهو ما يرفضه النص القرآني كما دعا الى حرية الضمير وهو ما سيشرع على حد تعبيره الى ظاهرة التبشير جهرا و بصفة قانونية بعد أن كانت ممنوعة سابقا و مرفوضة من جانب المجتمع التونسي باعتباره كتلة محافظة و مسلمة . و بيّن العلمي في سياق حديثه عن الدستور ان رئيس الجمهورية منصف المرزوقي مدعو الى عرضه على الاستفتاء الشعبي لمعرفة مدى قبول هذا النص التشريعي لدى فئات الشعب مؤكدا ان الرفض حتما سيكون مآله بالنظر الى الفصول الملغومة التي تضمنته و التي لا تمثل بتاتا الشارع التونسي . و لم تقتصر الاحتجاجات و رفض عدد من الفصول على رجال الدين بل ان المؤسسات الدينية على غرار المجلس الاسلامي الاعلى عبرت في بلاغ لها عن رفضها للدستور الذي لم يتم التنصيص فيه صراحة على أنّ الشريعة الاسلامية مصدر للقانون ولم يتضمن دسترة المجلس الإسلامي الأعلى. كما أشار نفس البلاغ إلى أنّ تحجير التكفير مطلقا يسمح بتفشي المذاهب الهدامة والسلوكات الشاذة ويؤدي إلى تفكك المجتمع، داعيا إلى حذف التنصيص عليها في هذا الدستور وتخصيصها بنص جزائي مثلها مثل المجاهرة بالكفر وازدراء الاديان والاعتداء على المقدسات. و بخصوص حرية الضمير اعتبر المجلس انها أخذت في معنى يتناقض مع المبادئ الإسلامية مثل الدعوة إلى مذاهب متطرفة وهدامة وسلوكات اخلاقية شاذة، وهي تؤدي إلى نتائج وخيمة تتعارض مع الإسلام وتهدد وحدة المجتمع وأمن البلاد وتتسبب في إشاعة الفتنة والطائفية وغيرها من الفساد. كما اعتبر مفتي الجمهورية حمدة سعيّد أن التنصيص على 'حرية الضمير' في الدستور مصطلح غير منضبط و ليس له مفهوم واحد، و ان هذا المصطلح قد استغل للاستعاضة به عن الدين لتسهيل التخلص منه و الارتداد عنه مشيرا الى إدراج الفصل السادس من الدستور بهذا المعنى المشبوه، وهو في مناقضة تامة مع الفصل الأول من الدستور الذي يؤكد أن الإسلام هو دين الدولة، و إفراغ له من محتواه .