كيف تطورت أزمة مقاتلي حماس العالقين في رفح؟    مرصعة بالذهب الأبيض.. كم يبلغ سعر ساعة كريستيانو رونالدو الخرافية؟ (صور)    الإحتفاظ بأربع فتيات سلبن تلميذة وعنّفنها حدّ الإغماء    صفاقس: اتحاد الأعراف يحمّل إتحاد الشغل مسؤولية ما قد يترتب عن أي إضراب غير قانوني    عاجل: ألعاب التضامن الإسلامي بالرياض: وفاء محجوب تهدي تونس ميدالية فضية في الكاراتي    عاجل/ إيداع شكاية لدى محكمة الاستئناف بتونس حول تعرض جوهر بن مبارك "لجريمة تعذيب"…    انتقال رئاسة النجم الساحلي الى فؤاد قاسم بعد استقالة زبير بية    توقيع برنامج تعاون ثنائي بين وزارة الشؤون الثقافية ووزارة الثقافة الرومانية    في ذكرى وفاة عبد القادر بن الحاج عامر الخبو    من المجاهدين الأفغان إلى الجولاني ... «الجهاديون»... خدم للإمبريالية!    تستوعب 10 آلاف جندي: غزّة... قاعدة أمريكية ؟    بنزرت: يوم إعلامي حول السّجل الوطني للمؤسسات    في بيت الرواية بمدينة الثقافة .. .جلسة أدبية حول «تعالق الشعر بالسرد»    أولا وأخيرا .. على أكل الحشيش نعيش    المهدية: مواد خطيرة وحملة وطنية لمنع استعمالها: طلاء الأظافر الاصطناعية و«الكيراتين» مسرطنة    أنس بن سعيد تتألّق في "ذو فويس" وتعيد للأغنية التونسية بريقها    استماعات بخصوص مشروع قانون المالية    قبلي: عملية بيضاء لرفع جاهزية فرق الحماية المدنية في مجابهة حوادث المرور    الليلة: سحب قليلة والحرارة بين 10 درجات و15 درجة    وزير الدفاع يلتقي قائد القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا    العجز التجاري لتونس يبلغ 18,435.8 مليون دينار مع موفى أكتوبر 2025    عاجل/ الزهروني: "دقبونة" و"ولد العيارية" و"العروسي" في قبضة الامن    16 مركز إيواء للنساء ضحايا العنف: تونس تعزز حماية المرأة والمساواة    الرئيس الجزائري يوافق على طلب نظيره الألماني بالعفو عن الكاتب بوعلام صنصال    مشروع السدّ يتحرّك: مفاوضات جديدة لإنهاء ملف انتزاع الأراضي بجندوبة!    مباراة تونس وموريتانيا الودية : وقتاش و القناة الناقلة ؟    كاس افريقيا للامم لكرة اليد - المنتخب التونسي في المستوى الاول    عاجل/ صدور أحكام سجنية في قضية هجوم أكودة الارهابي    سليانة: انطلاق مهرجان "نظرة ما" في دورتها الثانية    مدير المركز الوطني لنقل الدم: هدفنا بلوغ 290 ألف تبرّع سنوي لتلبية حاجيات البلاد من الدم ومشتقاته دون ضغوط    مجلس الجهات والأقاليم ينتدب في هذه الخطط الإدارية..#خبر_عاجل    عاجل/ انشاء هيكل جديد لتنظيم قطاع القهوة في تونس    عاجل: 8 سنين حبس لفتاة تروّج في المخدّرات قدّام مدرسة في الجبل الأحمر!    انقلاب سيارة في جسر بنزرت..#خبر_عاجل    الترجي الرياضي: توغاي يعود إلى تونس.. ورحة بأيام ل"بن سعيد"    نواب ينتقدون مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026: "استنساخ للسابقة واعتماد مفرط على الجباية"    عاجل/ بشرى سارة لأصحاب هذه الشهائد: 1292 انتداب جديد..    انطلاق معرض الموبيليا بمركز المعارض بالشرقية الجمعة 14 نوفمبر 2025    النجم الساحلي: زبير بية يكشف عن أسباب الإستقالة.. ويتوجه برسالة إلى الأحباء    تونس تشارك في بطولة العالم للكاراتي بمصر من 27 الى 30 نوفمبر بخمسة عناصر    تعاون ثقافي جديد بين المملكة المتحدة وتونس في شنني    "ضعي روحك على يدك وامشي" فيلم وثائقي للمخرجة زبيدة فارسي يفتتح الدورة العاشرة للمهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان بتونس    قفصة: وفاة مساعد سائق في حادث جنوح قطار لنقل الفسفاط بالمتلوي    ليوما الفجر.. قمر التربيع الأخير ضوي السما!...شوفوا حكايتوا    تحطم طائرة شحن تركية يودي بحياة 20 جندياً...شنيا الحكاية؟    معهد باستور بتونس العاصمة ينظم يوما علميا تحسيسيا حول مرض السكري يوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    تحب تسهّل معاملاتك مع الديوانة؟ شوف الحل    عاجل/ هذا ما كشفته وثائق سرية حول اتفاق غزة..    اسباب ''الشرقة'' المتكررة..حاجات ماكش باش تتوقعها    خطير: تقارير تكشف عن آثار جانبية لهذا العصير..يضر النساء    بش تغيّر العمليات الديوانية: شنوّا هي منظومة ''سندة2''    تحذير عاجل: الولايات المتحدة تسحب حليب أطفال بعد رصد بكتيريا خطيرة في المنتج    تقديرا لإسهاماته في تطوير البحث العلمي العربي : تكريم المؤرخ التونسي عبد الجليل التميمي في الإمارات بحضور كوكبة من أهل الفكر والثقافة    الشرع يجيب على سؤال: ماذا تقول لمن يتساءل عن كيفية رفع العقوبات عنك وأنت قاتلت ضد أمريكا؟    تصريحات صادمة لمؤثرة عربية حول زواجها بداعية مصري    الدكتور صالح باجية (نفطة) .. باحث ومفكر حمل مشعل الفكر والمعرفة    صدور العدد الجديد لنشرية "فتاوي تونسية" عن ديوان الإفتاء    شنيا الحاجات الي لازمك تعملهم بعد ال 40    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شتاء اسلامي.. هل الاسلاميون عقبة؟!**
نشر في حقائق أون لاين يوم 12 - 04 - 2013

بعد مرور عامين على اجتياح الربيع العربي لتونس ومصر، يشعر العديد من المواطنين في كلا البلدين بالإحباط بسبب تباطؤ إيقاع التغيير وعدم تحقق انتظاراتهم المتعلقة بالمزيد من فرص العمل وزيادة الأجور، بالإضافة إلى القلق بشأن الممارسات السياسية السلطوية، فأخيرا، اندلعت الاحتجاجات العنيفة في مصر وتونس، كما أثار اغتيال شكري بلعيد، القيادي المرموق بالمعارضة، المطالب بحل الحكومة. ويتزايد تشاؤم المراقبين الدوليين بشأن آفاق الديمقراطية قائلين إن الربيع العربي تحول إلى شتاء إسلامي. وتونس و مصر منهما بدأ "الربيع".
ولكن تلك التوقعات المتشائمة تعتمد على فهم منقوص للقضايا المعقدة من ناحية وتوقعات غير واقعية بشأن التحول السريع والناعم، حيث يستخدم محللون مثل توماس فريدمان ودانييل بايبس وفريد زكريا أدلة غير موضوعية في تفسير المعضلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحرك الأحداث على الأرض.
فحتى المناقشات الأكثر عمقا عادة ما تركز على نحو معيب على قوة ونوايا الإسلاميين. وتعطي التغطية الإعلامية للمنافسات الشرسة في الشوارع والبرلمان وصندوق الاقتراع انطباعا بأن نتيجة التحول سوف يتم تحديدها من خلال القوة النسبية للإسلاميين والعلمانيين. ولكن بحثنا الأخير يشير إلى عكس ذلك.
فقد أظهرت استطلاعات آراء 1201 تونسي و4080 مصريا تم إجراؤها في أكتوبر (تشرين الأول) – نوفمبر (تشرين الثاني)، أي بعد ما يقرب من العام من انتخابات ما بعد الثورة، أن المؤسسات لها أهمية أكبر من الإسلام في دمقرطة كلا البلدين. ومن ثم، فبدلا من القلق بشأن الإسلاميين، يحتاج المجتمع الدولي لأن يكون لديه تصورات دقيقة حول التحول السياسي في العالم العربي ويجب أن يسعى لتعزيز المؤسسات والإصلاحات الاقتصادية في بلدان ما بعد الربيع العربي.
ويظهر بحثنا أن المواطنين لديهم توجهات معتدلة تجاه دور الدين في السياسة أكثر مما نعتقد. حيث تؤمن أقلية من السكان – 26 في المائة في تونس و28 في المائة في مصر – أن الإسلام يجب أن يلعب دورا أكبر في الحكومة. حيث لا يرغب سوى 27 في المائة فقط ممن صوتوا لحزب النهضة الديني التونسي في 2011 في وجود علاقة وثيقة بين الدين والسياسة. وبالمثل، فإن نحو 16 في المائة فقط ممن صوتوا لحزب الحرية والعدالة الإسلامي و22 في المائة ممن صوتوا لحزب النور السلفي في انتخابات 2011 – 2012 فقط يرون أن الزعماء الدينيين يجب أن يؤثروا في السياسة.
ويرغب كل من التوانسة والمصريين في النمو الاقتصادي. وعندما سئلوا عن الخاصية الأكثر أهمية في الديمقراطية، أعطى نحو 69 في المائة من المصريين ونحو 32 في المائة من التوانسة تزويد الناس بالاحتياجات الأساسية أو تضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء على قائمة أولوياتهم. ويربط كل من العلمانيين والإسلاميين بين الديمقراطية والازدهار الاقتصادي، ففي مصر، يؤمن نحو 69 في المائة من مؤيدي حزب الحرية والعدالة ونحو 67 في المائة من مؤيدي الأحزاب العلمانية بأن الديمقراطية سوف يكون لها نتائج اقتصادية إيجابية. وفي تونس، يؤمن نحو 29 في المائة من مؤيدي حزب النهضة و32 في المائة من مؤيدي العلمانية بالشيء ذاته.
وقد حظيت الأحزاب الإسلامية بتأييد معقول في الانتخابات الحديثة في كلا البلدين، ليس فقط لأن هناك تعاطفا آيديولوجيا واسعا بين المواطنين معها ولكن نظرا لكفاءة الحملات التي أجرتها الأحزاب الإسلامية. فقد كانت الأحزاب الإسلامية ببساطة أكثر تنظيما خلال الحملات كما أنها تتمتع بموارد أكثر من الأحزاب الأخرى. ففي مصر، على سبيل المثال، تضاعف عدد أعضائهم أربع مرات، بينما تضاعف فقط عدد المتطوعين في حملات الأحزاب غير الإسلامية.
قضايا أساسية
و وفقا للاستطلاعات التي أجراها معهد الحوار المصري الدنماركي ومركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ازدادت حصة الأحزاب الإسلامية في مصر من الأصوات السليمة بما نسبته 45 في المائة إلى 70 في المائة خلال حملة الانتخابات في الفترة من سبتمبر (أيلول) إلى نوفمبر (تشرين الثاني) 2011. كذلك فإن نحو 19 في المائة من المصريين الذين استطلعنا آراءهم كانوا يحصلون على مواد الحملات الانتخابية من حزب الحرية والعدالة مقارنة بنحو 6 في المائة فقط حصلوا على مواد من حزب النور والذي يتمتع بثاني أكبر الموارد المالية.
وبالتالي، فإن من استطلعنا آراءهم كانوا يعرفون أين يقف الإسلاميون في ما يتعلق بالقضايا الأساسية ولكنهم كانوا أقل يقينا بشأن برامج الأحزاب الأخرى. فقد كان نحو 85 في المائة من المصريين يعرفون موقف حزب الحرية والعدالة بشأن الدين، ويستطيع نحو 61 في المائة أن يحددوا ملامح مشروعه الاقتصادي مقارنة بنحو 25 في المائة إلى 59 في المائة من المشاركين الذين كانوا يعرفون موقف الأحزاب الأخرى من تلك القضايا المحورية. وفي تونس، كان نحو 83 في المائة يستطيعون التعرف على موقف حزب النهضة من الدين فيما كان نحو 60 في المائة يستطيعون تحديد موقفه من الاقتصاد في مقابل 46 إلى 65 في المائة يتذكرون مواقف الأحزاب الأخرى.
فوضى في تونس
وعلى الرغم من شعبية الإسلاميين، يقول بعض المراقبين إن تلك الأحزاب سوف تخسر التأييد إذا ما خضعت لاختبار الحكم. وبالفعل، أظهرت دراسة حديثة أن نحو 47 في المائة من التوانسة ونحو 38 في المائة من المصريين يشعرون بأن بلادهم أصبحت أسوأ حالا مما كانت قبل الثورة، ولكن ذلك لا يعني أن الإسلاميين يخسرون شعبيتهم، فلم تقترب حتى الآن أي من الأحزاب الأخرى من تحدي مواقفهم المهيمنة. بل ربما تكون الأحزاب الإسلامية قد اكتسبت المزيد من الشعبية منذ تسلمهاللسلطة .
فقد وجد الاستطلاع الذي أجريناه ما بعد الانتخابات التونسية أن حزب النهضة أصبح يستحوذ الآن على نحو 46 في المائة من الأصوات بعدما كان يستحوذ على 35 في المائة فقط في انتخابات أكتوبر 2011. وفي مصر، يؤيد نحو 43 في المائة من الأصوات حزب الحرية والعدالة بعدما كان عدد الأصوات التي تؤيدهم يبلغ 38 في المائة خلال انتخابات 2011. كما تزايدت أيضا الأصوات التي تؤيد حزب النور منذ انتخابات 2011.
وفي نفس السياق، أظهرت الأحزاب الإسلامية قدرة هائلة على الحفاظ على قواعدها. فمن بين المقترعين، صوت نحو 86 في المائة من الذين صوتوا لحزب النهضة و84 في المائة من الذين أيدوا حزب الحرية والعدالة في الانتخابات الأخيرة لهم مرة أخرى. فيما لم تحظ الأحزاب الأخرى بتلك الميزة. فعلى سبيل المثال حافظ حزب الوفد المصري على نسبة 60 في المائة فقط من قاعدته من المصوتين له. كما تمكنت الأحزاب الإسلامية من أن تجذب أًصواتا من نظيرتها الأكثر تشددا، حيث إن 23 في المائة من الذين صوتوا لحزب النور في انتخابات نوفمبر 2011 في مصر قالوا إنهم سوف يصوتون لحزب الحرية والعدالة إذا ما عقدت انتخابات تالية مقارنة بنسبة 2 في المائة فقط من المصوتين لحزب الحرية والعدالة الذين يمكن أن يغيروا توجهاتهم ويصوتوا لحزب النور.
وفي تونس، هناك 29 في المائة فقط ممن صوتوا لحزب التكتل الديمقراطي الاجتماعي و33 في المائة فقط ممن صوتوا لحزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» سوف يصوتون لهم مرة أخرى في الانتخابات القادمة. والحقيقة، فإن الأحزاب الإسلامية ربما تكون قد واجهت وقتا صعبا في الحفاظ على المستويات العالية من التأييد أخذا في الاعتبار البيئة السياسية المضطربة في كلا البلدين. وما زالت هناك نسبة كبيرة من المصوتين لم يحسموا مواقفهم: 60 في المائة من التوانسة و39 في المائة من المصريين. بالإضافة إلى أن كلا البلدين ما زال في مرحلة من التغيرات العنيفة.
لقد كان أداء تونس أفضل من مصر حتى الآن في تحولات ما بعد الربيع العربي، حيث إن لديها عنفا أقل ومظاهرات أقل واستقرارا سياسيا أكبر. وهو ما يرجع جزئيا إلى أن التحديات أسهل في مواجهتها في دولة تتكون فقط من 11 مليونا ينتمي نحو 98 في المائة منهم إلى السنة مقارنة بالسكان الأكثر تنوعا في مصر. ولكن نجاح تونس يرجع أساسا إلى مؤسساتها القوية وهو ما يطرح جدلا سياسيا. والأهم من ذلك أن النزاعات حول القرارات الصعبة ظلت إلى حد كبير داخل المؤسسات خاصة في لجنة صياغة الدستور. فحتى عندما كانوا يتجادلون حول قضايا شائكة مثل حقوق المرأة وتأسيس لجنة انتخابية، ظل الممثلون جالسين وارتكز الانتباه العام على الجدل داخل المجلس التشريعي وليس في الشوارع.
وقد أثار التقدم البطيء للجنة الانتقادات ولكنه ساعد أيضا على تجنب الأزمة. ومن جهة أخرى، تم حل البرلمان في مصر ونشب نزاع حاد حول الرئاسة كما أصبح العنف في الشوارع أمرا متكررا. ويدعي العديد من المراقبين أن مصر أكثر اضطرابا فيما بعد الثورة نظرا لإرث البلاد من التدين والإسلامية.
وبالفعل، هناك اختلافات تاريخية أساسية بين مصر وتونس في ما يتعلق بدور الدين في الدولة. فقد كان النظام التونسي في ما بعد الاستعمار بزعامة الرئيس الحبيب بورقيبة يروج للمجتمع العلماني ويقمع الإسلاميين.
كما ساهمت الإصلاحات المعاصرة لبورقيبة أيضا في إضعاف الإسلاميين وزادت من مشاركة المرأة في المجتمع ووضع تونس على مسار العلمانية ثم لاحقا على يد النظام القمعي للرئيس زين العابدين بن علي. وعلى النقيض، يقول المراقبون إن الزعماء العلمانيين في مصر مثل الرئيس جمال عبد الناصر كانوا يسعون للتوفيق بين الإسلام والحداثة بدلا من إقصاء الدين من المناخ العام. وبالتالي، تمتع الإسلاميون في مصر بحرية أكبر وكانوا أكثر محافظة من نظرائهم التوانسة. كما أن الحركة السلفية في مصر أقوى بكثير وأكثر تنظيما، تجلى نفوذها في المكاسب الانتخابية لحزب النور الذي فاز بما يقرب من 28 في المائة من الأصوات وجاء في المرتبة الثانية فقط بعد حزب الحرية والعدالة في الانتخابات البرلمانية 2011.
ومع ذلك، هناك بحث يفند أسطورة أن التيار الديني هو العامل الرئيسي في الخلاف بين مصر وتونس في ما بعد الربيع العربي. ففي الحقيقة، ليس المصريون أكثر تدينا من التوانسة. فعلى سبيل المثال، ذكر العديد من المصريين أنهم نادرا ما يشاركون في المراسم الدينية بنسبة تزيد على التوانسة (30 في المائة مقارنة بنسبة 11 في المائة). وفي النهاية، الأمر لا يتعلق بالتدين ولكنه يتعلق بالقوة النسبية لمؤسسات الدولة والتي تشكل الفارق الرئيسي ما بعد الربيع العربي بين تونس ومصر.
العملية الديمقراطية
إن المؤسسات المصرية ضعيفة وتتعرض للإضعاف الدائم على يد المصالح الراسخة. كما تلعب المواقع الجيوسياسية المختلفة للبلاد دورا مهما هنا. حيث تعني الأقلية الاستراتيجية لتونس أن البلدان الأجنبية لديها أسباب أقل للتدخل. ولكن قرب مصر من إسرائيل والأراضي الفلسطينية، بالإضافة إلى معاهدة السلام 1979 مع إسرائيل ودور مصر كوسيط بين إسرائيل وحماس يجعل من التطورات السياسية التي تحدث داخلها أمرا مهما بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة. وبالتالي، فإن مصر معرضة للتدخلات الأجنبية خاصة لتعزيز جيشها. بالإضافة إلى كونه إحدى ركائز النظام السلطوي في مصر، للجيش المصري قوة اقتصادية مهمة حيث إنه يقدم ما نسبته 10 إلى 30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لمصر.
ومن جهة أخرى، كان القطاع القضائي في مصر، الذي يعد أقوى من نظيره التونسي يعرقل العملية الديمقراطية في بعض الأحيان. ففي ظل تقاليد الاستقلال والليبرالية – التي تجلت في حل المحكمة الدستورية العليا لبرلمانين مواليين لنظام مبارك في الثمانينات – اتخذت المحكمة المصرية وضعا مركزيا في التحول وكان تدخلها حاسما ومربكا. فعلى سبيل المثال، حكمت المحكمة الدستورية العليا المصرية خلال العام الماضي بأن البرلمان الذي يهيمن عليه الإسلاميون واللجنة الدستورية المنتخبة غير دستوريين لأن الأحزاب الإسلامية تنافست على مقاعد كانت مخصصة للمرشحين المستقلين، وهو القرار الذي أصاب البلاد بالشلل ودفع بالقطاع التنفيذي لاتخاذ إجراءات متشددة. وفي أعقاب الانتخابات الرئاسية ولتجنب حكم مشابه، منح الرئيس مرسي الحصانة للجنة التأسيسية ولقراراته الخاصة. وهو ما أثار الموجة الأكثر خطورة من الاحتجاجات منذ الانتخابات الرئاسية في يونيو (حزيران) 2012.
..وفوضى في مصر
كما يساهم غياب الاتحادات العمالية الفعالة أيضا في المشهد الفوضوي في مصر. فقد كانت الاتحادات العمالية تحت سيطرة الدولة لنحو 60 عاما، حتى منح مبارك بعد تردد العمال الحق في تنظيم أنفسهم قبل عدة أشهر من خلعه. وعندما وصل الربيع العربي مصر، كان العمال ما زالوا غير منظمين ولم يكن لديهم سوى القليل من الوقت لكي يتخذوا القرارات المتعلقة بشأن أطر الوحدة. ومن ثم، أضافت النزاعات العمالية العشوائية إلى المشهد الفوضوي وساهمت في التراجع الاقتصادي.
وقد تأثرت الديمقراطية المصرية بعدم قدرة المؤسسات على تلبية احتياجات المواطنين والرغبة في وجود أطراف فاعلة تستطيع التدخل ليس من خلال التقسيم بين الإسلاميين والعلمانيين. وقد أخفقت المؤسسات في مصر في توفير إطار ناجع للجدل. ومن ثم، تزيد قوة المعارضة العنيفة في الشارع والشيوخ المتطرفين. وفي الوقت نفسه، يفقد تحالف المعارضة (جبهة الإنقاذ الوطني) واقعيته. حيث ليس لدى الأطراف المتصارعة الوسائل التي يمكن من خلالها أن يعالجوا الوضع المتدهور وهو ما يعرقل الحكومة إلى حد أن المصريين يمكنهم التسامح مع عودة نظام سلطوي مثل الجيش، وهو ما لا يمكن طرحه في تونس.
فعلى الرغم من أن المؤسسات في تونس بطيئة وغير حاسمة، فإنها ما زالت تقدم صمام أمان ضد التصعيد الخطير ولكن مستقبل تونس غير مؤكد أيضا. كما أن السخط من عملية التحول من المرجح أن يزيد من تدهور الأوضاع الاقتصادية وإخفاق الحكومة الجديدة في توفير الوظائف والاحتياجات الأخرى للفقراء. فقد أعرب نحو نصف المشاركين التوانسة عن سخطهم من الحكومة فيما أبدى 28 في المائة منهم رضا عنها. وربما تضعف المشكلات الاقتصادية في تونس الالتزام الشائع تجاه الديمقراطية ولكن دون جيش قوي من المستبعد أن تستولي حكومة سلطوية على السلطة.
وما زالت لجنة صياغة الدستور في تونس تقدم إطارا للتوازن والتشريع وصناعة القرار. ففي رد فعل على الأزمة التي خلقها اغتيال بلعيد، اتخذ رئيس الوزراء التونسي قرارا ضد إرادة حزبه الإسلامي (النهضة) بالدعوة لتشكيل حكومة من التكنوقراط تؤيدها أحزاب المعارضة والاتحادات العمالية القوية. وتظهر هذه الخطوة فعالية المؤسسات في حل الأزمات.
وإذا ما نظرنا نظرة فاحصة للتوجهات العامة نجد أن الدمقرطة في العالم العربي أكثر تعقيدا مما يتم تصويره، فهناك عقبات على الطريق، ولكن لا يمكن اختزالها إلى صراع بين العلمانيين والإسلاميين بشأن إقامة دولة ديمقراطية أو غير ديمقراطية. إن أسس الديمقراطية والتي يجب أن تؤيدها الولايات المتحدة والقوى الخارجية هي المؤسسات، سيادة القانون، النمو الاقتصادي، والقيود على الأطراف غير الديمقراطية، حيث إن ما يفرق بين تونس ومصر ليس هو هيمنة المعتدلين في تونس في مقابل هيمنة المصريين الراديكاليين ولكن الخلاف يتعلق أساسا بالإمكانات المؤسسية.
فالمؤسسات التمثيلية الفعالة أكثر تطورا في تونس، حيث إن المؤسسات التاريخية التي تعتمد عليها السلطة مثل الجيش والقضاء أكثر فعالية مما في مصر. والخلاصة إذن هي ضرورة تقليل التركيز على الانقسام الإسلامي العلماني وإيلاء المزيد من الاهتمام إلى النمو الاقتصادي وتعزيز المؤسسات. و يجب على السياسة الأميركية أن تؤيد المؤسسات بدلا من أطراف العملية السياسية وأن تركز على العمليات وليس النتائج لكي تتمكن من مساعدة مصر وتونس على تحقيق طموحاتهما الديمقراطية.
كتاب المقال:
لندساي بنستيد: أستاذ مساعد في كلية مارك أوهاتفيلد للحوكمة في جامعة ولاية بورتلاند.
إلين لاست: أستاذ بقسم العلوم السياسية بجامعة ييل وهي حاليا زميل بمعهد ستراوس للدراسات المتقدمة للقانون والعدالة بكلية القانون بجامعة نيويورك.
ظافر مالوش: أستاذ بالكلية العليا للإحصاء وتحليل المعلومات.
جمال سلطان: أستاذ بقسم العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في القاهرة.
جيكوب ويشمان: مؤسس شركة «جي إم دابليو» للاستشارات.
** فورن أفيرز – خاص ب"المجلة"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.