الصدفة وحدها هي التي جعلت زيارة الطبيبة الفرنسية الشهيرة فرنسواز باري سينوسي، مكتشفة فيروز الايدز الى تونس هذه الايام تترافق مع عملية ارهابية جديدة سقط خلالها أربعة شهداء تونسيين. تزور الحائزة على جائزة نوبل للطب تونس لتلقي محاضرة حول اخر اكتشافات الادوية المضادة لمرض الايدز. انقذ اكتشاف الطبيبة الفرنسية "الكافرة" في عرف التكفيريين الملايين من البشر في انحاء عدة من العالم فيما يقومون هم المؤمنين الاتقياء الخاشعين الملتحين بمهمة الفيروس القاتل في زهق أرواح جديدة من البشر. مفارقة عجيبة ان تمنح فرنسية علمانية لا تنتمي الى أمة محمد بن عبد الله الحياة الى الانسانية وتنقذ حياة الملايين عبر تمهيد الطريق لاكتشاف المضاد الحيوي من الادوية للفيروس الايدز فيما يقوم انصار داعش في تونس ( الدولة الاسلامية) بصناعة الموت عن طريق ذبح الجنود في الشعانبي وتشويه وجوه أمن تونسيين بالرصاص الحي في بلاريجيا وفعل التفخيخ في سوسة. فرنسواز باري العلمانية تهب الحياة للمرضى المتعبين وتعيد لهم الامل والمؤمنين بعقيدة الجهاد والتوحيد يذبحون خلق الله ويتقتلونهم في الطرقات في تونس والمساجد بالتفجيرات في العراق وعلى اسرة المستشفيات في اليمن. يحق لنا أمام مثل فضاعات رافعي راية العقاب ان نطرح السؤال على كهنة السلفية: أيهما اقرب الى الاسلام، الفرنسية العلمانية فرنسواز باري سينوسي أم خميس الماجري ومن لف لفه من دعاة الكراهية الذين يجدون في بعض وسائل اعلامنا التجارية منابر لبث أحقادهم وعشقهم للموت والدماء؟! نحن أمام طرحين مختلفين ورؤيتين مختلفتين للحياة والعالم ليس هنا مجالها. فلسفة حق الانسان في الوجود ورؤية عقدية لفعل القتل ونصوص ورثناها لم تمحص ولم تراجع منذ قرون لا تؤدي في غالبها الا لفعل الرفض ومن ثم الاقصاء ووصول الى القصاص والقتل والذبح بحد السيف. من هنا تبدأ عملية الحرب على الارهاب: في تفكيك ونقد النص الديني المؤدي الى التكفير وزهق الارواح. في كلمات قليلة أجداد فرنسواز باري.. مروا من هنا.. من فعل القتل وتطبيق نصوص محاكم التفتيش والحروب الدينية الى القطعية مع الفكر الخرافي وصولا الى فلسفة التنوير والاكتشافات العلمية. يبدوا أننا عندما نستمع الى فرنسواز باري وهي تحاضر لنا في تونس عن اسرار اكتشافها لفيروس الايدز ان طريقنا للتخلص من جراثيمنا (على رأي الرئيس المرزوقي) طويل .. طويل.