باستثناء هتاف "اثبت اثبت يا بطل .. سجنك بيحرر وطن" الذي ردده الرئيس المعزول محمد مرسي مع باقي المتهمين اليوم في بداية الجلسة الثانية من قضية "التخابر"، فإن هذه الجلسة لم تشهد أي حديث لمرسي، حتى أنه رفض الإجابة "بالإيجاب" عند قيام القاضي بإثبات حضور المتهمين في بداية الجلسة. وجاءت هذه "الجلسة الصامتة" لمرسي بعد جلسة السبت في قضية "اقتحام السجون"، والتي تحدث فيها كثيرا " 15 دقيقة تقريبا " وهو أطول حديث له خلال محاكماته، غير أن هذا الصمت غير المعتاد بالنسبة لمرسي تباينت تفسيراته بين مسئولية القاضي عن ذلك وفقا لرأي أغلبية الحضور، واصابته بالإرهاق بسبب تواتر الجلسات، وفقا لرأي البعض. وبدأت الجلسة التي استمرت 80 دقيقة في الساعة الحادية عشر و45 دقيقة (09.45 تغ)، وكانت الأجواء مع بدايتها تشير إلى أن أزمة المحامين الذين انتدبتهم المحكمة للدفاع عن المتهمين ستكون هي محور الجلسة. وبعد أن افتتح القاضي شعبان الشامي رئيس هيئة المحكمة الجلسة، ودخل المتهمون إلى القفص على هتافهم المعتاد "اثبت اثبت يا بطل.. سجنك بيحرر وطن"، يأتي صوت أحمد عبد العاطي سكرتير الرئيس المعزول محمد مرسي من داخل القفص الزجاجي موجها حديثه للقاضي:" المحامون اللي موجودين مش بتعونا (ليسوا موكلين منا) "، ويتصاعد احتجاج باقي المتهمين من داخل القفص الزجاجي مرددين نفس الكلام، ليقوم القاضي بإغلاق دائرة الصوت حتى يتمكن من إثبات حضور المتهمين. بدأ القاضي في إثبات حضور المتهمين، ورفض بعضهم الرد على القاضي ومنهم مرسي وأجاب البعض الآخر، مع عبارة ذيل بها رده على القاضي وهي أنه يريد الحديث وله طلبات، ويرد القاضي: سأسمح لكم بالحديث ولكن بعد اكمال الاجراءات الشكلية للجلسة. وطلب القاضي بعد إثبات حضور المتهمين من النيابة تلاوة لائحة الاتهام الطويلة، التي استغرق تلاوتها ما يقرب من 15 دقيقة، يصفق بعدها المتهمون بشكل ساخر اعتراضا على ما جاء بها، ويسألهم القاضي عن ردهم على ما جاء بها فيهتفون : " باطل " "باطل"، ويصيح محمد البلتاجي، القيادي بجماعة الإخوان "يجب محاكمة وكيل النيابة والنائب العام على لائحة الاتهام هذه". ويتصاعد احتجاج المتهمين اعتراضا على لائحة الاتهام ، فيغلق القاضي دائرة الصوت حتى يتمكن من تنفذ باقي إجراءات القضية وهي إثبات حضور المحامين. ويخرج القاضي من بين الأوراق الموجودة أمامه ورقة تحمل أسماء المحامين المنتدبين من نقابة المحامين للدفاع عن المتهمين وعددهم 10محامين، ويبدأ في استدعائهم لسماع طلباتهم، ويتدخل 4 محامين هم "بهاء عبد الرحمن" و"محمد أبو ليلة" و"حسين عبد السلام" و"نصري ماركو" ، ليقولوا للقاضي أن حضورهم كمحامين موكلين عن المتهمين، يلغي حضور المحامين المنتدبين من النقابة. ويشعر القاضي حينها أنه ربما تكون هذا الأمر مدبرا لمحاولة تعطيل سير القضية، فينفعل قائلا :" انتم تراوغون.. تنسحبوا من الجلسة الماضية وانتدب محامين بناء على ذلك، ويأتي بعضكم اليوم ليقول أنه موكلا عن المتهمين". وقال بهاء عبد الرحمن خلال الجلسة أنه موكلا عن 4، هم عصام الحداد مساعد مرسي للشئون الخارجية ونجله جهاد الحداد وعصام العريان القيادي بجماعة الإخوان المسلمين والصحفي إبراهيم الدراوي، أما أبو ليلة فطلب إثبات حضوره عن جميع المتهمين، فيما قال عبد السلام وماركو أنهما موكلان عن أيمن علي مستشار مرسي لشئون المصريين بالخارج. ويدخل محامون من المنتدبين في حوارات مع الموكلين، مؤكدين قانونية وجودهم بعد انسحاب الموكلين في الجلسة الأولى. وانسحبت هيئة الدفاع عن المتهمين في الجلسة الأولى من قضية التخابر، اعتراضا على وجود القفص الزجاجي الذي يخالف الاجراءات القانونية، ورهنوا عودتهم للجلسات بإزالة القفص الزجاجي، وهو ما دعى المحكمة لانتداب محامين من النقابة. ويتدخل المحامي نصري ماركو في محاولة لفض الاشتباك، قائلا: "المتهم صاحب الحق الأصيل في توكيل المحامي، فليسأل القاضي المتهمون، وهم يقررون". لم يستجب القاضي لهذا الاقتراح وواصل اثبات حضور المحامين المنتدبين، وهنا يتدخل المحامي محمد أبو ليلة، موجها حديثة للقاضي: "نحن هنا لنتحدث بالقانون، وما يحدث هنا غير قانوني ". وواصل حديثه قائلا: " وفقا للقانون لا يجوز للمحكمة أن تعتمد محامي منتدب وتترك محامي موكل من المتهمين". ثم واصل حديثه مفجرا مفاجأة بطلب "رد المحكمة"، وهو ثاني طلب يتقدم به نفس المحامي، الذي سبق ورد نفس هيئة المحكمة أمس السبت في قضية اقتحام السجون. ووفقا للإجراءات القانونية المتبعة يتعين على رئيس المحكمة وقف نظر سير القضية لحين الفصل في طلب الرد، غير أن القاضي وبعد أن أنهى أبو ليلة حديثه واصل إثبات حضور المحامين المنتدبين والاستماع لهم واحدا تلو الآخر. بعض ما جاء على لسان هؤلاء المحامون المنتدبون بدا غريبا، فقد أثنى أحدهم على القفص الزجاجي ودافع عنه دفاعا مستميتا قائلا أنه يوجد في أغلب دول العالم، ويرد المتهمون ب "التصفيق " ساخرين من حديثه، ويشير البلتاجي بيديه إلى رقبته، في إشارة منه إلى أن هذا المحامي لو استمر معهم سيسلمهم إلى حبل المشنقة، لتضج القاعة بالضحك. أحدهم على النقيض بدا متحاملا على فكرة وجود القفص الزجاجي، وقال أنه "سبب الفتنة في المجتمع وجعل العالم يضحك علينا وشمت فينا الأعداء ". وقال إن مرسي لا يزال هو الرئيس الشرعي للبلاد، ويجب محاكمته بمحاكمة خاصة، غير أن القاضي اعتبر ما يقوله حديثا في السياسة، وقال له: " انت هنا لتتحدث في القانون وليس السياسة"، فيرد المحامي أن كلامه قانوني، لكن القاضي يصر على أنه حديث في السياسة. وطلبت إحدى المحاميات المنتدبات الكلمة، لتقول حديثا على ما يبدو أنه أعجب القاضي، ليؤكد على سكرتير الجلسة إثباته. قالت المحامية: " حضور الدفاع ثم انسحابه، يعطل سير القضية، لذلك فإن المحامين المنتدبين سيتواجدون في كل جلسة إلى جانب المحامين الموكلين، بحيث إذا انسحب المحامي الموكل يحل المنتدب بديلا عنه". كانت هذه المحامية هي آخر من استمع إليه القاضي من المحامين، ليطرق المتهمون بعدها على الأقفاص الحديدية للفت الانتباه إلى رغبتهم في الحديث، فيقول القاضي أنه سيبدأ بالاستماع إلى محمد البلتاجي، وهنا يسمع صوت عصام العريان قائلا : " أنا طلبت الحديث قبله " ، فتضج القاعة بالضحك. وقبل أن يشرع البلتاجي في الحديث يسأله القاضي: " هل أنت موافق على الطلب الذي تقدم به محاميك لطلب رد المحكمة؟". فيرد البلتاجي: "سأتحدث أولا ثم أجيب". يقول القاضي :" أجب على السؤال أولا وسأترك لك فرصة للحديث ". يقول البلتاجي: " نعم موافق ولكن لي أسبابي التي ينبغي أن تسمعها وهي أنك من اليوم الأول لمثولنا أمامك تتخذ موقفا منا بدليل أنك وبدلا من أن تأمر بإزالة القفص الزجاجي، دخلت في أول جلسة نمثل فيها أمامك إلى داخله لتقوم بمعاينته ، وهذا يعني أن لك موقف مسبق". ويرد القاضي: " تتهمني بدلا من أن تشكرني على رغبتي في التأكد من سلامة القفص". وينطق القاضي بعدها مباشرة قراره بتأجيل القضية لجلسة 27 فيفري / شباط 2014، لحين الفصل في طلب رد المحكمة، دون أن يستمع لباقي المتهمين، لتصبح هذه الجلسة من المرات القلائل التي يغيب فيها صوت مرسي. وتباينت تحليلات الحضور حول أسباب ذلك، فرأى البعض أن الحيلة التي نفذها القاضي ساعدت في ذلك، عندما انتزع الموافقة من البلتاجي على طلب الرد قبل أن يتحدث المتهمون، ومن ثم يتعين عليه رفع الجلسة لحين الفصل في الطلب، وبين من يرى أن مرسي لم يكن في الجلسات الماضية ينتظر اذنا بالحديث، وكان صوته حاضرا بشكل دائم في الجلسة، وربما يعاني من الارهاق بسبب تواتر الجلسات، حيث مثل أمس أمام نفس هيئة المحكمة في قضية اقتحام السجون وتحدث كثيرا خلال هذه الجلسة.