نبتة "الحلْفاء" أو "الورقة النبيلة"، كما يفضل البعض أن يصفها، تمثل موردًا لرزق قطاع كبير من التونسيين؛ فهي مادة أولية، تحولها أيادي الحرفيين والفنيين إلى منتجات عديدة. وتدخل الحلفاء في العديد من الصناعات الإلكترونية، وأوراق السجائر وصناعة النسيج، وكثير من المنتجات الفنية، كما يجرى البحث في جدوى الاستفادة منها في تصنيع الأعضاء البشرية الاصطناعية. وتنتشر نبتة "الحلفاء" في جبال وهضاب الوسط الغربي التونسي الذى يشمل محافظاتالقصرين وسيدي بوزيد وقفصة والقيروان، على مساحة تمتد لأكثر من 350 ألف هكتار (الهكتار = 10 آلاف متر مربع)، منها أكثر من 180 ألف هكتار بمحافظة القصرين وحدها، والتي تمثل حوالي 25 % من مساحة الأراضي الزراعية بهذه المحافظة. ويبدأ موسم قلع (حصد) هذه النبته مع فصل الخريف، وينتهي مع فصل الشتاء، حيث يتم تسليم الكميات المقتلعة إلى مراكز تجميع، أنشأتها الشركة الوطنية لعجين الحلفاء والورق (حكومية)، إلا أن زارعي الحلفاء يواصلون نشاطهم إلى نهاية الربيع لاستخدامهم النبتة كعلف للدواب. شهلة قدواري، واحدة من النساء اللاتي يعملن بقلع الحلفاء، تبدو يداها وقد غطتهما الشقوق جراء ذلك، قالت للأناضول "نجمع الحلفاء منذ الصباح الباكر، وننقلها على ظهور الدواب أو على عربات تجرها الدواب إلى المناشر (مراكز تجميع الحلفاء)، حيث تتم عملية الوزْن هناك". وتهيّئ الشركة الوطنية لعجين الحلفاء والورق، حسب موقعها الإلكتروني، حوالي 75 مركزا لتجميعها في منطقة الوسط الغربي، حيث يتم وزن النبتة، ومنح المشاركين في عملية القلع مقابل عملهم، ثم تبدأ عملية "الكبس" تمهيدا لنقلها كى تدخل مرحلة التصنيع. وفي هذا الإطار، قال محمد خزري، الذى يعمل حارسًا لأحد مناشر الحلفاء "ثمن القنطار الواحد من نبتة الحلفاء 15 دينارًا (حوالي 10 دولارات)، وقد تتمكن العائلة الواحدة من تحصيل أكثر من 45 دينارًا يوميا (حوالي 28 دولارًا)؛ جراء العمل في مهنة قلع الحلفاء". وبعد عمليات القلع والكبس، يتم نقل الحلفاء في مرحلة ثالثة إلى مقر الشركة الوطنية التي تحتل مساحة كبيرة وسط مدينة القصرين، وتتحول النبتة إلى مادة أولية أساسية لأبرز قطب صناعي (مصنع كبير يشغل أكثر من 1000 عامل) تونسي في المدينة. الشركة الوطنية لعجين الحلفاء، هي منشأة عمومية تأسست عام 1980 كإدماج للشركة الوطنية التونسية للسيليلوز (كلمة فرنسية تعني عجين الحلفاء) التي أنشئت عام 1956 مع الشركة التونسية لورق الحلفاء التي تأسست عام 1968 لصناعة ورق الطباعة والكتابة، ويعمل بالشركة حوالي 1000 عامل. وتنشط الشركة في تجميع الحلفاء، وتقدّر الكمّية التي تجمعها سنويا ب 40 ألف طن، كما تنتج 12 ألف طن من عجين الحلفاء تخصّص كلّيًا للتصدير نحو بلدان آسيا وأوروبا والولايات المتحدة. وتنتج الشركة أيضًا أكثر من 25 ألف طن من ورق الطباعة والكتابة، إضافة إلى المواد الكيميائية كالصودا والكلور، بحسب الموقع الرسمي للشركة. لكن يبدو أن هناك ما يهدد هذه الصناعة التونسية العريقة، حيث يقول أحد مسئولي الشركة والذي رفض الإفصاح عن اسمه، إن "الإنتاجية تراجعت، ولم تعد تتجاوز 3 آلاف طن، كما تراجع الطلب العالمي على مادة عجين الحلفاء، وخسرت الشركة أسواقًا تقليدية مثل أوروبا وأمريكا، ويقتصر التصدير على الأسواق الآسيوية، حيث تتولى عملية التصدير شركة إسبانية، تقوم بدور الوسيط". وبحسب المسؤول، تعاني الشركة من صعوبات مالية قد تؤثر على قدرتها على مواصلة النشاط، لذا بدأت وزارة الصناعة "خطة لإنقاذ الشركة حتى لا تصبح الحلفاء ثروة مهدرة"، حسب وصفه. وحول استخدامات عجين الحلفاء، قال المسؤول إن "شركات صناعات الطائرات أجرت تجارب لتعويض الألياف الكربونية الداخلة في هذه الصناعة بالألياف المستخرجة من عجين الحلفاء، إضافة إلى اعتماد العجين في تصنيع الأعضاء الاصطناعية". وبعيدًا عن الشركة الوطنية، تطوِّع أيادي الحرفيين ألياف الحلفاء الخشنة في القصرين، لتنتج منتجات متنوعة هي أقرب إلى اللوحات الفنية، ويمثل مشروع "زازية" للصناعات التقليدية (الاسم نسبة إلى الجازية الهلالية، وهي إحدى النساء الشهيرات في الأساطير التونسية)، أبرز مثال على ذلك. وقال سفيان الخليفي، المسؤول الإداري بالمشروع، للأناضول "أقمنا ثلاث ورشات، واحدة بالقصرين، وأخري بحيدرة، وثالثة بفوسانة، ونشغل حوالي 50 فتاة، إضافة إلى مصمم لتطوير المنتجات التي تستعمل فيها الحلفاء". وأضاف "لقد تمكنا من المشاركة بمنتجاتنا في باريس وميلانو والسويد وحتى في اليابان، وأدخلنا الحلفاء في صناعة الأثاث، وفي منتجات مخصصة للديكور، وطورنا الصناعة للمزج بين الحلفاء وحرف أخرى مثل النسيج". والتقى مشروع "زازية" مع رغبة شديدة لدى عدد من الحرفيات اللاتي أسسن جمعية "الشعانبي" للصناعات التقليدية، ونشطن في إقامة الدورات التدريبية في الصناعات المتعلقة بالحلفاء. ولعل كل هذه التطبيقات في عديد من المجالات دفع كلاً من السيدة وحيدة السعدي ونجلاء الزرقي وغيرهما من المهتمات باستعمال الحلفاء لأن يطرحن أفكارا لتطوير هذه الحرفة، مثل إنشاء القرية الحرفية، فهن متيقنات، بحسب قولهن "من المردودية الاقتصادية والاجتماعية لهذا النشاط الحرفي".