ينعقد يومي 19و 20 افريل الجاري المؤتمر الثالث للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين بحضور اكثر من الف صحافي.و يتقدم للمؤتمر 25 مترشحا سيتشكل اغلبهم في قائمتين متنافستين يقود الاولى النقيب السابق ناجي البغوري وتتصدر الثانية عضوة المكتب التنفيذي الحالي سيدة الهمامي. ويشدد اغلب الملاحظين للشأن الاعلامي ببلادنا على ان هذا المؤتمر بمثابة مؤتمر تأسيسي بعد عقود من سيطرة السلطة على النقابة اختتمتها بانقلاب على النقابة الشرعية في أوت 2009 ، في حين لم يكن مؤتمر جوان 2011 سوى استرجاع للشرعية لم تمكنه نشوة الانتصارات الاولى للثورة التونسية من طرح عدد من الإشكاليات التي تفرضها تلك اللحظة التاريخية على عموم الصحافيين وعلى المهنة أساسا، وان تم طرح عدد اخر منها فقد كان بشكل مستعجل لم يراع حدود تطبيقاتها. وبعد اقل من ثلاث سنوات على المؤتمر الاخير وفي سياق سياسي مغاير نسبيا وبعد تصدر الوضع الاعلامي عدد هام من الفعاليات الوطنية من المنتظر ان يدخل الصحافيون مؤتمرهم بأكثر فهما وتمثلا لمستقبل اطارهم وتحديات مهنتهم، ومن المنتظر ان يطرحوا جملة من الملفات المصيرية. اولها اعادة صياغة موقع الصحافي في المجتمع: فعلى الرغم من انه في فترات الانتقال الديمقراطي تتقدم مهنة الصحافة من كونها سلطة رابعة الى فاعل محوري في تشكيل الرأي العام وصياغة منوال مجتمعي كامل، علاوة على ادوار الخدمة الاجتماعية في مجال الأخبار والرقابة، فان صورة الصحافي التونسي ظلت تراوح مكانها طيلة عقود حيث كشفت التقارير الدورية التي يصدرها مركز تونس لحرية الصحافة ان الاعلاميين هم أكثر تعرضا للاعتداءات من باقي الفئات الناشطة والعاملة في مجالات حرية التعبير حيث كانت السنوات الثلاث الماضية بمثابة الجحيم الذي مازال يتصيدهم نتيجة حملات سلطوية وسياسية وشعبية حولتهم في بعض الأوساط الى موقع للتندر والسخرية. غير ان هذا التحدي ما هو الا احد إفرازات القاعدة الاقتصادية لمهنة الصحافي التونسي حيث مازالت أجوره هي الأدنى عربيا ودوليا، عرضة للتشغيل الهش والطرد اضافة الى عطالة العشرات من المتخرجين من معهد الصحافة. ويساهم تواضع موقع الصحافي في المؤسسات التي يشتغل فيها في تشكيل هذه الصورة في ظل تغييبهم في مجالس ادارتها وتعطيل هيئات التحرير وعدم نضج فكرة امتلاك الاعلاميين لنسب من اسهم المؤسسات المصادرة او المهددة بالإفلاس. وثانيها اعادة طرح موضوع اتحاد الصحافيين التونسين : فبالرغم من إصدار لائحة في الصدد في اخر مؤتمر، وتأكيد المكتب التنفيذي الحالي على تمسكه بالمشروع لكونه حاميا للمهنة واستقلاليتها، فانه يبدو ان لجنة التفكير التي تم بعثها لمعالجة الموضوع لم تبد تحمسها للامر على الأقل في الظرف الراهن مخافة الوقوع في فخاخ "الشعبوية و الإرادية"0ويبدو ان أكثرية القاعدة الصحفية مصرة على اعادة طرح المشروع للتصويت، وفي صورة الموافقة المنتظرة عليه فان المكتب التنفيذي القادم مطالب بكثير من الجهد في صياغة نص المشروع وتفصيله ومناقشته مع عموم الصحافيين بما يتطلبه من تنظيم ورشات عمل في اغلب الجهات وتشريك اكثر ما يمكن من الكفاءات والمهارات وتحديد سقف زمني لبعث الاتحاد. وثالثها مأسسة النقابة: لقد اكدت سنوات ما بعد الثورة ان النقابة لن تستطيع التقدم دون عصرنة ادارتها و تجذير الممارسة الديمقراطية داخلها،ففي ظل محدودية الموارد المالية وعدم تفرغ أعضاء المكتب التنفيذي او بعضهم و بعض التشوش في توزيع المهام مع العدد المحدود من الاداريين لم تكن لحماسة قيادة النقابة ان تنقلها الى مؤسسة عصرية تبنى استراتيجيتها بكل عمق وتوجد آليات تنفيذها الضرورية بالمقاييس المهنية المفترضة ، وقربها الى منظمة مجتمع مدني تسعى للحفاظ على وجودها اكثر مما تعمل على فرض ذاتها كرقم أساسي في المعادلة المجتمعية ببلادنا، وقد ساهم هذا الوضع في تواضع التواصل داخل الهيئات القيادية و ضعف مشاركة القاعدة الصحفية في صياغة المهام المطروحة بالتلازم مع ضعف الثقافة الديمقراطية نتيجة سنوات الحصار وتعطلات المسار الانتقالي ببلادنا. ورابعها مراجعة العلاقة مع الفضاء المهني والمجتمعي: لم يخذل الصحافيون طيلة السنوات الثلاث الماضية آمال التونسيين في الانحياز لقضايا الحرية والعدالة الاجتماعية والتنسيق مع كل القوى المتطلعة لإنجاح المسار الانتقالي و أبدوا مواقف متقدمة في هذا المجال عكس موقع النقابة في مجتمع لم تخفت فيه شعارات الثورة الرئيسية الا ان ذلك لم يخول لها احتلال موقعها ضمن هيئات مشابهة في رعاية الحوار الوطني و أفقد الصحافيين فضاء لتدعيم موقعهم في المجتمع.غير انه ولأسباب موضوعية وذاتية لم يكن الاداء في علاقة بالأطراف المتدخلة في القطاع و ببعض الملفات المطروحة بالنصاعة نفسها حيث ظهر بعض التردد في التعاطي مع بعض الهيئات الشريكة كالنقابة العامة للثقافة والإعلام ، وجمعية الصحافيين الشبان، ومركز تونس لحرية الصحافة وأطر أرباب المؤسسات الاعلامية، كما ظهر ضمور و ضعف الحماسة في التعاطي مع الهايكا و مشروع المجلس الأعلى للصحافة والائتلاف المدني للدفاع عن حرية التعبير.مع ضرورة التاكيد على ان النقابة تتقاسم مسؤولية هذه الهنات مع بقية الأطراف الشريكة. وخامسها تحديد السبل في التعاطي مع تحديات الأخلاق الصحفية: ان أولويات اي نقابة صحفية في الدفاع عن المصالح المهنية والأدبية لمنظوريها لا تعفيها من مساءلة أدوارها في حماية اخلاقيات المهنة و معالجة القضايا المستجدة التي تطرح امام تغطية الاحداث المستجدة، وان كانت آلية التقرير السنوي لرصد انتهاكات الأخلاقيات الصحفية مهمة في هذا الإطار غير ان التدريب والتكوين يبقى عملا اساسا للنقابات الصحفية الحديثة على اعتبار انها الطرف الأقرب للإعلاميين والأكثر معرفة بحاجياتهم خاصة مع التحديات التي يطرحها الإرهاب والاستحقاقات الانتخابية و تطور تكنولوجيا الاتصال. وأخيرا بناء استراتيجية للتفاوض: لم تبد طيلة السنوات الماضية لا رئاسة الحكومة ولا الأعراف تجاوبا مع مبادرات النقابة و مقترحاتها في جملة من الملفات بل سادت في اغلب الفترات علاقة عدائية في إطار سياسة اقصائية كانت على حساب عموم الصحافيين، غير ان ذلك لا يخفي غياب رؤية استراتيجية في التعاطي مع مفهوم التفاوض بما يعنيه من توفير الكوادر القانونية اللازمة ودراسة الملفات وترتيبها وتنظيمها و تحديد الأولويات في طرحها واقتناص اللحظة السياسية الملائمة لفرض بعضها بما يتوجبه ذلك ايضا من صياغة السياسة الاعلامية الضرورية في التعاطي مع ملف التفاوض. ان مجمل هذه الملفات الحارقة ستبدو حاضرة بالتاكيد في أذهان المواكبين لمؤتمر النقابة القادم أين سيتطلب منهم الامر تركيزا شديدا لصياغة مقترحات وتوصيات دقيقة حولها، غير انه لا يمكن إنكار امكانية الانصراف عن بعضها والسقوط في بعض المجادلات الانتخابوية الصرفة و المساءلات العدمية لأداء المكتب السابق و المزايدة اللفظية ببعض الإنجازات او النقائص . ان مساءلة المكتب التنفيذي السابق ضرورية ومهمة في سبيل إرساء ذهنية المحاسبة و التراكم والتواصل، لكن ان يحصل ذلك بعيدا عن أولويات تصليب عود النقابة و صياغة الاستراتيجيات الضرورية للتعاطي مع التحديات الحقيقية للمهنة و العاملين فيها، فإننا لن نفعل غير تكرار ممارسات قديمة وسلبية تصاغ عادة بألفاظ حادة وسبابية تزيد في فرقة الصف الاعلامي.