عمال بشركة منتصبة بصحراء تطاوين يحتجون ويطالبون بإلغاء المناولة    سليانة: إستئناف أشغال مركز الصحة الأساسية بمنطقة المقاربة بسليانة الجنوبية    زلزال بقوة 6.2 درجات يضرب هذه المنطقة..    مفزع: استشهاد أكثر من 100 صحفي خلال ستة أشهر في قطاع غزة..    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الثلاثاء 23 أفريل 2024    محمد الكوكي: هدفنا هو التأهل للمشاركة إفريقيا مع نهاية الموسم الحالي (فيديو)    غدًا طقس شتوي 100% مع أمطار غزيرة ب6 ولايات    فظيع/ جريمة قتل تلميذ على يد زميله: تفاصيل ومعطيات صادمة..    سوسة: تعرض شاب لصعقة كهربائية أثناء تسلقه عمود كهربائي ذو ضغط عالي..    عاجل/ تحذير من بيض رخيص قد يحمل فيروس أنفلونزا الطيور..    بطولة ايطاليا : بولونيا يفوز على روما 3-1    اقتطاعات بالجملة من جرايات المتقاعدين...ماذا يحدث؟..    مترشحة للرئاسة تطرح استفتاء للشعب حول تعدد الزوجات في تونس..#خبر_عاجل    لأول مرة: التكنولوجيا التونسية تفتتح جناحا بمعرض "هانوفر" الدولي بألمانيا    الإطاحة ب 9 مروجين إثر مداهمات في سوسة    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس..    رغم منعه من السفر : مبروك كرشيد يغادر تونس!    عاجل : وفيات في سقوط طائرتي هليكوبتر للبحرية الماليزية    طقس اليوم: أمطار في هذه المناطق وانخفاض في درجات الحرارة    مدنين: حجز 4700 حبة دواء مخدر وسط الكثبان الرملية    جمعية منتجي بيض الاستهلاك تحذّر من بيض مهرّب قد يحمل انفلونزا الطيور    مهرجان هوليوود للفيلم العربي: الفيلم التونسي 'إلى ابني' لظافر العابدين يتوج بجائزتين    نقل مغني فرنسي شهير إلى المستشفى بعد إصابته بطلق ناري    الأمم المتحدة: آسيا أكثر مناطق العالم تضرراً من كوارث المناخ ب2023    اتحاد الشغل بجبنيانة والعامرة يهدد بالإضراب العام    حادثة سقوط السور في القيروان: هذا ما قرره القضاء في حق المقاول والمهندس    أراوخو يكشف عن آخر تطورات أزمته مع غوندوغان    البطولة الأفريقية للأندية الحائزة على الكأس في كرة اليد.. الترجي يفوز على شبيبة الأبيار الجزائري    الجزائر.. القضاء على إره.ابي واسترجاع سلاح من نوع "كلاشنكوف"    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    البنك التونسي السعودي ... الترفيع في رأس المال ب100 مليون دينار    في اختتام المهرجان الدولي «إيتيكات» بسوسة.. شعراء وفنانون عرب بصوت واحد: «صامدون حتى النصر»    هذه أبرز مخرجات الاجتماع التشاوري الأول بين رؤساء تونس والجزائر وليبيا    مذكّرات سياسي في «الشروق» (1)...وزير الخارجية الأسبق الحبيب بن يحيى... يتكلّم .. الخارجية التونسية... لا شرقية ولا غربية    المنستير.. الاحتفاظ بمدير مدرسة إعدادية وفتح بحث ضده بشبهة التحرش الجنسي    الإعلان عن تأسيس المجمع المهني للصناعة السينمائية لمنظمة الأعراف "كونكت"    بوعرقوب: القبض على 4 أشخاص كانوا بصدد سرقة أسلاك نحاسية خاصة بشركة عمومية    بداية من يوم غد: أمطار غزيرة وانخفاض في درجات الحرارة    استلام مشروع تركيز شبكة السوائل الطبية لوحدة العناية المركزة بقسم الأمراض الصدرية بالمستشفى الجامعي الهادي شاكر    تونس: وفاة 4 أطفال بسبب عدم توفّر الحليب الخاص بهم    الكاف: تقدم مشروع بناء سد ملاق العلوي بنسبة 84 %    بن عروس: توجيه 6 تنابيه لمخابز بسبب اخلالات تتعلق بشروط حفظ الصحة    وصول محمد الكوكي الى تونس فهل يكون المدرب الجديد للسي اس اس    باجة: انطلاق الاستعدادات لموسم الحصاد وسط توقعات بإنتاج متوسط نتيجة تضرّر 35 بالمائة من مساحات الحبوب بالجهة    بعد ترشّحها لانتخابات جامعة كرة القدم: انهاء مهام رئيسة الرابطة النسائية لكرة اليد    تقرير: شروط المؤسسات المالية الدولية تقوض أنظمة الأمان الاجتماعي    حليب أطفال متّهم بتدمير صحة الأطفال في الدول الفقيرة    تكريم هند صبري في مهرجان أسوان الدولي لسينما المرأة    بطولة الرابطة المحترفة الاولى (مرحلة التتويج): برنامج مباريات الجولة الخامسة    رئيس غرفة القصّابين عن أسعار علّوش العيد: ''600 دينار تجيب دندونة مش علّوش''    وزارة الدفاع الوطني تعرض أحدث إصداراتها في مجال التراث العسكري بمعرض تونس الدولي للكتاب    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس    هاليب تنسحب من بطولة مدريد المفتوحة للتنس    لأقصى استفادة.. أفضل وقت لتناول الفيتامينات خلال اليوم    في سابقة غريبة: رصد حالة إصابة بكورونا استمرت 613 يوماً..!    أولا وأخيرا..الكل ضد الكل    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع اقتراب موعد الانتخابات: نقاط قد تزعج الكثيرين.. لكن آن الأوان للتصريح بها!

مع اقتراب موعد "الانتخابات" انتشرت (كالعادة) عديد الخرافات في تونس. وهذه الخرافات لا تخص طرفا ايديولوجيا معينا، بل لعلها أكثر انتشارا في صفوف الذين يدعون أنهم "تطوروا" و "تعلمنوا" وتخلصوا من الفكر الخرافي. فأغلب التونسيين ورغم التحديث الشكلاني الذي تعرضوا له ورغم استهلاكهم لقشور الحداثة ومنتجاتها المادية والأخلاقية والفكرية، إلا أنهم متأثرون (ابتسيميا وليس ايديولوجيا) بالموروث الخرافي والميثولوجية الدينية وكرامات الاولياء الصالحين وأساطير الأبطال الذين يتمتعون بقدرات يعجز العقل عن تفسيرها.
سنحاول الإشارة إلى بعض النقاط أو الخرافات، رغم أنها ستزعج الكثير من "العلمانيين" و"الحداثيين" وستجعلهم يشعرون بالامتعاض وبنوع من الكره تجاهي.
1- كثيرا ما يسود الحديث عن أن المنافسة الحزبية ستكون على أساس البرامج والرؤى السياسية الاستراتيجية. والواقع أن هذا الطرح يحمل كثيرا من الشعبوية والتسطيح، فلا بنية الأحزاب، ولا البنية الاجتماعية والثقافية والذهنية، ولا تقاليد الدولة البيروقراطية تسمح بذلك. فخلال الانتخابات الفارطة قدمت جميع الأحزاب برامج كانت في مجملها جميلة ورائعة من حيث تسويق النوايا الطيبة على الأقل. لكن مع وصول أحزاب معينة إلى السلطة، رمت برامجها جانبا لأنها وجدت نفسها خارج اللعبة وفي تناقض ونشاز مع الواقع الإداري وتقاليد الدولة والبيروقراطية التي لا يمكن التخلص منها بسهولة وفي وقت قياسي، باعتبار انصهارها مع الآليات الاقتصادية والمجتمعية والثقافية السائدة، ولاعتبارات أخرى يطول شرحها.
2- البرامج بالنسبة للأحزاب هي عمل انتخابوي فوقي سطحي طوباوي لا يأخذ بعين الاعتبار الواقع الداخلي والخارجي، ولا يتعامل مع المعطيات الدقيقة. وعادة ما يكون رسم البرامج نتاجا طبيعيا وضروريا لقرب موعد الانتخابات. رسم البرامج الحزبية الجدية هو عمل ديناميكي طويل المدى، يعتمد على الذكاء والمعطيات الدقيقة الشاملة على المستوى الجهوي والمركزي والإقليمي والعالمي.
بنية وطبيعة الأحزاب في تونس لا تسمح بإنجاز برامج جدية وفاعلة، وهذا يعود لاعتبارات ذاتية متعلقة بالتقاليد الانتهازية التي تقوم على اللجوء إلى أسهل الطرق لكسب ود الناخب (اللعب على ورقة الدين والهوية؛ اللعب على ورقة العلمانية وادعاء الحداثة؛ ادعاء الوسطية والاعتدال مقابل إلحاق تُهم التطرف والفوضوية بالأطراف السياسية التي تدعو للتغيير والتقدم؛ تشويه الخصوم السياسيين؛ السفسطة واللعب على التجهيل؛ الوعود الزائفة؛ المال السياسي، تسويق شعارات "كسر" الاستقطاب الثنائي..). وكذلك لاعتبارات موضوعية متعلقة بطبيعة المجتمع التي تميل نحو المهادنة والحفاظ على السائد، والإسقاط على الأفراد والتعامل بمنطق الفضيلة والنوايا الحسنة. وعادة لا يطلع المواطن على البرامج ولا يعطيها اهتماما لأنها فوقية ومسقطة، وليست نتاج ديناميكية حزبية مجتمعية قائمة على الربط الفكري بين المجتمع وواقعه من جهة والدولة والإدارة والنظام والمعطيات الدقيقة الشاملة من جهة ثانية.
3- حتى ولو نجحت عديد التيارات السياسية في إثبات وقوف حركة النهضة وراء الإرهاب، فسيكون سعيها عقيما في الحد من شعبية هذه الحركة، بل لعل ذلك سيزيد من شعبية هذه الحركة والتفاف كتلة اجتماعية واسعة حولها. وذلك لأسباب سوسيولوجية وعقائدية وتنظيمية يطول شرحها، ولا داعي للدخول في بعض تفاصيلها لأنها قد تزعج الكثيرين.
4- الأطراف السياسية التي تراهن على المزايدات القائمة على أساس اللقاءات مع السفير الأمريكي وعلى أساس القضية الفلسطينية والمواقف من أحداث غزة، سيكون سعيها عقيما ولن تتمكن من تحقيق الاستقطاب الحزبي الانتخابي الذي تتصوّره ... المسألة لا علاقة لها بتخوين الشعب والاستنقاص من ذكائه ووطنيّته وشعوره القومي... المسألة أعمق من هذا بكثير ...
6- حركة النهضة ليست غبية، بل هي حزب واقعي براغماتي له قدرة كبيرة على التكيّف ومسايرة الواقع والإلتفاف على الأحداث واحتواء الأزمات من خلال تفكيكها وتمييعها وإفراغ شحنتها. النهضة أيضا، حزب يوظّف أحدث المناهج المستنبطة من علم الإجتماع وعلم نفس الإجتماع وعلم الاجتماع السياسي.
7- في ما يخص أساليب وتقنيات الإستقطاب الانتخابي، هناك هوّة عميقة بين حركة النهضة وبقية الاحزاب. فحركة النهضة وعلى عكس بقية التيارات، تتحرك بأساليب ناجعة ومتطورة تنم عن فهم ووعي بنمط المجتمع التونسي وتركيبة الشخصية التونسية.
عادة ما يسود الاعتقاد بأن نجاح حركة النهضة هو نتاج استثمارها للدين والمساجد و"قلّة الوعي" لدى "الشعب". وهذا في الحقيقة جزء من المسألة، وربما جزء مهم جدا. فالعملية الانتخابية هي عملية معقّدة تتطلب دراية علمية عميقة ودقيقة بالكثير من التفاصيل الاجتماعية والنفسية. فمن غير السهل أن تجرّ ناخبا ليضع لك ورقة في صندوق الإقتراع.
8- لدى تيار واسع مما يسمّى "الطبقة السياسية" هناك خلط بين إثارة الإعجاب وجلب الإنتباه، وبين جرّ الناخب إلى صندوق الاقتراع. فقد ينجح "السياسي" في إثارة الإعجاب وكسب التعاطف، لكن هذا لا يعني أنه سيجني عددا كبيرا من الأصوات الانتخابية. المسألة معقّدة، لكن يمكن تفسيرها على أن الناخب في مجتمع كالمجتمع التونسي أو حتى في المجتمعات الأوروبية، يبحث بالأساس عن الطمأنينة بمضامينها المختلفة. فالناخب لن يصوّت لك مهما فعلت ما لم يشعر بالإطمئنان، فالطمأنينة لها مكانة في العقل الباطني للناخب تسبق التعاطف مع السياسي. فالمراهنة على "النقاء" الثوري وعلى أخذ مواقف مبدئية في ما يخص عديد القضايا الداخلية والخارجية بترويج شعارات من قبيل "امبريالية ؛ دوائر استعمارية ؛ تجريم التطبيع ؛ تعليق المديونية ؛ مقاطعة السفارات الأجنبية " كلها تكتيكات لن تحقق الاستقطاب الانتخابي الذي قد يتصوّره الكثير من السياسيين. فالتونسي "العادي" وحتى الأمّي ليس غبيا مثلما يتصوّر الكثيرون، فهو غير مستعد للدخول في عداء مع الدول الغربية وليس مستعدا للمغامرة من خلال الدخول في تدافع عنف أو شبه عنيف مع الدوائر المالية الأجنبية والولايات المتحدة وغيرها من الدوائر، حتى ولو كان ذلك بطريقة "معتدلة" وبراغماتية. التونسي حتى الأشد فقرا يُدرك أن أدق تفاصيل حياته وحاجياته مرتبطة بالخارج وبالاقتراض وبالانفتاح على الغرب. فالتونسي يدرك أنه يأكل الخبز المصنوع من الفرينة الأمريكية ويدرك أنه يستعمل الكهرباء والوقود بفضل التوريد والاقتراض، كما يدرك أن حياته وحاجياته وقوته اليومي مرهون بارتباطات خارجية معقّدة من الصعب تغييرها، كما يدرك حجم المخاطرة التي قد تنتج عن محاولة زحزحة مثل هذا الارتباطات أو حتى محاولة تغييرها. وقد يبدو أن ما قلناه هو خطاب يميني تبريري فيه الكثير من الرجعية والسفسطة. لكن هذا ما يعيه التونسي وهذا هو الموجود في العقل الباطني لكل التونسيين. والإشكال لدى التيارات اليسارية والثورية في تونس أنها تركز في عملها السياسي على الداخل، أما الارتباطات الخارجية وتبعات العولمة التي تتحكم كليا في الديناميات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الداخلية، فلم تحظ بما تستحق. وفي هذه النقطة لا يجب أن نلوم المواطن التونسي إذا لم يجد دينامية سياسية ومدنية جدية وفاعلة تأخذ بعين الاعتبار متطلبات العولمة والانفتاح الكاسح الذي تعيشه تونس.
9- من المغالطات السائدة في عملية الاستقطاب الانتخابي أن المراهنة على مؤسسات المجتمع المدني والعمل الإعلامي سيكون هي البديل والقوة المضادة لما تقوم به حركة النهضة من توظيف للدين والمساجد. وهذا فيه كثير من التسطيح والاستغفال. فحركة النهضة تراهن في استقطابها الانتخابي على العائلة أولا ثم الأقرباء والأصدقاء ثم مفاصل المجتمع.
10- من المغالطات السائدة أيضا أن عملية الاستقطاب الانتخابي هي عملية تقنية تقوم على التواصل والإتصال المباشر فحسب، وهذا فيه كثير من التسطيح والاستغفال. فالمجتمع التونسي ورغم التحديث الشكلاني الذي تعرض له، ما زال في بناه الذهنية يميل إلى الإسقاط على العائلة والعشيرة وأبناء القرية والمدينة والمقربين، عندما يتعلق الأمر بالبحث عن الثقة والطمأنينة والتفويض. وهذه الخاصية موجودة أيضا في المجتمعات الأوروبية العريقة في الدمقرطة والحداثة، لكنها أقل تأثيرا. ومن ناحية أخرى تجب الإشارة إلى أن عملية الاستقطاب الانتخابي وبالرغم من انها تبدو عملية تقنية بسيطة شكلا، إلا أنها تتطلب وجود عقيدة اجتماعية ضرورية لخلق دينامية انتخابية مركزة على تيار سياسي معيّن. وهذا ما تتمتع به حركة النهضة لأنها راهنت على المسجد و الدين والعائلة والتسلسل الاجتماعي لتعويض هذا النقص باعتبار أن النسيج المؤسساتي للدولة والنسيج المدني ما زال صنميا بفعل مخلفات الديكتاتورية.
11- إذا تواصل المشهد السياسي- الإجتماعي على هذا المنوال فإن حركة النهضة ستكون هي الأقدر على الحشد وجني الأصوات الانتخابية. وستكون هي المتحصلة على الأغلبية النسبية خلال الانتخابات القادمة وبفارق كبير عن أقرب منافسيها.
أعرف أن ما قلته سيزعج الكثيرين لأنه سيفسد أحلامهم. لكن آن الأوان لقول الحقيقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.