يوم زواجي في نسخته الكردية العراقية (5 جوان 2014) تم اعلان حضر التجوال في الموصل، بحيث ان كل المدعوين الذين اتوا للزفاف بقوا عالقين في كردستان، تحديدا في قضاء الشيخان( 45 كلم عن الموصل). فجأة ودون سابق انذار وجدت نفسي في قلب الحرب، لدرجة اصبح الجميع حولي يتندرون بتاريخ زفافي قائلين انه كان فألا سيئا على العراق. امتلأ بيت اهلي زوجي بالناس الذين تحولوا بين عشية وضحاها من مدعوين الى لاجئين امتلأ بهم المكان حتى اصبح يشبه المخيم. وخلال الايام الموالية تواصل توافد الاقرباء الى درجة اصبح معها من الصعب التنقل داخل البيت. 52 طفلا وما يقارب الاربعين من الكهول بين نساء ورجال. والكل يتابع بقلق شديد ما يحصل في الموصل مع امل ان ينتهي حضر التجوال حتى يعودوا لمنازلهم و لكن خبر هروب الجيش العراقي امام هجوم داعش (تنظيم الدولة الاسلامية في العراق و الشام) نزل عليهم كالصاعقة. يوم 10 جوان كان يوما تاريخيا حصل فيه ما لم يكن ابدا متوقعا: 50000 جندي عراقي انسحبوا امام حفنة من مقاتلي داعش لا يتجاوز عددهم الالف في سيناريو يشبه المؤامرة. وفجأة سقطت الموصل ثاني مدينة في العراق في سويعات ليصبح مصير الاقليات التي تسكنها (مسيحيين، ايزيديين، تركمان...) مجهولا و كذلك الشأن بالنسبة للشيعة. في البداية لم يمانع الموصليون في غالبيتهم وخاصة أهل السنة من وصول داعش الى المدينة حيث رأوا في قدوم هذه الجماعات"تحريرا" لهم من قبضة الحكومة الشيعية التي كانت تنتهك حقوقهم و تقيد حركاتهم.استغلت داعش سخط العشائر السنية وبقايا انصار حزب البعث المنحل على حكومة نوري المالكي ليسلموا بسقوط المدينة تحت قيادة هذا التنظيم الذي بسط نفوذه على ولايتي نينوي و صلاح الدين مثلما فعل ذلك سابقا في الأنبار. الجدير بالذكر هنا هو أن داعش اعتمدت سياسة تدريجية في احكام قبضته على الموصل واهلها. في البداية لم يفرض عليهم أي تغيير لعاداتهم او أي قوانين مجحفة الى حد انهم صدقوا بان حكم داعش ارحم من حكم المالكي. وحتى من غادروا منازلهم خوفا من التنظيم الارهابي سرعان ما عادوا اليها، مواصلين نسق حياتهم العادي و كأن شيئا لم يكن. ولكن التنظيم كشف سريعا عن وجهه الحقيقي. حيث عمد الى غلق البارات والمقاهي وتحريم لبس السروال القصير (الشورت) وكذلك التدخين ثم فرض اللباس الشرعي أي النقاب على النساء و منع أي واحد من سكان الموصل ان يلبس أي شيء غير اللباس الافغاني. ولم ينتهي الأمر عند هذا الحد فقد اقيمت المحاكم الشرعية التي تحكم بقطع الايدي والرؤوس وتشكلت الشرطة الاسلامية التي تمضي الوقت في التجول في شوارع وازقة الموصل لفرض السلوك الاسلامي السليم على السكان ومن لم يلتزم فيتم سجنه او صلبه او قتله. هذا الى جانب منع تجار الاقمشة و الملابس من بيع أي شيء عدى اللباس الذي يزودهم به التنظيم فكسدت البضاعة واغلقت ثلاثة ارباع الاسواق. وان لم يثبت خبر فرض التنظيم الختان على النساء فإن الثابت هم انه فرض على كل عائلة ان تزوده بواحد من ابنائها حتى يقاتل في صفوفه. اهل الموصل الذين بقوا فيها يقولون أن منتسبي داعش لا يتعرضون لهم في منازلهم و انما يقيدون حركاتهم وتصرفاتهم في الخارج وهم يعيشون كل يوم والخوف يملأ قلوبهم من الاوامر الحديدة التي سيفرضها عليهم التنظيم. ويعتمد داعش في تبليغ قراراته للناس على صومعات الجوامع ولكن ليس فقط. فقد استولى على الاذاعات المحلية والتلفزات و اصبح يبث منها خطابه. فحاليا يمتلك التنظيم اذاعة اسمها "البناء" تبث لمدة ثلاثة الى اربع ساعات يوميا. و محتواها يراوح بين الخطب والاناشيد الدينية والقرآن وبث اوامر التنظيم لاهل الموصل. و لقد عمد التنظيم الى اجبار الصحفيين المحليين على العمل تحت امرته وتصوير المشاهد التي يريدها. ومن يرفض فمصيره القتل. غير انه و خوفا من ان يصبح للتنظيم قنوات فضائية، عمدت السلطات العراقية الى قطع البث عن القنوات التلفزية المحلية التي كانت موجودة بالموصل. وبعد حملة تهديم المقامات والاضرحة التي تلتها حملة تهجير الاقليات كالمسيحيين الذين لم يسمح لهم بحمل أي شيء من اغراضهم، ينصب اهتمام التنظيم حاليا على الدفاع عن نفسه، خاصة امام توالي الضربات الجوية الامريكية وتقدم قوات البشمركة و توجه العشائر السنية التي ساندت التنظيم في البداية الى الانتفاضة ضده.