كسب الكاتب والاعلامي التونسي مختار الخلفاوي معركته مع الناطق الرسمي باسم التحرير (الفرع التونسي) رضا بالحاج قبل أن تبدأ. وقوف بالحاج أمام القاضي يوم الاثنين 20 أكتوبر القادم يعتبر تنازلا وضربة قاصمة لزعيم هذا الحزب الذي لا يعترف لا بالدولة المدنية ولا بدستورها ولا بالقضاء الذي يحكم ما يعتبره حزب التحرير قانونا وضعيا. تعتبر جلسة الاثنين ثان جلسات ما عرف "بقضية تكفير مختار الخلفاوي" التي عقدت اولى جلساتها يوم 13 أكتوبر 2014 والتي طلب فيها محامو الناطق باسم حزب التحرير تأجيل النظر في القضية لغياب المعني بالامر. أمام الملأ ، يوم الاثنين في قصر العدالة بتونس سيقف رضا بالحاج في مربع صغير ويذعن لارادة القاضي في ان يجيبه بكلمة مختصرة "حاضر" بعد ان يناديه باسمه. سيقف رضا بالحاج أمام القاضي واضعا يديه الى الخلف مجيبا على أسئلة القضاء المدني الجمهوري كأي مواطن تونسي يخضع لقانون الجمهورية التونسية الثانية. في عهد النظام السابق كان حزب بالحاج وأنصاره يجدون التعلة في رفضهم لقرارات القضاء لارتهانه بالقمع السياسي لهم ولغيرهم من الاصوليين. اليوم في الديمقراطية الناشئة في تونس ليس لهم من خيار الا الاذعان لهذا القانون المدني والعمل وفق مقتضياته واحترام اي قرارات تصدر عنه. تعود أطوار القضية الى نهاية شهر جوان يونيو الفارط عندما اصدر الناطق الرسمي باسم حزب التحرير رضا بالحاج فيديو مصور فهم منه تكفيرا صريحا للكاتب مختار الخلفاوي على خلفية محتوى الحصة اليومية المسموعة لهذا الاخير التي انتقد فيها حزب التحرير واعتبره "يأكل من الغلة ويسب في الملة". في هذه الحصة على اذاعة شمس الخاصة بتاريخ 24 جوان 2014 انتقد الخلفاوي استغلال حزب التحرير الاسلامي للفضاءات العمومية ودعم الدولة من اجل اقامة مؤتمراته وتظاهراته التي تنادي برفض دستور والدعوة الى اقامة دولة دينية تحكم بالشريعة على انقاض الدولة المدنية والنظام الجمهوري. بعد فيديو بالحاج والذي وصف بالتكفير اصدر مجموعة من نشطاء المجتمع المدني في تونس عريضة وطنية طالبوا فيها حكومة المهدي جمعة باتخاذ اجراءات عاجلة ضد الناطق باسم التحرير وحزبه. وجهت الحكومة انذارا لحزب التحرير بضورة الالتزام بالنظام الجمهوري واحترام قانون الاحزاب والدولة المدنية غير ان هئية دفاع الكاتب مختار الخلفاوي لم ترى في الاجراءات المتخذة اي اثر ملموس في هوية الحزب الذي مازال يرفع شعارات من قبيل رفض الدستور والدعوة الى مقاطعة الانتخابات وتطبيق الشريعة الاسلامية في تونس. من المؤكد ان القضاء وحده سيحكم حول محتوى شريط فيديو بالحاج وحول مدى انطباق وصف التكفيري عليه أم لا. الاهم ان صاحب الشريط الذي هو الناطق الرسمي بالاسم التحرير الاسلامي الذي له فروع في اكثر من خمسين دولة سوف يجد نفسه لاول مرة منذ قيام الثورة امام القضاء المدني والذي سيحاكم بمقتضاه. ليس لبلحاج الا الاذعان والحضور للجلسة الثانية التي نصبت له بعد الجلسة الاولى التي تغيب عنها. من المؤكد أيضا ان السياق السياسي الذي تعقد فيه المحاكمة يعتبر بالغ الاهمية في تونس التي تريد فيه الدولة انجاح ثان انتخابات ديمقراطية لها وفي ظرف يتسم بمحاربة الارهاب وتجفيف كل حواضنه الايديولوجية. في هذه النقطة بالذات لم يبرر رضا بالحاج الناطق الرسمي باسم حزب التحرير حضوره الشهير في منصة القيروان للمؤتمر الثاني لانصار الشريعة الذي صنف تنظيما ارهابيا متورطا في عمليات التفجير والاغتيال التي شهدتها البلاد طوال العامين الفارطين. في قضية الحال والاهم من هذا كله ان الخلفاوي الذي جرجر بالحاج الى قصر العدالة كان يعي ما هو فاعله. لا يحتاج صاحب "كتاب ديمقراطية انشاء الله" الى حكم من القاضي لانصافه.. لقد حقق ما ابتغاه مسبقا: ان تعيش في دولة مدنية هو ان تحترم قانونها.