وزارة الفلاحة تذكّر كافّة شركات تجميع الحبوب بأخذ كلّ الاحتياطات اللاّزمة للتعامل مع التقلبات المناخية    مدنين: تجهيزات طبية حديثة تدعّم المستشفيات ومراكز الصحّة الأساسية بقيمة تفوق 4.5 مليون دينار    جلسة عمل لمتابعة النسخة المحينة للموقع الرسمي لوزارة السياحة    إسرائيل تطالب بإفراج "حماس" عن رهائنها من دون مراسم أو ضجة    ترامب: حماس ردت بروح إيجابية ووقف إطلاق النار ممكن في الأسبوع المقبل    سحابة سامة قرب مدريد وتحذير من مغادرة المنازل    كرة السلة – البطولة العربية سيدات : على أي قنوات وفي أي وقت يمكن مشاهدة مباراة تونس ومصر؟    طقس اليوم: ظهور خلايا رعدية محلية مصحوبة ببعض الأمطار المتفرقة    الفرجاني يلتقي فريقا من منظمة الصحة العالمية في ختام مهمته في تقييم نظم تنظيم الأدوية واللقاحات بتونس    كوريا الجنوبية: تسجيل أعلى معدل للحرارة في تاريخ البلاد    19سهرة فنية ومسرحية ضمن فعاليات الدورة 42 لمهرجان بنزرت الدولي    عاجل/ تطورات جديدة في قضية التآمر 2..وهذا موعد التصريح بالحكم..    سوريا: اندلاع حريق بالقرب من قصر الرئاسة بدمشق    مقتل وفقدان اكثر من 30 شخصا في فيضانات مدمرة بتكساس الأمريكية    تونس الجميلة: توزر : جوهرة الصحراء ومدينة الأحلام    عادات وتقاليد: «الزردة» طقوس متوارثة ...من السلف إلى الخلف    مع المتقاعدين: منصور كعباشي (قفصة): التقاعد ... فسيفساء من العطاء وتذوّق بهاء الحياة    فوائد غير متوقعة لشاي النعناع    خلافات بين الأعضاء وانسحاب رئيس الجمعية وأمين المال: ماذا يحدث في مهرجان القنطاوي؟    رسميا: هلال الشاية يتفادى خصم النقاط من الفيفا    تاريخ الخيانات السياسية (5): ابن أبي سلول عدوّ رسول الله    مسؤول فلسطيني.. حماس قدمت ردا إيجابيا على المقترح الأمريكي للهدنة    بين حرية التعبير والذوق العام : هل يُمنع «الراب» والفن الشعبي من مهرجاناتنا؟    مستقبل المرسى يتعاقد مع اللاعب أسامة الجبالي    الليلة: البحر هادئ وأمطار بهذه المناطق    المسابقة الإسكندنافية الدولية لزيت الزيتون: تونس تفوز بالمركز الأول ب 64 ميدالية    موسم الحصاد: تجميع حوالي 9,049 مليون قنطار إلى غاية 3 جويلية 2025    ڨبلي: نجاح أول عملية دقيقة على العمود الفقري بالمستشفى الجهوي    وزير التجارة: صادرات زيت الزيتون زادت بنسبة 45%    ملتقى التشيك الدولي لبارا ألعاب القوى: النخبة التونسية ترفع رصيدها الى 5 ذهبيات وفضيتين    إنتقالات: وجهة جديدة للحارس "معز بن شريفية"    فتح باب الترشح للمشاركة في الدورة الثانية من المهرجان الدولي للسينما في الصحراء    فيديو تهاطل الأمطار على كميات من الحبوب: غرفة مجمّعي الحبوب توضّح.. #خبر_عاجل    غزّة: الناس يسقطون مغشيا عليهم في الشوارع من شدّة الجوع.. #خبر_عاجل    قضية إخفاء محجوز وحيازة محاضر لملف الشهيدين: هذا ما تقرّر بخصوص محاكمة الحطّاب بن عثمان.. #خبر_عاجل    وفاة حارس مرمى منتخب نيجيريا سابقا بيتر روفاي    مرض السكرّي يقلّق برشا في الليل؟ هاو علاش    تخدم الكليماتيزور كيف ما جا؟ هاو وين تغلط وشنوّة الصحيح باش ترتاح وتوفّر    إذا ولدك ولا بنتك في ''السيزيام'' جاب 14/20.. ينجم يدخل للنموذجي؟ شوف الإجابة!    الشاب مامي يرجع لمهرجان الحمامات.. والحكاية عملت برشة ضجة!    الحماية المدنية: ''احذروا الصدمة الحرارية كي تعوموا.. خطر كبير ينجم يسبب فقدان الوعي والغرق''    المرصد الوطني للفلاحة: نسبة امتلاء السدود تبلغ 37.2 %    القصرين: حجز 650 كلغ من السكر المدعّم بسبيطلة وتفعيل الإجراءات القانونية ضد المخالف    عاجل: تحذيرات من حشرة منتشرة على الشريط الحدودي بين الجزائر و تونس..وهذه التفاصيل..    مقترح قانون لحماية المصطافين وضمان سلامة السباحة في الشواطئ والفضاءات المائية    عاجل/ اختراق استخباراتي إسرائيلي داخل ايران يكشف مفاجآت..!    الحرس الوطني يُطيح بمنفّذي عملية ''نَطرَ''وسط العاصمة في وقت قياسي    عاجل/ جريمة اقتلاع عيني امرأة من طرف زوجها: معطيات وتفاصيل جديدة وشهادة صادمة..!!    فضله عظيم وأجره كبير... اكتشف سر صيام تاسوعاء 2025!"    قمة نار في مونديال الأندية: كلاسيكو، ديربي، ومفاجآت تستنى!    نيس الفرنسي يضم حارس المرمى السنغالي ديوف لمدة خمس سنوات    بداية من 6 جويلية 2025: شركة نقل تونس تخصص 10 حافلات خاصة بالشواطئ    أفضل أدعية وأذكار يوم عاشوراء 1447-2025    عاجل/ هذا ما تقرر بخصوص اضراب الأطباء الشبان..وهذه التفاصيل..    فضيحة السوق السوداء في مهرجان الحمامات: تذاكر تتجاوز مليون ونصف والدولة مطالبة بالتحرك    صيف المبدعين...الكاتبة فوزية البوبكري.. في التّاسعة كتبت رسائل أمي الغاضبة    'قلبي ارتاح' .. الفنانة لطيفة العرفاوي تحمّس الجمهور لألبومها الجديد لصيف 2025    المنستير: برمجة 11 مهرجانًا و3 تظاهرات فنية خلال صيف 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مرارة الديمقراطية
نشر في حقائق أون لاين يوم 11 - 11 - 2014

رأي اليوم (لندن) - حقائق أون لاين (تونس)
"تيمة" النضال أصبحت موضوعا متداولا في تونس في الخطاب العام فهي حجة انتخابية و مقياس يعتمده المحللون لقراءة نتائج الانتخابات التشريعية التي شهدت انتكاسة أحزاب عرفت بنضالها الديمقراطي في العهد السابق.
و ليس جديدا على تونس إن يكون النضال حجة حكم و قد اعتمدها الرئيس بورقيبة الذي كان يذكر في العديد من خطبه تضحياته أثناء الفترة الاستعمارية و اقرّ له أنصاره و الكثير من خصومه بشرعية تاريخية حقيقية و إن كان الكثير من المعارضين لحكمه ينتقدون هذا الإفراط في الاستنجاد بالماضي لمجابهة بعض صعوبات الحكم في الحاضر.
و من مفارقات التاريخ أن المعارضين الشبان لبورقيبة خاضوا بدورهم نضالاتهم ضد حكمه ثم حكم بن علي و بعضهم تصدّر المشهد السياسي بعد الثورة رافعا نضاله كوسام استحقه بتضحياته ضد الحكم الفردي و الدكتاتورية و البعض الآخر طالب بتعويضات نعرف ما أثارته من جدل في المجتمع التونسي بعد الثورة.
النضال و تضحياته يعطي للمناضل شعورا عفويا بأحقيته في تمثيل الشعب و يرشّحه طبيعيا للحكم و يغذي هذا الشعور الطموح الفردي و قد يؤدي ببعض المناضلين إلى عزلة نرجسية يعبّر عنها علنا بالاستجابة إلى "نداء الواجب" و قد تصبح حاجزا لتقييم الواقع برصانة و تؤدي إلى تضخيم الشهرة المتخيّلة.
ما أجمل فترة ما بعد الثورة و ما قبل الانتخابات التي تسمح لكل واحد أو كل طرف من مراودة هذا الحلم الجميل الذي تبدده نتائج الانتخابات التي تعطي كشفا باردا لوزن كل شخصية و كل طرف فاعل في الحياة العامة.
قبل الانتخابات كل شخصية أو طرف يعلن شعبيته و اتساع تمثيليته و الكثير منهم يعيش في وهم الشعبية بمجرد إصدار بيانات سياسية أو الحصول على وصل إنشاء حزب أصبحت الدولة تمنحه بسخاء بعد شحّ ساد عقود ما قبل الثورة.
و يتصور البعض أن كتابة المقالات الصحفية و الإدلاء بالتصرحات أو المشاركة في حوارات تلفزيونية أو يعتقد واهما أن مجرّد تجمّع "الأنصار" و البعض من العائلة و أبناء القرية حوله بكثافة لاستقباله في المطار أو في المهرجانات السياسية كلها مؤشرات لقياس الشعبية. و لكن الانتخابات لحظة حقيقة و محرار تحديد الأحجام لكل طامح للحكم و هذه الحقيقة السياسية بدأت تنكشف في تونس بعد تجربتين انتخابيتين في 2011 و 2014 و لكنها لم تستقر بالقدر الكافي و قد نحتاج إلى عشرية نكون تقريبا عشنا فيها حوالي 6 مواعيد انتخابية بين الرئاسية و التشريعية و البلدية إضافة إلى انتخابات المجالس الجهوية ليتضح المشهد السياسي الفعلي.
نعم "الشعب يريد" شعار بعث في وجودنا ارتعاشه الفخر و الأمل و لكن تصوروا لحظة هذه الحيرة التي تربك المناضل الصادق في عمق نرجسيته و عزلته و تضعه أمام طموحه المكسور و لسان حاله يقول بصوت داخلي: الشعب إذا أراد غيري و وضع علامة القاطع و المقطوع الرهيبة في خلوة الانتخاب في خانة غير خانة حزبي أنا من ناضلت و ضحيت أنا من يستحق القيادة و قتها تصبح "الشعب يريد" صيحة ظالمة وغبية و ضربة أخفقت المرمى.
حجة النضال لها إغراؤها و نجاعتها النسبية لكل من يترشح لقيادة الشأن العام و لكنها مورّطة لكل من لا يتعامل معها بحذر و تعفف مثلما نلمسه عند نخبة من الشخصيات العامة و إن كان بأساليب مختلفة مثل السيد حمة الهمامي زعيم الجبهة الشعبية، الذي أعلن رفضه التعويضات و إن اعترف لغيره بشرعية جبر الضرر و رفض الادعاء بأي دور مباشر في الثورة على عكس غيره ممن أعلنوا أنهم ألهموها، و هو الذي كان سجينا في الداخلية يوم 14 جانفي، أو الكاتبة المناضلة نزيهة رجيبة (أم زياد) التي اعتزلت السياسة عند موسم جني الثمار و بقيت تتحرك بقلمها الذي ادخلها الحياة العامة منذ عقود أو الكاتب الصحفي توفيق بن بريك الذي يعلن عداءه الفلسفي للسلطة و غيرهم قليل.
فالمواطن عندما ينتخبك "مناضلا" ينتظر منك سلوكا ملائكيا و كلّما منحتك مسؤوليات الحكم "سيارة فاخرة" أو "راتبا مضاعفا" أو حتى شاهد انتشار اسمك و اتساع وجاهتك بصورة "مفرطة" يرتدّ في لا وعيه على هذا الملاك الذي خيّب آماله بمجرد لبس ربطة عنق يفرضها البروتوكول.
فما بالك إذا وصله انك تنوي الرفع في ميزانية الرئاسة بينما كان المعارضون ينتقدون تضخمها في العهد السابق أو تطالب بمنحة أو مسكك متلبّسا بجلسة صحبة الأسرة في قيض الصيف في "فندق فاخر"، فأسرة المناضل شريفة عندما تحمل القفة إلى السجن و تقطع مئات الكيلومترات في وسائل النقل العمومي لزيارة ابنها الموقوف و لكنها سرعان ما تتحول في المخيال الشعبي إلى "متنفذين" جدد إذا شملتها رياح الوجاهة التي تضفيها السلطة على أصحابها و خاصة إذا امتطت سيارة الوظيفة التي تسمح بها بعض المناصب. فما بالك إذا علم أنها سكنت بيتا فاخرا أو أنشأت شركة بيع و شراء و الله اعلم بالصفقات الحقيقة و الموهومة التي تملأ أخبار المواقع الالكترونية و الصفحات الاجتماعية و بعضها كاذب أو مبالغ فيه و غير دقيق و لكنه سكن العقول و القلوب و كأنه حقيقة. فالمواطن مع حلمه و عفويته لا تغيب عنه القسوة أحيانا.
و لكن الأخطر من ذلك أن النضال كحجة انتخابية يشدّ أصحابه إلى الماضي و كأنه يقايض الناس بالنضال مقابل الحكم أو يطلب جزاء الحكم مقابل التضحية السابقة، بينما الناس ينتخبونك حاكما لتدير شان مستقبلهم و تقلل حيرتهم و ترفع من خوفهم على مصير أبنائهم و تجابه بطالتهم و ترفع أوساخ أحيائهم و تخفّض تكلفة معيشتهم.
يتجرّع بعض المناضلين الصادقين مرارة الديمقراطية غداة الإعلان عن النتائج عندما تفشل حجة النضال في إقناع الناس بالتصويت لك و السير وراءك لبناء مستقبلهم أنت الذي قدت احتجاجاتهم التي كانت لا تتجاوز حديث المقاهي و الصالونات في الماضي و أوصلتها إلى العالم و سكنت السجون و عشت في الغربة و حاربت في صفحات الانترنت.
فهل قدر المناضل أن يظلم مرتين؟ في الماضي عندما تحمّل متاعب المطالبة بالحرية والديمقراطية و اليوم و قد حلت الديمقراطية فانك ترى ثمارها يجنيها غيرك. فهل سنة المجتمعات الديمقراطية الجحود؟
كيف نفسّر أن من لم يعلن قبل الثورة على موقف واحد في علاقة بالشأن العام يحصل على أكثر من مجموع عدة تنظيمات من أكثر الأحزاب نضالية منذ 30 سنة؟
ما أحوج مناضلينا الصادقين في هذه المرحلة التي يشهد فيها الفعل السياسي تحولات عميقة محليا و عالميا، إلى دروس في علم اجتماع السياسة لينتبهوا أن الشرعية النضالية التي يلتفّون بها لخوض معاركهم الانتخابية، ليست سوى واحدة من ضمن شرعيات أخرى لا تقل أهمية مثل الكفاءة و الانتماء الجهوي أو العشائري و الثروة التي لا تقتصر على ما عرف عندنا بالمال السياسي الفاسد ووجاهة الأسرة و العرش و"وسامة المظهر" نعم هو أيضا محدد انتخابي في كل بلدان العالم و مسرحة التقوى عن طريق المظهر مثل الّلباس و إقحام العبارات الدينية و غيرها من الاعتبارات التي تحدد الاختيار السياسي كثير وليس اقلّها أن ينتخب أنصار فريق كرة القدم من ينقذ ناديهم المفضل من الإفلاس. فكيف ينتصر النادي على الجمهورية؟
فالانتماء السياسي بحكم المستوى التعليمي و غياب تقاليد التعددية السياسية و كذلك النظرة للمصالح على مستوى الأفراد و الجماعات ليس اختيارا عقلانيا واعيا كما يتصوره الكثيرون و لكنه أيضا يخضع إلى محددات أخرى ذاتية و اجتماعية بحكم الموروث و خبرة الحياة المتاحة لكل فرد.
يصعب استيفاء كل ما يثيره النضال من تساؤلات لأنه فعل فردي يغيّر مجرى حياة كل من يدخل هذه المغامرة و لكنه أيضا فعل جماعي يحرّك الأوضاع و إن كان ببطء شديد يجعل أجيالا من المناضلين يغادرون الحياة و هم لا يعلمون ما نتج عن تضحياتهم المتراكمة، كمن يغرس شجرة طيبة تثمر لغيره. و لكن أرقى ما ينجزه المناضلون مهما اختلفت مشاربهم و أساليبهم هي أن ينتقلوا بنا من وضعية الرعية التي تسبّح بحمد الحاكم و تدعو له بدوام السلطان إلى وضعية المواطن الذي يضع علامة في خانه ورقة الانتخاب ليختار من يريدهم يعتلون سدة الحكم و يحتجّ بعد على تقصيرهم و يغيّر خانة القاطع و المقطوع في الانتخابات اللاّحقة ليدفع بخصومهم إلى رأس الحكم.ما أبسطها حركة و ما أعظم تبعاتها.
هذه القيمة يعرف كل تونسي لم يناضل مثلي سوى على مستوى إسعاد أسرته و توفير قوتها و أمنها، كيف يقدّرها و يحترم أصحابها من بين من يتصدّرون لإدارة الشأن العام، و لكنّه يعرف أيضا كيف يهزأ منها عندما يكتشف بحكمة أمثاله الشعبية التي تجعله يقول " ما ثماش قطوس يصطاد لربي". ما أظلمه حكما المناضلين في كل الحقبات التاريخية و ما أصدقه على بعضهم.
الديمقراطية عند بعض المنظّرين ليست أفضل الأنظمة كما يتم الترويج لها من قبل المناضلين عندما يحرم منها مجتمع قصد نشرها بين الناس بهدف تقويض الحكم الفردي، و لكنها الأقل سوءا حسب المقولة الشهيرة و من الطبيعي أن تكون لها مرارة تذكرنا بمرارة خيبة الامتحانات بعد أن كان المناضلون يحلمون بها قطرة من العسل في الحلق في أحلك فترة الانفراد بالحكم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.