إيران: الساعات القادمة ستشهد هجمات شرسة ضدّ إسرائيل    وزارة التجارة تدعو تجار التسويق والترويج عبر قنوات التوزيع الالكترونية إلى اعلام المستهلك بتفاصيل العروض المقترحة    ضاحية مونمارتر تحتضن معرض فني مشترك بين فنانة تونسية وفنانة مالية    صفاقس: تنظيم يوم الأبواب المفتوحة بمركز التكوين والتدريب المهني بسيدي منصور للتعريف بالمركز والإختصاصات التي يوفرها    "عليسة تحتفي بالموسيقى " يومي 20 و 21 جوان بمدينة الحمامات    باجة: اعادة اكثار واحياء قرابة 5 الاف صنف من الحبوب بنجاح    الدورة الأولى لتظاهرة "لقاءات توزر: الرواية والمسرح" يومي 27 و28    ماهر الكنزاري: ''لا ألوم اللاعبين على الخسارة، بل أنا فخور بالروح التي أظهروها داخل الملعب''    حياتي في الصحافة من الهواية الى الاحتراف    اصدارات جديدة لليافعين والاطفال بقلم محمود حرشاني    شنيا الماكلة اللي تنفع أو تضرّ أهم أعضاء بدنك؟    الاتفاق على احداث لجنة قيادة وبرنامج وطني لتفعيل "إعلان قرطاج" للصحّة الواحدة    الملعب التونسي يعزز صفوفه بالحارس نور الدين الفرحاتي    إيران تعتقل عميلا للموساد الإسرائيلي    تحذير طبي: خطر الاستحمام بالماء الساخن قد يصل إلى الإغماء والموت!    بطولة برلين المفتوحة (منافسات الزوجي): التونسية أنس جابر وشريكتها الاسبانية باولا بادوسا في الدور ربع النهائي    منوبة: فتح الجزء الثاني من الطريق الحزامية " اكس 20 " بولاية منوبة    المنتخب التونسي يشارك في بطولة افريقيا للرقبي السباعي بالموريس يومي 21 و 22 جوان الجاري    قفصة : حلول الرحلة الثانية لحجيج الولاية بمطار قفصة قصر الدولي وعلى متنها 256 حاجا وحاجة    ملتقى تونس الدولي للبارا ألعاب القوى: العناصر التونسية تحرز 9 ميداليات من بينها 5 ذهبيات    عاجل/ بعد انذار بوجود قنبلة..طائرة تابعة لهذه الخطوط تغير مسارها..    المائدة التونسية في رأس السنة الهجرية: أطباق البركة والخير    تونس ترشّح صبري باش طبجي لقيادة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية    الكاف: تطوير القطاع الصحي بتدعيم طب الاختصاص وتوفير تجهيزات متطورة (المدير الجهوي للصحة)    بُشرى للفلاحين: انطلاق تزويد المناطق السقوية بمنوبة بمياه الري الصيفية    عاجل : ''طيران الإمارات'' تمدد تعليق رحلاتها إلى 4 دول    الحرس الثوري: استهدفنا مقر الموساد في تل أبيب وهو يحترق الآن (فيديو)    بشرى للمسافرين: أجهزة ذكية لمكافحة تزوير''البطاقة البرتقالية'' في المعابر مع الجزائر وليبيا    كأس العالم للأندية 2025: تعرف على جدول ترتيب مجموعة الترجي بعد الخسارة من فلامنغو    تعرفش علاش الدلاع مهم بعد ''Sport''؟    الدورة 12 من الملتقى الوطني للأدب التجريبي يومي 21 و 22 جوان بالنفيضة    الصين تتهم ترامب ب"صب الزيت على النار"    الجيش الإيراني يتوعد بتصعيد الهجوم على إسرائيل في الساعات المقبلة    موعد إعلان نتائج البكالوريا 2025 تونس: كل ما تحتاج معرفته بسهولة    الطقس اليوم: حرارة مرتفعة..وأمطار مرتقبة بهذه الجهات..    ترامب يهاجم ماكرون بعنف: ''لا يعرف سبب عودتي... ويُطلق تكهنات لا أساس لها''    عاجل/ آخر مستجدات أخبار قافلة الصمود لفك الحصار على غزة..    مطار طبرقة عين دراهم الدولي يستأنف نشاطه الجوي..    تحويلات التونسيين والسياحة تغطي أكثر من 80٪ من الديون الخارجية    أبرز ما جاء في لقاء رئيس الدولة بوزيري الشؤون الاجتماعية والاتصال..    الحماية المدنية : إطفاء 192 حريقا خلال ال 24 ساعة الماضية    عاجل/ رئيس الدولة يفجرها: "لا أحد فوق المساءلة والقانون..ولا مجال للتردّد في إبعاد هؤلاء.."    6 سنوات سجنا لنائب سابق من أجل الإثراء غير المشروع    كأس العالم للأندية : برنامج مباريات اليوم الثلاثاء    هيونداي 9 STARIA مقاعد .. تجربة فريدة من نوعها    عدد ساعات من النوم خطر على قلبك..دراسة تفجرها وتحذر..    كيف سيكون طقس اليوم الثلاثاء ؟    كأس العالم للأندية: الترجي الرياضي ينهزم أمام نادي فلامينغو البرازيلي    المندوبية الجهوية للتربية بمنوبةالمجلة الالكترونية «رواق»... تحتفي بالمتوّجين في الملتقيات الجهوية    الكوتش وليد زليلة يكتب .. طفلي لا يهدأ... هل هو مفرط الحركة أم عبقري صغير؟    يهم اختصاصات اللغات والرياضيات والكيمياء والفيزياء والفنون التشكيلية والتربية الموسيقية..لجنة من سلطنة عُمان في تونس لانتداب مُدرّسين    تونس تحتضن من 16 الى 18 جوان المنتدى الإقليمي لتنظيم الشراء في المجال الصحي بمشاركة خبراء وشركاء من شمال إفريقيا والمنطقة العربية    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استوعبنا الدرس وماضون في الانجاز بهمّة عالية
الأستاذ عبد الرزاق الهمامي الأمين العام لحزب العمل الوطني الديمقراطي «للشعب»
نشر في الشعب يوم 24 - 03 - 2012

يعتبر الاستاذ عبد الرزاق الهمامي الأمين العام لحزب العمل الوطني الديمقراطي من أبرز الوجوه اليسارية على الساحة السياسية الوطنية.
فقد تواصل نضاله الحقوقي والنقابي والسياسي على مدار العقود الثلاثة الاخيرة.
وما ميز هذه المسيرة النضالية لدى الاستاذ الهمامي هو اقتران فعله السياسي الميداني بنتائجه الفكري والمعرفي فهو من رجال السياسة القلائل الذين ملؤوا مجالات الجدل بالعديد من المساهمات التي تداولتها اجيال من الطلاب وتفاعلت مع مضامينها اجيال من الفاعلين السياسيين الشعب التقته في تمفصل تاريخي على غاية من الدقة واجرت معه الحوار التالي:
• لئن كان لكم شرف تأسيس أوّل تنظيم حزبي علني لفائدة الوطنيين الديمقراطيين، فهل كنتم تعتقدون أن تلك الفترة التأسيسية تتوفر على كلّ الشروط الموضوعية لتحيل العائلة الوطنية من السرية إلى العلنية؟
أوّلا: ان انجاز ذات حزبية سياسية للوطنيين الديمقراطيين كان هاجسَ المناضلين الذين أسسوا الخط منذ أواخر الستينات وأواخر السبعينيات.
وقد كان مطروحا بشكل دائم بلورة الذات السياسية الحزبية والاعلان عنها باعتبارها مهمة تاريخية لا محيد عنها.
غير ان هذه المهمة اصطدمت بعديد العراقيل وابرزها نظام الاستبداد الذي ظلّ يمنع القوى السياسية الممثلة للطبقة العاملة ولجماهير الشعب الكادح صاحب المصلحة في انجاز مهام التحوّل الوطني والديمقراطي، فقد كان على الدوام يحرم الممثلين السياسيين لهذه الفئات من حق التنظيم. وكان من الضروري ان يُفتكّ هذا الحق.
ولهذا السبب، فإن ما شاع من شكل سري في العمل السياسي، كان في الحقيقة اضطرارًا لا اختيارًا.
وكان من الضروري ان تتوفر القوى المادية الدّاعمة لبلورة الكيان السياسي وللنقلة النوعية في ادائه باعلانه بشكل قانوني.
ولم تكن هذه القوة غير انصهار طلائع الخط الوطني الديمقراطي في قاعدتها الاجتماعية، سواء في جماهير الطبقة العاملة وفي عموم الفئات الكادحة في المدينة والريف وكذلك في الشبيبة المتفقة ولعلكم، تعلمون المكانة المتميزة التي اولاها الخط للارتباط بالحركة النقابية العمالية وبالحركة الطالبية ونشاط الشبيبة بشكل عام، ولم يكن الاعلان عن تأسيس حزب العمل وطلب تأشيرته في 29 افريل 2005 الا تتويجا بهذا المسار الذي تتالت خطوات استكماله بما انجزه رفاق آخرون في الخط من المطالبة بحقوقهم في العمل القانوني وسيشهد هذا المسار تتويجا حاسما ببلوغنا مرحلة انجاز المؤتمر الموحد في بداية الصائفة المقبلة على اقصى تقدير.
• ظلّت جهود حزبكم منصبّة لصدّ الظلم والاستبداد الذي لحق مناضليه في فترة حكم بن علي وفي المقابل عجز هذا الحزب عن التحوّل إلى كيان سياسي كبير قبيل الثرة وبعدها فهل من تفسير إضافي لهذه المفارقة؟
لقد كان هاجسنا باستمرار وهو ارساء كيان سياسي حزبي مناضل، بقطع النظر عن الحجم العددي والامكانيات المادية.
وقد نجحنا في ذلك، اذ كنا من الاصوات القليلة التي كانت تجاهر بالتصدّي لسياسات تخمة بن علي وكلفنا ذلك ما كلفنا من تضحيات يعرفها الخاص والعام.
وكان ذلك جزءًا من اسهامها المتواضع في المسار الثوري الذي قاد الىثورة الحرية والكرامة ولكن الاوضاع تغيرت بشكل كبير اذ تدخلت عوامل حاسمة سياسية ومادية في تشكل الكيانات السياسة التي سميتها كبيرة والتي لم يكن من بينها لا حزب العمل الوطني الديمقراطي ولا سائر الاحزاب المناضلة التي بقيت على وفائها على مبادئها الثورية وبقيت على اخلاصها لقضية الشعب الممثلة في التخلص الحاسم والنهائي في براعم الاستبداد والفساد ومن أيادي الهيمنة الاستعمارية بكل ادواتها العالمية والعربية وبكل وسائلها الارتدادية.
لقد تدخل المال السياسي والنفوذ الاعلامي والنفوذ المادي الداخلي والخارجي لاعادة تشكيل المشهد بما يخدم التحالف الطبقي السائد والذي استبدل ممثليه السياسيين السابقين بادوات سياسية جديدة تحظى بغطاء هيمنة أجنبية معروفة لدى الجميع.
وهذا لا يحجب عنّا اخطاءنا سواء في قراءة الواقع السياسي أو في نسج التحالفات الضرورية أو التخطيط للتحوّل الى حزب سياسي لا يكتفي بالاحتجاج، بل يصُوغ بدائل في مجمل السياسات العامة والاقتصادية والاجتماعية يطمئن إليها الشعب ويختارنا على أساسها بديلا ملبيا لمطامحه.
• عملتم خلال الفترة السابقة للثورة على تأطير بعض القطاعات النقابية وبعض الوجوه الحقوقية ألا تعتقدون أن النخبة غير قادرة على كسب معارك التعبئة الشعبية والانتخابات الديمقراطية؟
فعلا، تقييمكم لنجاعة النخب في المعارك السياسية فيه قدر من الوجاهة، ونحن مع ذلك معتزون بعملنا في اوساط النقابيين المناضلين والمخلصين لقضية الطبقة العاملة ولعملنا مع النخب المثقفة في القطاعات الحقوقية وغيرها فذلك دورنا وهو أحد المكاسب الايجابية لحزبنا.
ولكن التقييم الموضوعي للانتخابات اوقفنا على حقائق مهمة من ابرزها: ان معركة الاختيار السياسي عبر صندوق الاقتراع بعيدة كلّ البعد عن المواصفات وخصائص معارك كسب ثقة التمثيليات القطاعية في النقابات او سائر جمعيات المجتمع المدني، بل بالعكس ربما كان القياس على النقابي او الحقوقي مدخلا إلى ارتكاب الاخطاء والانتهاء الى الفشل.
الانتخابات بالمفهوم العام والشامل هي تحكيم لعموم الناس ولذلك فان الخطاب يجب ان يكون بعيدًا عن المواصفات القطاعية والحقوقية والمشاغل العينية.
نحن في حاجة إلى خطاب غير منقطع عن عموم العمق الشعبي وله من القدرة ما يمكنه من ملامسة المشاكل الملحة للناس وبصيغ ميسّرة ومبسّطة تتحاشى التعالي والتصادم مع هوية الشعب وتتقدّم باعتبارها صوته الأبلغ والانجع وبذلك تكسب الثقة. لقد استوعبنا الدرس ونحن ماضون في الانجاز بهمة عاليّة.
• رغم استشهاد أحد الشباب من أحياء حزبكم في ولاية ؟ غير أن ناخبي هاته الجهة لم يمنحوكم ثقتهم؟
تضحيات الحزب في هذه الجهة وفي غيرها من الجهات عديدة، ولعل اخرها سقوط اخر شهداء الثورة الرفيق محمود التومي يوم 8 ماي 2011 بمنطقة سليمان بجهة نابل دفاعا عن مكاسب الثورة.
ولكن الانتخابات موضوع آخر، الانتخابات عملية معقدة تلعب فيها «ماكينات» سياسية عديدة ادوارًا حاسمة ومن أبرز هذه الماكينات ما كان محسوبا على أجهزة الاستبداد والفساد في عهد المخلوع يضاف الى ذلك ما سبق وان اشرنا إليه من ادوات مالية ومادية واعلامية سخرت للبعض وحجبت عن الآخرين بارادة سياسية داخلية وخارجية فضلا عما اشرنا اليه من اخطاء سابقة مثل التعويل الخاطئ على آليات قطاعية ليست الانتخابات السياسية العامة مجالا لفعلها الناجع.
وماساد خطابَنا وخطابَ عديد الاحزاب المناضلة من قطيعة فعلية مع وجدان الناس وتطلعاتهم لمباشرة مشاغلهم الملموسة.
كل هذه عوامل جعلتنا وجعلت غيرنا خارج التمثيلية الجدية في المجلس التأسيسي حتى شاع بين الناس أغلب أحزاب الثورة وجدت نفسها على هامش المجلس التأسيسي في الوقت الذي حققت فيه أطراف لا علاقة لها بالثورة نتائج بوّأتها مواقع متقدّمة.
وهذا لا يعني من جانبنا طعنا في شرعية من وقع انتخابه ولا طعنا في شرعية العديد ممن وقع انتخابهم، ولكن الوقائع كانت على تلك الصورة التي ذكرناها والتي قيمناها بموضوعية، على ضوء ذلك التقييم نحن نصوغ توجهاتنا الحالية.
• علاقة التماهي التي تربطكم بالاتحاد العام التونسي للشغل لم تكن سندًا قويا في الانتخابات التي جرت يوم 23 اكتوبر، فهل خذلتكم الطبقة العاملة أم أن أطروحاتكم كانت متعالية على طبيعة الاستحقاقات الجوهرية ؟
أوّلا نحن حزب سياسي لنا علاقات جيدة بالاتحاد العام التونسي للشغل ونحن شديدو الحرص على استقلالية هذه المنظمة وعلى استقلالية السياسي على النقابي، لذلك فان عبارة التماهي لا تتوافق مع علاقة حزبنا بالاتحاد ولا أخفيك سرًا اذا ما قلت لك إن أحد العناصر الاساسية في تمشياتنا التي ترتبت على القراءة الموضوعية لما حصل، هو استبعاد شبهة التماهي هذه.فالاتحاد نقابة يمكن ان تجمع اطيافا سياسة عديدة ولاءات المنظوين تحتها السياسية بالضرورة متعدّدة ومن الخطإ الاعتماد عليها كرافد في المردود الانتخابي السياسي فضلا عن كونها رائعة لذلك العمل.
وقد كانت فترة الاستبداد التي تميزت بالتضييق على حرية التنظم السياسي سببا في الكثير من التداخلات بين السياسي والنقابي.
وقد كان التذرّع بالتخفي في اتحاد الشغل والاحتماء بمظلته من البطش والقمع جزءا من مبرّرات ذلك التماهي الذي تحدثتم عنه وجزءًا كذلك من عوامل نشوء انحرافات النقابيين التي تعني الخلط بين السياسي والنقابي وذوبان السياسي في النقابي وامحاء الخطاب السياسي في سياقات نقابويّة لا تحكمها المواقف النضالية دائما بقدر ما تحكمها التوازنات النقابية اذا لم تكن اغراءات النفوذ النقابي ومستلزماته المادية.
• بعد أن أفنى الأستاذ عبد الرزاق الهمامي حياته في النضال الماركسي وفي الكتابة الفكرية والنظرية، ما الذي غيرته الثورة ونتائجها في رؤيته للمجتمع ولبنيته الذهنية؟
الثورة التي نراها مسارًا (ومازال بصدد التبلور) اثرت فينا كثيرًا، اوّلا اعتبرنا ان ما جدّ من احداث جسام خرجت فيها جماهير الشعب في الارياف المعدمة وفي احياء المدن الفقيرة وتضافرت فيها جهود المهمشين من شبابنا وجماهير شعبنا رجالا ونساء مع القوى السياسية والنقابية والاجتماعية المنظمة والخارجة عن اي تأطير كلّها اثبتت في نظرنا صحة مقولات الطرح الوطني الديمقراطي الذي كان يؤكد على ان الثورة مازالت فعلا ممكنة استكمالا لمهام التحرّر الوطني وتحقيقا لديمقراطية فعلية سياسية واجتماعية في اطار تقدّمي اهدافه الكبرى التحرّر من اي هيمنة وتحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة والمساواة.
ولكن هذه القناعة ايضا ارتبطت بدرس مهمّ اخر هو درس المستجد الواقعي وهو ان المسارات الثورية لا تتم وفقا لاي من القوالب الجامدة بل هي فعل ابداعي اجتماعي حقيقي تباشره الجماهير وقد كان الدرس التونسي راڈئدًا في هذا المجال وذلك ان المسار لم يكن مؤطرًا تأطيرًا احاديا من اية قوّة سياسية او جمعياتية مهما كان شكلها لقد كانت المساهمات عديدة ومتضافرة ولكن الطابع الشعبي والعفوي والتقدّمي العام هو الذي كان سائدًا . الثورة واقع حي وليست خطة او مؤامرة او سيناريو يُعدّ سلفا. وهذا لا ينفي تعدّد المؤامرات والالتفافات المتكرّرة من اطراف داخلية وخارجية مورست ومازالت تمارس والشواهد عليها عديدة.
• لو توحّد حزب العمل الوطني الديمقراطيث مع حركة الوطنيين الديمقراطيين، هل كانت نتائج انتخابات المجلس الوطني التأسيسي ستكون افضل مما حصل؟
رغم ان هذا السؤال يحيل على قضية افتراضية، اي انها ليست واقعية في الفترة التي نتحدث عنها، الا انه بكل تأكيد النتائج كان يمكن ان تكون أفضل حتى وان كانت هذه الافضلية ليست بالقدر الحاسم المطلوب. لان ذلك التوحد حول قائمة انتخابية في غياب ادراك الدروس الخطيرة للتجربة والتي لم تكن مستوعبة ما كان له ان يغير جوهريا من النتائج.
• في نهاية الأمر، قرّرتم الاندماج مع حركة الوطنيين الديمقراطيين، فهل تعتقدون ان هذا الاندماج قادر على تحويلكم إلى رقم صعب في الساحة السياسية؟
نحن لا نطمح إلى أن نكون رقما صعبا في الساحة السياسية، نحن نطمح إلى ان نكون حزبا ناجعا في ادائه السياسي وفيا لاهداف الثورة وخادمًا لمصالح الجماهير، وجديرًا بنيل ثقة أبناء تونس.
التوحد هو خطوة حتمية لادراك هذا الهدف ولكنها ليست الشرط اللازمَ وحده لتحقيق ذلك.
• شرعت عديد الأطياف في التوحد والاندماج وتكتل، لكن حزب العمل وحزب العمال والحزب الاشتراكي اليساري وحركة الوطنيين الديمقراطيين ظلت مشتتة رغم أن ما يجمعها بات اكثر مما يفرقها، ماهي عوائق التجاوز بنظركم؟
هناك وعي ايجابي في الساحة السياسية بضرورة الخروج من واقع التشظي غير المبرّر من الامثلة البارزة على ذلك الوعي الجديد لدي أغلب الوطنيين الديمقراطيين الذين يحملون مرجعية فكرية واحدة وتحليلا سياسيا واحدًا ومواقف نضالية واحدة.
ومن مظاهر النضج نشوءُ جبهات والتقاءات سياسية تعبر عن حاجة توحيد الجهود إلى انجاز مهام نضالية مشتركة والنهوض بالاستحقاقات السياسية التي يحتمها الواقع السياسي في البلد.
كلّ توحد جدّي وكل عمل جبهويّ مسؤول هو لبنة بنّاءة ومقيدة في صرح الحياة السياسية التونسية تسهل على المواطنين الاختيارَ الحرّ والواعي بين مشاريع متبلورة في قواسم كبيرة بعيدًا عن ضبابية التشتت والتعدّد العبثي في الحياة السياسية.
بهذا المنظار نحن ننظر إلى واقع عمليات الالتقاء في درجاتها المختلفة ولهذا السبب نحن نتوجه بكل واقعية للتوحد مع من ينبغي التوحد معه (في قضية الحال كل المنتمين إلى الخط الوطني الديمقراطي والتكتل في عمل جبهوي مع كل من نلتقي معهم حول محور الوطني دفاعا عن استقلالية القرار السياسي لبلادنا وانتصارًا لقضايا التحرّر والتوحد في وطننا العربي ومناهضة اعداء أمتنا فمن امبرياليين وصهاينة كما نلتقي مع المدافعين عن مشروع مجتمعي قوامه دولة مدنية بمؤسسات ديمقراطية ودستور تقدّمي يجسد شعار الجمهورية الديمقراطية ذات البعد الاجتماعي كما نلتقي مع كل القوى المدافعة عن الحقوق الاجتماعية، والاقتصادية للشعب تحت مظلة اجتماعية توفر الحياة الكريمة لكل ابناء تونس.
• في الوقت الذي نلمس فيه مدّا دينيا وسلفيا كبيرا هل يمكن أن يكون هذا المعطى السياسي الجديد دافعا مهمّا لتوحيد اليسار والقوى الديمقراطية والتقدمية؟
انا اعترض على مقولة المدّ الديني نحن لسنا ازاء مدّ ديني ولا اعتقد ان بين القوى السياسية الجدية في تونس من هو ضدّ الدين او التدين واعتقد ان المصطلح المناسب هو تصاعد مشاريع الارتداد على المكاسب المستنيرة لشعبنا والتي لا تتنافى مع هويتنا العربية الاسلامية والتي تقف وراءها قوى سياسية واجتماعي رجعية في الداخل والخارج لها مصالح تتناقض مع اجواء الحرية والديمقراطية والمساواة.
لذلك تفتعل المعارك الجانبية، وتتستر دون وجه حق بالدين والهوية ويخدم مخططات الهيمنة على بلادنا ووطننا الذي يراد ابقاؤه تحت السيطرة واخضاعه إلى صيغ جديدة من استبداد ولا يتم ذلك الا بارجاعه الى عصور الظلام.
• هل تعتقدون أن الطرح السياري بات سجينا داخل ماركسيته وغريبا داخل مجتمعه وماهو السبيل كي يحضر بحجم تضحياته ؟
للتوضيح، فإن الطرح السيار أوسع من الاحتكام إلى المرجعية الماركسية، ومن الحيف التاريخي في حق عديد القوى المناضلة حصر اليسار في الماركسية رغم ان الفكر الماركسي تيار أصيل ومناضل وفاعل ضمن تيارات اليسار واليسار الديمقراطي والاجتماعي الجديد يضم طيفا واسعا من المرجعيات ومن القوى السياسية التي يمثلها.
ونحن نريد ان نتعامل مع السيار بما هو عليه من تنوّع وكراء ربما هو مشروع للتغيير الايجابي في اتجاه التقدّم والعدل الاجتماعي. في اتجاه الديمقراطية الفعلية والحرية والناجزة للشعب وللافراد.
ولا شكّ في ان الخطاب اليساري مطالب بتجديد نفسه رؤية وصياغة وعليه كذلك تجديد أدوات عمله آليات فعله السياسي.
ولعلّ دروس الثورات الشعبية في الوطن العربي سواء في انطلاقاتها او مساراتها المتعرّجة او تصديها لمحاولات الالتفاف عليها هي اطار الخصب لتجديد هذا الخطاب وتفعيله واخراجه من بؤس القوالب الجامدة والنماذج الاحادية التي لا تنتج الفعل الناجع لان الثورات ليست فعلا مكرّرًا، بل ابداعات متجدّدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.