لا تزال العلاقة بين حركة النهضة والجبهة الشعبية تعتريها حالة من القطيعة التّامة والتوجّس والضرب تحت الحزام - بشكل أو بآخر- رغم كلّ التطوّرات والتقلّبات التي عرفها المشهد السياسي في الفترة الماضية. ما من شكّ أنّ اغتيال القياديين بالجبهة شكري بلعيد ومحمد البراهمي ، في زمن حكم الترويكا التي كانت تهيمن على مفاصل الدولة فيها وقتئذ حركة النهضة ، زاد في تعميق الخلافات و تشعّب الاتّهامات التي يتداخل فيها الموضوعي بالسياسوي لتفرز جفاء وضغائن ما انفكت تتعاظم رغم مداراة القيادات الحزبية لكلا الطرفين لخطابات الكره والحقد الصفيق الذي يتجلى في مواقف وآراء القواعد. هذه القطيعة الراديكالية التي تكتنف علاقة طرفين يعتبران من الفاعلين الرئيسيين في الخارطة السياسية الراهنة،عادت لتطفو على السطح منذ بدأ الحديث عن مسألة تشكيل الحكومة المقبلة. رفضت الجبهة الشعبية الدخول في أيّ فريق حكومي تكون النهضة جزءا منه داعية "خصمها اللدود" إلى تجرّع طعم المعارضة في مناخ ديمقراطي مخالف لما كانت عليه الأوضاع زمن الاستبداد والفساد بعد تجربة توصف بالفاشلة في سدّة السلطة. وبدا واضحا أنّ النهضة تسعى بدورها إلى "إبعاد" الجبهة بطريقة مبطّنة عن دائرة الأطراف المتفاوضة حول المسار الحكومي مبرزة إيّاها في موضع "النشاز". اليوم أمست علاقة كلا الطرفين محلّ تساؤلات جمّة في ظّل وهج سيل الاتّهامات الخطيرة و"الدسائس" السياسية التي تحاك من هذه الطغمة ومن تلك: فهل هو صراع محموم من أجل البقاء والمراهنة على توجيه بوصلة حركة نداء تونس باعتبارها قطب الرحى في العملية السياسية المنبثقة عن الانتخابات الرئاسية والتشريعية نحو الخيار الأنسب في نظر أحدهما؟ أم هي غلبة نسق ذهني إقصائي محنّط بالايديولوجيات البائسة التي دفعت ثمنها البلاد بعد أن خسرت سنوات كانت كفيلة بالدفع بتونس في قاطرة البلدان الديمقراطية التي يحكمها حقّ الاختلاف وشريعة ادارة الصراعات السياسية والخلافات الفكرية وفق أسس مدنية متحضّرة تنطوي على مبدإ التعايش الديمقراطي؟ أسئلة قد لا نملك لها أجوبة شافية وضافية لكنّنا على قناعة بأنّ طرحها في هذا التوقيت المفصلي بالذات من تاريخ البلاد التي يتسمّ مستقبلها بشيء من الضبابية والمخاوف المشروعة من شأنه وضع الاصبع على داء خبيث لطالما اكتوى الشعب برمضاء نتائجه وتداعياته مجتمعيا وسياسيا.