صدر عن مركز محمد بنسعيد آيت ايدر للأبحاث والدراسات بالدار البيضاء كتاب جديد بعنوان " شيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي السلفية المستنيرة". وتضمن هذا الكتاب، في 191 صفحة، أشغال الندوة التي انعقدت في الرباط، بمشاركة عدة باحثين، حول سيرة الشيخ ومواقفه وعلاقاته برموز السلفية في المغرب العربي مع تقديم مقاربات متنوعة حول الإسلام من منظور السلفية. وقد تلقى الشيخ محمد بن العربي العلوي المدغري (1880 1964) تعليمه الأولي في تافيلالت ثم انتقل إلى فاس حيث تابع دراسته بجامعة القرويين التي تخرج منها فقيها متمكنا من العلوم الدينية، وتأثر بالفكر السلفي المشرقي الذي كان يمثله محمد عبده والأفغاني كما تأثر بهما من المغاربة الشيخ المهدي الوزاني وأبو شعيب الدكالي. وانعكس ذلك في دروسه التي لقيت إقبالا كبيرا وكان من طلبته محمد علال الفاسي. وعايش الشيخ العلوي، الذي عيّن قاضيا سنة 1915، مراحل هامة من تاريخ المغرب ولا سيما خلال مرحلة الحركة الوطنية حيث ساند عبد الكريم الخطابي، وعارض الظهير "البربري"، ودافع عن الوطنيين عند تعرضهم للقمع من السلطات الاستعمارية الفرنسية، وقدم استقالته سنة 1944 من وزارة العدل في حكومة المخزن وتم نفيه مرتين ثم وضعه تحت الإقامة الجبرية، وكان من المؤيدين لمحمد الخامس ورفض بيعة ابن عرفة. وبعد الاستقلال تقلد منصب وزير التاج الذي استقال منه سنة 1960 بسبب ميله لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. وعرف عنه تحدي الجمود والانغلاق والتقاليد البالية وكان في مقدمة الداعين إلى تعليم المرأة المغربية وكان يحث طلبته على تعلم اللغات الأجنبية وأعطى للسلفية مفهوما متحررا ومنفتحا يدعو إلى التيسير والتسامح ونبذ التشدد والمغالاة. ومن بين المداخلات التي احتواها الكتاب مقارنة "بين السلفية المستنيرة والسلفية المتزمتة" قام بها الأستاذ محمد المصباحي الذي اعتبر أنه رغم رجوعها للنصين المؤسسين للحضارة العربية الإسلامية، القرآن والحديث، فإن العقل والحرية هما مدار السلفية المستنيرة للرعيل الأول من الوطنيين المغاربة الذين كانوا يسعون وراء استقلال بلادهم وتحريرها من التبعية الخارجية، ولذلك كانت كلمة السلفية في المغرب مرادفة للوطنية ولمقاومة الاستعمار بعيدا عن الجذب والتواكل والخرافات والشعوذة وانتظار الكرامة. بينما انتشر في العقود الأخيرة تشدد سلفي قائم على تصور محافظ ومنغلق للإسلام أفرغه من محتواه الحضاري وبعده الأخلاقي والإنساني. وفي مداخلة أخرى، تطرق الأستاذ مولود عويمر إلى صلة الشيخ محمد بن العربي العلوي بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين. أما المؤرخ التونسي الأستاذ عبد اللطيف الحناشي فكانت ورقة العمل التي قدمها بعنوان "عبد العزيز الثعالبي رائد السلفية المستنيرة في المغرب العربي" أبرز خلالها تطور السلفية مفهوما وممارسة، من السلفية البدوية لمحمد بن عبد الوهاب الذي كان يعبر عن اتجاه مذهبي ذي بعد سياسي نتيجة ارتباط دعوته، المتمحورة حول التوحيد، بآل سعود، وصولا إلى السلفية الحديثة أو المستنيرة التي ارتبطت بالحركة الإصلاحية الإسلامية في إطار حركة النهضة العربية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ونزوعها العقلاني المتأثر بالعلوم والمعارف الغربية وعملها على تحرير الفكر من قيد التقليد وإصلاح المؤسسات التعليمية والدينية، وهي ما تأثرت به السلفية الوطنية المستنيرة في المغرب العربي ومن أهم رموزها في تونس الشيخ الزيتوني عبد العزيز الثعالبي (1876 1944) الذي واجه المحافظين من شيوخ الزيتونة وانتقد الطرقية وحوكم سنة 1904، كما أسهم في حركة "الشباب التونسي" وأسّس الحزب الحر الدستوري التونسي سنة 1920، و تميزت أفكاره، التي عبر عنها مثلا في كتاب "روح التحرر في القرآن"، برفض التزمت والدعوة إلى التأويل والتسامح بين الأديان ونشر التعليم وتحرير المرأة المسلمة.