السعوديّة تقود تحالفا إسلاميّا عسكريّا لمحاربة الإرهاب. نعم. هذه ليست دعابة سمجة من أحد المصطادين في المياه العكرة ولا هي تلميح ماكر يغمز من قناة المملكة. بين عشيّة وضحاها، أفاق العالم على عزم القيادة السعوديّة تشكيل تحالف إسلامي لمحاربة الإرهاب. لم يكنْ مهمّا البحث عمّن ندبها لهذه المهمّة الربّانيّة، ولا كان من اللاّزم حتّى استشارة الحلفاء المحتملين للدخول في مثل هذه الحرب المقدّسة. مجرّد استخارة، ليلة القرار، كانت كافية للخروج علينا بهذا الإعلان مع صباح اليوم التالي. أربع وثلاثون دولة عربيّة وإسلاميّة وإفريقيّة تشكّل هذا التحالف الإسلاميّ العسكريّ الذي ندبت السعوديّة نفسها لقيادته، واتّخذت الرياض له مقرّا به تُدار غرفة العمليّات والتنسيق الأمنيّ الاستعلامي واللّوجيستي والقتالي أيضا. تقول التصريحات السعوديّة التي تكاد تنفرد لحدّ الآن بالحديث عن التحالف إنّه موجّه ضدّ الإرهاب مهما يكن مأتاه سنّيا كان أم شيعيّا فيما تأتي التصريحات الأمريكيّة بأنّه تحالف إسلاميّ عسكريّ يتماشى مع دعوات أمريكيّة سابقة لتأكيد دور أكبر للسنّة في محاربة الإرهاب. تحالف آخر يتمّ إطلاقه رغم وجود تحالف دوليّ قائم تقوده الولايات المتّحدة منذ أكثر من عام في العراق وسوريّة ضدّ تنظيم "داعش" باء بالخيبة والخسران، وبات مثارا لكثير من الشكوك بخصوص جدّيته وصدق مقاصده، فضلا عن تحالف عربيّ قائم في اليمن تقوده السعوديّة نفسها ضدّ الحوثيّين وأتباع علي عبد اللّه صالح لم يحقّق نتائج ملحوظة على ميدان المعركة. ما يزيد الاشتباه والريبة في هذا التحالف الإسلاميّ أنّ من الدول التي تجتمع فيه دولاً تُتّهم بإنتاج التعصّب وتفريخ الإرهاب أو بدعم التنظيمات التكفيريّة أو تمويل أنشطتها الإرهابيّة في العراقوسوريا وليبيا على وجه الخصوص شأن المملكة نفسها وقطر وتركيا وغيرها، وأنّ دولا وازنة في المنطقة والعالم الإسلامي تغيب عنه كالجزائروالعراق وعُمان وسوريا وإيران. لقد بات من الجليّ أنّ استفاقة الضمير السعودي بإشارة من الولايات المتّحدة ما كان لها أن تكون لولا التدخّل الروسي في سوريا لضرب مواقع الدواعش وقطع خطوط إمداداتهم بالذخيرة والعتاد والمؤونة التي يقايضونها مقابل شحنات النفط العراقي والسوري المنهوب والواقع في مجال "دولتهم"، ولولا الإلحاح الأمريكيّ – كما جاء على لسان السناتور جون ماكين مسؤول اللّجنة العسكريّة في الكونغرس - على ضرورة تعبئة قوّات برّية من جيوش "الدول السنّية" قوامها نحو 100 ألف جنديّ لتحارب أهدافا بعينها، وتستهدف بالوكالة مهامّ مسطّرة على الأجندا الأمريكيّة في المنطقة. على أنّ هذه التكتيكات الآنيّة ليست معزولة عن رياح التغيير التي عصفت بالمنطقة منذ سنوات، وما تقتضيه من إعادة تفعيل سياسات قديمة جديدة تعمل على توجيه المسارات والتحوّلات الجغراسياسيّة عبر إغراق دول المنطقة في نزاعات مذهبيّة ودينيّة، وهو ما يسهم في إعادة رسم خارطة المنطقة لتظلّ دوما رهن المعادلات الإقليميّة والدوليّة القائمة والناشئة. بعد تفتيت قدرات العراق منذ 2003، وشنّ حرب دوليّة على سوريا منذ 4 سنوات، ومحاولة رشوة مصر بالمساعدات، والعمل على عزل الجزائر، تسعى السعوديّة لزعامة المنطقة العربيّة عبر جرّ الدول العربية والإسلاميّة الدائرة في فلكها إلى أحلاف سياسيّة وعسكريّة لا تؤمن عواقبها. من البديهيّ القول إنّ محاربة الإرهاب الإسلامويّ لا تكون بإعداد الجيوش الجرّارة بقدر ما تكون من خلال تجفيف منابعه الفكريّة وقطع مسالك تزويده بالمال والعتاد فضلا عن كفّ الأذى وعدم التدخّل في شؤون البلدان الأخرى تارة بعنوان الجهاد وطورا لنصرة هذا الفريق أو ذاك وطورا ثالثا بفعل ثارات قديمة. معالجة أصل الداء أولى من علاجات قشريّة لا تغرق المنطقة في أتّون حروب أهليّة ومذهبيّة قروسطيّة فحسب، ولكنّها تمدّ الإرهابيّين، أيضا، بأسباب الاستمرار والبقاء وبمزيد من الحشد والتعبئة.