أليس رئيس الحكومة، بحكم الموقع و الخبرة، هو الأكثر قدرة على الاطلاع على الأوضاع الحقيقية للمسألة الاقتصادية؟ بالتالي إذا كان السيد "الحبيب الصيد" مقتنعا بالتوصيف الكارثي للوضع الاقتصادي حسب ما ينفخ به بوق رئاسة الجمهورية بصورة فجائية، فكيف يصر على عدم تقديم استقالته بما يعني رغبته في مواصلة مشواره في تسيير دواليب الحكومة؟ هل من المعقول أن يصر رئيس الحكومة على البقاء الى حين حصول الكارثة؟ من الناحية الاقتصادية يمكن القول أن هذه الأجواء الفزاعية ليست جديدة. كان الأمر أشد في فترة حكومة "حمادي الجبالي"، و تنادت الأصوات من هنا وهناك لمعالجة الوضع الاقتصادي. ساعتها نادى الشهيد شكري بالعيد بحوار وطني جدي حول منوال التنمية. ولكن تلك حكومة الجبالي لم تنسحب إلا لحظة اغتيال الشهيد. ثم هل كان الحل جذريا أم هو وصفة سياسية جديدة لصالح حركة النهضة دون أن تكون لصالح الشعب طبعا؟ اليوم، نستغرب بكل مرارة هذه المسرحية الأكثر اتقانا، غالبية التونسيين يشعرون بسوء الوضع الاقتصادي من قبل ما يتفوه التنين لكن النار التي قذف بها رئيس الجمهورية نجحت في جعلهم واقفين على فوهة البركان. بصفة عامة التونسي منهك نفسيا لحالة عدم الاستقرار و الخوف من المستقبل القريب خاصة، و أن الوضع العربي يسهم في امتداد سحب الكآبة والخوف من الوقوع في الفوضى العارمة. يتم استغلال هذه الحالة السيكولوجية بكل اتقان ويظهر الرئيس في موقع المريد لإنقاذ البلاد، و هذا من صلب مهامه افتراضيا. ألا يتطلب الامر شفافية وتحمل جدي للمسئولية، على افتراض ان رئيس الحكومة فاشل فمن أتى به؟ ألا يتحمل سيادة الرئيس هذه المسؤولية؟ من أسهم في انشقاق نادي نداء تونس حسب التوصيف العميق الساخر للكاتب "صافي سعيد"؟ ألم تكن بذور الفشل منذ البداية؟ الم يكن منتظرا قياسا للدعاية الكاذبة في الحملة الانتخابية من حيث العلاقة مع حركة النهضة، و من حيث الادعاء ان لنادي نداء تونس برنامج اقتصادي قام بإنشائه 50 خبيرا اقتصاديا، ان تتولى شخصية قيادية في هذا النادي لتكوين حكومة؟ من فاجأ الجميع و عيّن السيد "الحبيب الصيد"؟ إن توصيف رئيس الجمهورية لأسباب الازمة الاقتصادية أرجعه الى تعطيلات الانتاج لفسفاط قفصة، و لم ينطق بكلمة حول الفساد، فمثلا باجة تغص بمخازن السكر إلا ان الدولة او عصابة معينة تستورد السكر وتونس تغص بالسيارات وعوض ايقاف نزيف استنزاف العملة بإيقاف استيراد السيارات لسنة على الأقل يتم فتح نيابات جديدة و تونس ذات انتاج وفير من اللوز و يتم استيراد كميات من اللوز بدعوى تعديل الاسعار و النتيجة طبعا ركون كميات هامة من اللوز التونسي في المخازن. هذه بعض الامثلة فقط على الاستنزاف الذي يعتبر السبب الحقيقي للتدهور الاقتصادي، هذا غيض من فيض، لكن دون أدنى اشارة الى هذه المسائل. إنها دولة العصابات. دولة الأدولة. و فقاعة الرئيس لا علاقة لها بالمسألة الاقتصادية سواء في التشخيص و الحل. انها بكل بساطة طبخة سياسية.