انتظم بقصر قرطاج صباح اليوم الاربعاء 13 جويلية 2016، موكب لتوقيع وثيقة أولويات حكومة الوحدة الوطنية والتي حملت اسم وثيقة "اتفاق قرطاج"، بإشراف رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي وبحضور الأحزاب والمنظمات المشاركة في مشاورات هذه الحكومة، إلى جانب شخصيات وطنية وسياسية ساندتها دون المشاركة فيها. حريّ بالإشارة إلى ان رئيس الجمهورية قد دعا مطلع شهر جوان الفارط إلى مبادرة لتكوين حكومة وحدة وطنية انطلقت على إثرها مشاورات بين عدة فعاليات سياسية ومنظماتية استمرت أكثر من شهر وشارك فيها كلّ من: الاتحاد العام التونسي للشغل، الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، حركة نداء تونس، حركة النهضة، حزب الاتحاد الوطني، حزب آفاق تونس، حركة مشروع تونس، حركة الشعب، حزب المبادرة الوطنية الدستورية، الحزب الجمهوري، حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي. وقد وقّعت جميع هذه الأطراف على وثيقة أولويات حكومة الوحدة الوطنية خلال الموكب الذي انتظم بالمناسبة والذي حضرته أيضاً شخصيات أخرى لم تشارك في المشاورات وإنما أعربت عن مساندتها للمبادرة على غرار مؤسس الحزب الجمهوري أحمد نجيب الشابي، الوزير السابق عبد الرحيم الزواري، أستاذ القانون الدستوري الصادق بلعيد، الأمين العام للحزب الاشتراكي محمد الكيلاني، عضو مجلس نواب الشعب مهدي بن غربية، عميد المحامين السابق محمد الفاضل محفوظ، ومحمد الفاضل خليل. الصيد يرفض الاستقالة... وعلى الرغم من حضور رؤساء كتل نيابية لموكب التوقيع إلى جانب رئيس مجلس النواب محمد الناصر، فقد كان لافتاً غياب ممثل عن الحكومة ورئيسها. ففي الوقت الذي كانت فيه فعاليات سياسية متعددة تحتفي بإشراف رئيس الجمهورية بتوقيع اتفاقية تتضمن أولويات حكومة الوحدة الوطنية، كان قصر القصبة مشغولاً باجتماع وزاري ترأسه الحبيب الصيد. تزامن إشراف الحبيب الصيد على مجلس وزاري مع موعد موكب توقيع وثيقة "اتفاق قرطاج" لم يكن محض صدفة، بل هو رسالة واضحة مفادها ان الصيد لن يقدّم استقالته من الحكومة، وأن إقالته لن تكون إلا عبر مجلس نواب الشعب، خصوصاً انه أكد خلال هذا الاجتماع ان حكومته ليست حكومة تصريف أعمال وأنها ستواصل الاضطلاع بمهامها إلى أن يتمّ إقرار خلاف ذلك. جدير بالذكر انه يحقّ دستورياً لرئيس الحكومة أن يتقدّم بمطلب إلى مجلس نواب الشعب لتجديد الثقة له باعتماد التصويت بالأغلبية المطلقة وانه في حال تمّ ذلك لا يمكن لرئيس الجمهورية والنواب ان يوجهوا لائحة لوم ضده قبل انتهاء مدة 6 أشهر من تاريخ تزكية الحكومة. إلا ان هذا السيناريو يبقى مستبعداً نظراً لكون مبادرة الباجي قائد السبسي تحظى بتوافق كبير وبمساندة واسعة من مختلف الكتل النيابية. فضلاً عن إعلان رئيس الجمهورية ان الحبيب الصيد قد خيّر التوجه إلى قبة البرلمان ليبيّن كلّ ما أنجزته حكومته وان مجلس نواب الشعب هو من سيقرّر بقاء الصيد من عدمه، مؤكداً في الآن ذاته ضرورة تطبيق المشروع الدستوري - في إشارة إلى وثيقة "اتفاق قرطاج" - الذي وقعت عليه عدة أطراف. رئيس حكومة ندائي.. أو مستقل؟! ولئن شدد الباجي قائد السبسي على احترامه وتقديره للحبيب الصيد، فإن ما صرّح به اليوم يحسم مسألة الإبقاء على هذا الأخير أو إبعاده ويؤكد انه لم يعد يرى فيه الشخص المناسب لقيادة المرحلة الحالية، خاصة مع إصرار حركة نداء تونس على إقالة رئيس الحكومة الحالي وتمسّكه بأن تترأس المجلس الوزاري القادم شخصية "ندائية". هذا علاوة عن سحب حركة النهضة البساط من تحت الحبيب الصيد وتراجعها عن دعمه، حيث ان الحركة التي طالما كانت سنداً للصيد رغم انها لم تكن الجهة التي اختارته لترأس الحكومة إثر انتخابات 2014، بل إنها واصلت مساندتها له خلال الفترة الأولى من المشاورات وتمسّكت به ليواصل مهامه على رأس الحكومة المرتقبة. إلا أنها موقفها شهد تغيراً مفاجئاً مؤخراً توَّجهُ أمس زعيمها راشد الغنوشي عندما طلب من الصيد في لقاء غير معلن الاستقالة. وتبرّر النهضة تغيّر موقفها من الصيد بتغيرّ "الظروف" والمواقف إلى جانب ضغوطات الأوضاع الحالية وقلقها من مدى قدرة الحكومة الحالية على تنفيذ ما جاء في وثيقة أولويات حكومة الوحدة الوطنية، إلا أنها تؤكد ضرورة إيجاد مخرج مشرّف للصيد الذي تعتبره شخصية وطنية. كما تشدّد النهضة على ضرورة أن يتمتع رئيس حكومة الوحدة الوطنية بتمثيل حزبي واسع دون أن تبدي أي رفض لمبدإ أن يتولى قيادي في نداء تونس رئاسة الحكومة. غير أن مواقف النداء والنهضة المتجانسين سيصطدمان بموقف المنظمة الشغيلة التي تتمسك بضرورة أن يكون رئيس الحكومة المقبل مستقلاً، إلى جانب موقف منظمة الأعراف التي تساند تمشي رئيس حكومة مستقل، بالإضافة إلى أحزاب المعارضة التي أعرب بعض ممثليها على غرار الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي عن رفضهم لاختيار رئيس حكومة ندائي ولمبدإ المحاصصة الحزبية في تشكيل الحكومة. صيف سياسي ساخن.. إن الانتهاء من المشاورات المتعلّقة بأولويات حكومة الوحدة الوطنية ليس إلا الخطوة الأولى في مسار تكوين هذه الحكومة، وهي خطوة تجاوزت الآجال التي كانت محدّدة لها حيث انه كان من المفترض أن يقع الإعلان عنها قبل عيد الفطر. وأمام الرؤى المختلفة للمشاركين في المشاورات التي ستنطلق بداية الأسبوع المقبل لتبحث تركيبة حكومة الوحدة الوطنية وهيكلتها، فإنه من المرجّح أن تشهد تونس صيفاً سياسياً ساخناً خصوصاً في ما يتعلّق باختيار الشخصية التي ستتولى رئاسة هذه الحكومة ومن ثمّ تركيبتها والجهات والأطراف التي سترغب في المشاركة فيها. ورغم تأكيد مختلف الفعاليات ضرورة الإسراع في الإعلان عن الحكومة الجديدة، يلوّح التباين في وجهات النظر بينها بأن هذه الأخيرة لن تبصر النور قبل فترة طويلة من النقاشات والتنازلات والترضيات.