بعيد الثورة،وفي غمرة الطفرة الحزبية التي عرفتها تونس سنة 2011 في أعقاب سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي،لم يكن يدور بخلد الشاب الثلاثيني يوسف الشاهد رئيس حزب طريق الوسط آنذاك أنّ نجمه سوف يصعد كالبرق ليتحوّل في ظرف وجيز ناهز ال 5 سنوات ونيفا من سياسي مغمور إلى أصغر رئيس للحكومة في تاريخ تونس المعاصر والراهن. الشاهد الذي لا يعرف له ماض يذكر قبل الثورة سواء في الحراك الطلابي أو السياسي عايش الخيبة التي مني بها القطب الديمقراطي الحداثي الذي مثّل تحالفا انتخابيا جمع أحزابا يسارية وشخصيات من الحقل الثقافي في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي وهو ما جعله يغيّر مساره وخياراته حينما التحق بالحزب الجمهوري صحبة آفاق تونس ومستقلين وبعض الكيانات الحزبية الاخرى في المؤتمر التوحيدي في أفريل 2012. لكن سرعان ما لبث أن قفز من مركب الحزب الجمهوري لينسلخ بمعية لفيف من القيادات السياسية التي عرفت وقتذاك ب"مجموعة سعيد العايدي" حيث التحقوا بحركة نداء تونس أواخر العام 2013 ليراهنوا بذلك على جواد سياسي "رابح" هو الباجي قائد السبسي. التقلبات والتطورات المتسارعة التي عرفها يوسف الشاهد في مسيرته السياسية القصيرة من الواضح أنّها أسهمت في انضاج أفكاره ورؤيته ولاسيما مقاربته في التعاطي مع واقع المعترك السياسي التونسي بتشعباته واكراهاته. وعلى امتداد فترة ترؤس قائد السبسي لحركة نداء تونس،لم يظهر الشاهد ضمن قيادات الصفّ الاوّل في الحزب الذي قلب موازين القوى مكبدا حركة النهضة نصف هزيمة في الانتخابات التشريعية الفارطة. وبوصول مؤسّس النداء إلى قصر قرطاج بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية،فتحت أبواب السلطة على مصارعها أمام يوسف الشاهد الذي عيّن مطلع سنة 2015 كاتب دولة في حكومة الصيد الأولى مكلفا بالصيد البحري داخل وزارة الفلاحة التي يعدّ فيها خبيرا دوليا صلب هذا المجال بالاضافة إلى كونه شغل في وقت سابق خطّة أستاذ جامعي بفرنسا ضمن نفس التخصّص. في هذا المنعطف،يبدو أنّ طموحات السياسي المغمور الذي أغلق عقده الرابع من العمر قد تصاعدت خاصة بعد أن عيّنه الزعيم التاريخي لحركة نداء تونس الباجي قائد السبسي رئيسا للجنة ال 13 لحلّ أزمة الحزب التي انتهت حينئذ بانسلاخ رفاق الأمس وفي مقدمتهم محسن مرزوق الذي كان الشاهد شاهدا معه على كواليس إدارة الحملة الانتخابية الرئاسية على وجه الخصوص. صعود نجم حفيد المناضلة النسوية راضية الحدّاد لم يتوقف عند هذا الحدّ، بل إنّ السياسي الشاب الذي نال حقيبة الشؤون المحليّة في حكومة الحبيب الصيد الثانية في ظرف كان يفترض أن يقوم فيه بتهيئة ممهدات نجاح الانتخابات البلدية المرتقبة في العام 2017،أضحى اسمه متداولا في كواليس المطبخ السياسي لترؤس فريق حكومي جديد بعد اطلاق رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي لمبادرته الداعية لتشكيل حكومة وحدة وطنية من شأنها أن تخرج البلاد من أتون الازمة الخانقة التي تمرّ بها على جميع الاصعدة ولاسيما في المستويين الاقتصادي والاجتماعي. وبغضّ النظر عن مسألة علاقة المصاهرة غير المباشرة التي تجمع رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي برئيس الحكومة المكلف يوسف الشاهد الذي يتجه بخطى ثابتة ليكون سابع رئيس للحكومة في تونس بعد الثورة ، رغم كونه مثار جدل وتجاذبات وانقسام في الآراء صلب الشارع التونسي وفي صفوف مكونات الرأي العام الوطني ،فإنّ الأخير سيكون إزاء تحديّات جمّة واختبارات عسيرة قد تكشف النقاب أكثر فأكثر عن خصائص شخصيّة سياسيّة شابّة مجهولة لدى عموم التونسيين ولعلّ أوّلها تركيبة الحكومة القادمة وبرنامج عملها ومدى امكانية خضوعها لمنطق الترضيات الحزبيّة أو الشخصيّة الضيّقة ولاسيما مطب الولاء الأعمى لساكن قصر قرطاج وبطانته.