مرّت 100يوم على مصادقة المجلس الوطني التأسيسي في تونس على أول حكومة ائتلافية منتخبة تتزعمها حركة النهضة الإسلامية ويشارك فيها حليفاها: حزب المؤتمر من أجل الجمهورية وحزب التكتل الديمقراطي للعمل والحريات، وسط نذر بقرب المواجهة مع السلفيين ما أدى إلى تمديد حالة الطوارئ في البلاد. وفي حين آلت رئاسة المجلس الوطني التأسيسي لزعيم «التكتل» مصطفى بن جعفر ورئاسة الجمهورية لزعيم حزب المؤتمر منصف المرزوقي ورئاسة الحكومة الى أمين عام حركة النهضة حمادي الجبالي، وزعت الحقائب السيادية وخاصة الداخلية والعدل والخارجية على قيادات إسلامية كما آلت وزارات الصحة والفلاحة والنقل والتعليم العالي لشخصيات «نهضوية» ما أعطى الإسلاميين هيمنة شبه كلية على مقاليد الحكم. وبينما أثبت الجبالي قدرة على إحداث التوازن السياسي من خلال اعتماد براغماتية استثنائية في مخاطبة الرأي العام التونسي والخارجي، استطاع وزير الداخلية علي العريض الظهور بمظهر رجل الدولة الساعي إلى إعادة بعض جوانب الهيبة المشروخة إلى نظام الحكم، وبقيت وزارة الدفاع بقيادة عبدالكريم الزبيدي الوزي الوحيد الباقي من من حكومة الباجي قايد السبسي بعيدة عن الصراع السياسي، في وقت تعرضت أغلب الوزارات و لا سيما وزارة الخارجية و وزارات الخدمات إلى انتقادات واسعة من قبل المعارضة و الإعلام و الشارع الذي أصبح مهووسا بالسياسة في ظاهرة تونسية غير مسبوقة. انتقادات لاذعة ومن الانتقادات التي تعرضت لها حكومة الجبالي تعيين رفيق عبد السلام صهر زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي (زوج ابنته سميّة) وزيراً للخارجية والتقاء وزير الفلاحة محمد بن سالم و صهره سليم حمدان وزير أملاك الدولة في تشكيل حكومي واحد، وتعمد وزير شؤون المرأة سهام بادي توظيف ابنة زميلها عبد الوهاب معطر وزير التكوين والتشغيل في مكتبها، وتعيين وزارات ظل في مكتب رئيس الحكومة ، إضافة إلى تأجيل اتخاذ القرارات الضرورية وفيما يخص ضحايا الثورة ، وتراجع الاقتصاد بتراجع الاستثمار الداخلي والخارجي وجمود القطاع السياحي. وارتفاع نسبة البطالة، وغلاء الأسعار ووصولها إلى مستويات قياسية ، واتساع دائرة زلات ألسن المسؤولين الحكومية، وتهجم على الاعلام، والخلافات الحادة مع نقابات العمال، واتجاه حركة النهضة الإسلامية إلى تنصيب أتباعها في دوائر الحكم المحلي وخاصة في مهام الولاة «المحافظين» واستمرار الانفلات الأمني ، والبروز القوي للحركة السلفية، وارتفاع رايات الجهاد بسواعد شبان يعلنون صراحة ولائهم للحركات الجهادية ومنها تنظيم «القاعدة» . وانتشار خطابات التخوين والتكفير، والدعوات إلى قتل اليهود والعلمانيين، وحصول حالات تدنيس للمقدسات الإسلامية، وإنزال العلم الوطني دون أن تنجح الحكومة إلى حد الآن في إلقاء القبض على الشاب المتهم رغم امتلاك الجهات الأمنية لاسمه وصورته. إضافة إلى الانشقاقات الكبيرة والمؤثرة داخل حزبي المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي للعمل والحريات ، وظاهرة الاعتداء على المثقفين والعنف والمخدرات ، وهيمنة بعض التيارات الدينية المتشددة على نسبة مهمة من الجوامع والمساجد. خلافات حادة وفي ظل خلافات بين الرئاسات الثلاث وبروز بوادر أزمة حقيقية بين رئاسة الحكومة ورئاسة الدولة بسبب تجاوز المرزوقي لصلاحياته على حساب صلاحيات رئيس الحكومة، وفي ظل تنبيه وزير الداخلية العريض بضرورة الاستعداد لمرحلة صعبة في إشارة لقرب حدوث مواجهات مع الحركات السلفية الجهادية، واعلان رئيس المجلس الوطني التأسيسي عن خشيته من دخول البلاد دوامة العنف والفوضى، وبعد ان نشرت صحيفة «المغرب» اليومية تصريحا القائد الأعلى للجيش الجنرال رشيد عمار في اجتماع مغلق قال فيه إن «وقت الراحة قد انتهى» بات الشارع التونسي يعيش حالة قلق وخوف من تدهور الأوضاع الأمنية في البلاد خصوصا بعد تزايد أعداد السلفيين الجهاديين وعودة بعض وما يزيد من حدة التحديات في البلاد استمرار التوتر على الحدود الجنوبية الشرقية مع ليبيا وحالة الخلافات الصامتة مع الجزائر والتي تعود إلى التغير الواضح في تقاليد الدبلوماسية التونسية وتحولها إلى رهينة لحالة الاستقطاب الدولي الجديد. تمديد الطوارئ في هذه الأجواء، قرر الرئيس التونسي تمديد العمل بحالة الطوارئ المفروضة على البلاد منذ 14 يناير من العام الماضي، لمدة شهر وسط تزايد التحذيرات بقرب المواجهة مع التيار السلفي المتشدد. وقال الناطق الرسمي باسم الرئاسة التونسية عدنان منصر، في بيان، إن هذا القرار الذي سيتواصل العمل به لغاية نهاية الشهر الجاري «أُتخذ بالتشاور مع رئيس المجلس الوطني التأسيسي ورئيس الحكومة» وأضاف أن هذا القرار « أخذ في الاعتبار بعض الأخطار المحدقة بالوضع الأمني في البلاد، رغم ما شهده من تحسن خلال الأسابيع الأخيرة، وتعطل السير العادي لعجلة السلطة العمومية في بعض المناطق والجهات، من حين إلى آخر». وتُعتبر هذه الخطوة الخامسة من نوعها منذ بدء العمل بقانون الطوارئ في تونس في 14 فبراير من العام الماضي، وذلك بعد شهر من سقوط نظام الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي. آخر تعديل على الإثنين, 02 نيسان/أبريل 2012 16:29