شهدت ولايات الشمال الغربي خلال السنة المنقضية 2012 احداث مختلفة ومتنوعة ولئن كانت متشابهة في الشكل والمضمون فقد اختلفت من حيث خطورتها من مكان الى اخر لاسيما فيما يتعلق ببروز تحركات لمجموعات تابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي في المناطق الحدودية التونسيةوالجزائرية وبالخصوص في ولاية جندوبة وما تلاها من مواجهات مع قوات الامن والجيش انطلقت من المدن الى الارياف النائية وحجز لمعدات حربية كانت المجموعات السلفية بصدد تمريرها الى الجزائر وايصالها الى مالي مركز التنظيم. الاعتصامات والاضرابات وقطع الطرق وتأتي ظاهرة الاعتصامات) وقطع الطرق (اما للمطالبة بالتشغيل والتنمية او للمطالبة بالماء الصالح للشراب في مناطق تعد الخزان الاستراتيجي للمياه العذبة في تونس) والتي بلغت ذروتها في ربيع وصيف سنة 2012 والتي شملت كل المدن والطر ق بما في ذلك عدد كبير من القرى والاضرابات بمختلف اشكالها (اضرابات عامة ، اضرابات قطاعية ،اضرابات جوع...) والتي بلغت ذروتها في كل من مكثر ومدينة سليانة فضلا على وقفات الاحتجاجية متواترة (معطلين ، موظفين، عمال ،اصحاب اعمال حرة ،مدرسين واعوان امن ... وغيرهم ) وموجات اخرى شملت حرق مؤسسات خاصة وعمومية، اتت في صدارة هذه الاحداث التي وصفها مراقبون بالدامية والخطيرة لاسيما في ظل عجز السلطات على مواجهة مطالب المحتجين التي تستند الى مشروعية شهدت بها في خطاباتها الرسمية واهتزاز ثقة المواطن بالإدارة خاصة بعد تولي حركة النهضة الحكم. السرقات والتهريب : سجلت السرقات التي شملت مؤسسات عمومية (مدارس معاهد مستشفيات وضيعات فلاحية وشركات خاصة في بيع المواد المنزلية بدرجة اساسية ومساكن ومواشي ... سجلت ارتفاعا لافتا لاسيما وانه تزامن مع تراخ امني وقضائي يرى البعض ان له مبرراته لاسيما وان الضغوط الممارسة على هذه الاجهزة وغياب الضمانات الفعلية لعملها واستقلاليتها واستمرار منطق الولاء للأقوى تحت مسوغات مختلفة حالت دون قدرة هذه المؤسسات والاجهزة على القيام بالدور الذي يرتقي الى مستوى مقاومة تلك الجرائم والانفلاتات المهددة لأمن المواطنين وسلامتهم وسلامة المؤسسات العمومية والتي انتهت احيانا بإزهاق ارواح بشرية. كما توسعت دائرة التهريب والتي شملت في جزء كبير منها تهريب الوقود والحديد والابقار والمرجان والتجهيزات المنزلية على غرار المكيفات والاسلحة بمختلف اصنافها، بشكل لم تعد لأجهزة الدولة قدرة على مقاومة قطاع كبير منها الا وهو تهريب الوقود الذي ساهم في ترييف المدن التونسية وما الحقته من اضرارا على مستوى اصحاب محطات بيع الوقود الذين خاضوا في اكثر من مرة احتجاجات مختلفة بلغت حد الاضراب بثلاثة ايام . الثلوج والفيضانات والحرائق: كما شهدت هذه الجهات فيضانات وموجة ثلوج سجلت على انها الاخطر في الشمال الغربي لما خلفته من خسائر مادية ضخمة (انزلاقات ارضية شملت مساكن وجسور وطرقات واضرار تجارية وفلاحية كبيرة) مقابل ذلك عرف صيف 2012 موجة من الحرائق شملت بالأساس قطاع الغابات التي لم تُستثنى منها اية منطقة تجاوزت فيها المساحة المحروقة 1500 هكتار من الغابات المتنوعة والنباتات التي يصعب تشبيبها(الفرنان نموذجا) هذا وتأتي جندوبة في مقدمة هذه الجهات تليها باجة ثم الكاف ثم سليانة، ولم تستثني هذه الحرائق مؤسسات عمومية كبعض المحاكم ومحطات للقطار ومراكز سيادة وقباضات مالية ومراكز امن ومطاعم سياحية ومقرات احزاب معارضة ومقرات تابعة لاتحاد الشغل. من جهة اخرى خابت امال المواطنين في هذه الجهات في الوعود التي ضربتها الحكومة سواء كان ذلك من اجل التعويضات العادلة والشفافة او في ايجاد الحلول الوقائية الاستعجالية لحماية المدن من الفيضانات وعدم معالجة ملفات العالقين في الانزلاقات الارضية في المناطق الحدودية خاصة. تنامي ظاهرة السلفيين وحتمية المواجهة ومخاوف لدى المواطنين: ولئن تفهم المواطنون هذه الاحداث المختلفة فقد كانت الانباء المتعلقة بالاشتباكات التي وقعت بين عناصر سلفية تابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي اغلب قياداتها جمعت بينهم اما التدريبات في افغانستان او الباكستان او الجزائر واما ممن شملهم العفو التشريعي العام والذين حوكموا بموجب قانون الارهاب 10 ديسمبر 2010 و ما تلاها من مواجهات فعلية اثر العثور على محاولات تمرير كمية من الاسلحة والذخيرة الى الجزائر تفيد التقارير الامني انها دخلت من ليبيا انتهت بقتل اطار امني وجرح اخرين من الطرفين وحملات تمشيط واسعة النطاق سواء كان ذلك في معتمدية فرنانة او في عين دراهم او في غار الدماء من ولاية جندوبة او في جبل عروسة من ولاية سليانة اوفي ساقية سيدي يوسف ومدينة تاجروين من ولاية الكاف او في قبلاط من ولاية باجة وصولا الى بوشبكة ودرناية من معتمدية فريانة ولاية القصرين و... يجمع ملاحظون ان تلك الاحداث كانت بمثابة صفارة الانذار التي عززت مخاوف المواطنين وقلقهم الشديد تجاه هذه التطورات التي بدأت غامضة في البداية نظرا للتداخل المحتمل جدا بين المدعومين ممن ينتمي الى منظومة الفساد في النظام السابق والذين تحصنوا بشكل او باخر ببعض تلك الاحداث وبين ظهور التيار السلفي كتيار سجل حضورا متناميا من حيث العدد والنوع في مناطق الشمال الغربي عموما وولاية جندوبة خصوصا على اعتبار ان الوضع التضاريسي والطوبوغرافي المعقد اساسا ووفرة المغاور التي استغلت اما للتدريب او للاختفاء ووفرة اكثر من 200 الف هكتار من الغابات المعقدة والمتشابكة وغياب المعدات اللوجستية لمراقبتها وقربها من الحدود التونسيةالجزائرية مستفيدا من تلك الاحداث بقطع النظر عن داعميها وشكلت كلها ارضية سانحة وعاملا من عوامل تنامي هذه الظاهرة التي بلغت حد امتلاكها الجرأة والقدرة على مواجهة قوات مختصة من الامن واستمرارها لأيام تعد في نظر الخبراء والسياسيين طويلة لاسيما وان قوات الامن لم تتمكن من القبض على العناصر الفاعلة والمباشرة والتي ظلت تحت الملاحقة النظرية في اغلب الحالات. تراجع في نسق التنمية والسياحة والاستثمار: كان لابد والوضع على تلك الشاكلة، ان يشهد قطاع الاستثمار في جميع القطاعات وان تعددت زيارات الوفود الرسيمة منها والغير رسمية تراجعا كبيرا مقارنة من سنتي 2011 و 2010 وسجل معدل التنمية لهذه السنة تراجع قدره مختصون بأكثر من 30 بالمائة في مناطق تزخر بإمكانيات طبيعية وبشرية قادرة فيما لو استثمرت ان تجعل منها اقليما استراتيجي حسب مختصون. مقابل ذلك تنوعت انشطة المجتمع المدني والسياسي غير انها ولئن مثلت تعبيرا على حرية التعبير والتنظم والاجتماع فان عدم توفر النضج الكافي للعمل داخل تلك المؤسسات والتداخل المتواصل بين اجهزة الدولة وبين مؤسسات الحزب الحاكم واستمرار ادارة عاجزة على ادارة الامور وفق الاستقلالية المطلوبة وتنامي دائرة التجاذبات السياسية والخطابات المحلية، كلها ساهمت في خلق محاذير لامتناهية على مستقبل البلاد وامن المواطنين لدى الراي العام لازالت تمثل عائقا حقيقيا امام اي محاولة لإنجاح الانتقال الديمقراطي والانصهار فيه وتركيز اعمدة الديمقراطية الحقيقية التي بإمكانها استثمار كل تلك الاحداث على سلبياتها وايجابياتها لتكوين فهم جديد لطبيعة المرحلة وطبيعة المشروع المجتمعي التونسي واستشراف مستقبل تستثمر فيه طاقات ابناء تلك الجهات وامكانياتها الطبيعية المتاحة وفق قواعد علمية مدروسة.