اجتمعوا، تداولوا أمرا عظيما بينهم ثمّ حسبوا وقدروا وخرجوا علينا بمشروع جديد يرفع سنّ التقاعد من ستين إلى إثنين وستين سنة! ... سعدنا لاجتماعهم واستأنا لقرارهم، لأننا أحسنا بهم الظن وتوقعنا أن تكون هممهم عالية وإراداتهم قوية، فيرفعوا السنّ إلى أكثر من ذلك بكثير! ولكنهم خيبوا آمالنا وأثبتوا أنهم كسالى يعشقون القعود ويحبّون الخمول، ويستطيبون العيش عالة على سواهم من أصحاب البذل والتضحية! توقعنا أن يكون لهم بالزعيم قدوة وأسوة "حسنة"، لأن الرعية تكون عادة على قلب راعيها وهمته، به تقتدي وعلى دربه تسير! غريب أمرهم كيف لا يخجلون من ذواتهم وهم يرون بأعينهم ويسمعون بآذانهم ويتحسسون بجلودهم أخبار قائدهم وهو يسابق بثبات نحو الثمانين دون أن يسلّم "شاهد التناوب" أو يلقي الراية أو تلين له قناة! ... عزم وثبات وإصرار على مواصلة المشوار، وإن تخاذل المتقاعسون وتولى المتولون! وهل هناك عمل من أعمال الذين يتمسكون بتحديد سنّ التقاعد يظاهي في مشقته عُشر مِعشار القيام بأعباء الرئاسة ومشاقّها الجسام؟ سيادته، يطعم الشعب من جوع ويؤمنه من خوف!... يوزع الطحين! ... ينشر العسس!... يبني الجسور ! يمهد الطرق!... يعالج المرضى! ... يخطط! ... يبني! ... يعمّر! ... يغرس! ... يدافع! ... يحارب!... يأسر! ... يسجن! .... وهم يكافؤون ذلك منه بالنكران والجحود والتقاعس! ... تماما كما فعل بنو إسرائيل مع موسى عليه السلام "إذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون"! يناشدونه أن يستمر في خدمتهم حتى يبلغ الثلاثة والثمانين وربّما عادوا لمناشدته بعدها وأجبروه على العودة للقبول استجابة لخمولهم وتواكلهم وطمعهم! ... هذا إن مدّ الله في عمره فلم تهلكه أوزارهم أو تعجل بأجله! ... مناشدات متواصلة لا يقابلها التزام بالثبات في مواقع العمل والبذل وعدم الانسحاب والانقلاب على الأعقاب وتولية الأدبار! ... كل همّهم أن يخدمهم غيرهم وينعموا بتقاعد مبكّر! وصدق فيهم قول الحطيئة: دع المكارم لا ترحل لبغيتها *** واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي عبرتم جهارا بمشروعكم هذا عن أنانيتكم وخذلتم السيد الرئيس! ... وأخجلتم تواضعه! فتداركوا الأمر قبل أن تحل عليكم لعنته ... ويفتك بكم حزمه! افتحوا سنّ التقاعد ولا تقيدوه بعمر! وكل يختار السن التي تناسب عزمه وهمّته! وإن كنتم لابدّ فاعلين فاجعلوه بعد فراغ "سيادته" من دورته القادمة أي بعد الثلاثة والثمانين حتى لا تُذهبوا منه شهية العطاء بما يراه من خذلانكم! ... وإن أبيتم وتوليتم فسيستبدلكم بقوم آخرين ولن يكونوا أمثالكم! وما ضعف بدن على ما قويت عليه النية كما قال الإمام الحسين! ... ولكن أين أصحاب النوايا؟ أدام الله ظل سيادته! في ساحة الوغى وقعر الرحى! صابر التونسي