يتبع الجزء الأول: ------------------------ الفيل في الغرفة ------------------------ حادي عشر: عدد من الاقتصاديّين التونسيّين يرون أنه لا توجد مشكلة في تصاعد الفساد حاليّا لأن "ما نراه هو الحقيقة". لكنّ استشراء الفساد وما يروج حول صفقات الظلّ في الكواليس تحدث انعكاسا سلبيّا على الاقتصاد بغضّ النظر عن حقيقة ما يقال. فعدد من مصادرنا عبّروا لنا عن خشيتهم من الاستثمار بسبب الخوف من أن تطمع فيهم العائلة. وحين سئل عليّة بالطّيب "ما هي المشكلة؟" أجاب "أفضل السيناريوهات هو أن ينجح استثماري وأن يطمع بعض الأطراف المتنفّذين في نصيب منه". ويؤكّد هذا استمرار النسب الضعيفة للاستثمار الداخلي (مرجع د.) ورغم عدم قانونيّتها، فإن الحسابات البنكيّة في الخارج أصبحت أمرا متداولا. ولقد سجّلت محاولة وزارة الماليّة مؤخّرا تشجيع رؤوس الأموال على إعادة أموالهم إلى البلاد عبر إعفائهم، فشلا ذريعا. وقد صرّح بالطّيّب أنه يخطّط لإدماج مؤسسته الجديدة في السوق الموريطانية أو المالطية، ملمحا إلى عدم وجود تشويش غير مرغوب فيه هناك. كما أن الكثير من الاقتصاديّين ورجال الأعمال لاحظوا أن الاستثمار المتزايد في العقارات والأراضي يعكس عدم الثقة في الاقتصاد ومحاولة لحماية أموالهم (مرجع ج.). ثاني عشر: حتّى الآن، لم يتراجع المستثمرون الأجانب، واستنادا إلى مصادر من رجال الأعمال التونسيّين، فإن الاستثمارات الأجنبيّة لم تتأثر إلى حدّ كبير. ويتواصل ورودها بنسق ثابت، حتّى إذا استثنينا الخصخصة والمشاريع الكبرى للخليج التي لم تبدأ بعد. ومن النادر أن يتحدّث المستثمرون الأجانب عن عمليّات ابتزاز على غرار تلك التي يتعرّض لها نظراءهم التونسيّون، وهو ما يعكس ربّما لجوءهم إلى سفاراتهم وحكوماتهم. وقد أكّد ممثلو بريتش غاز للسّفير أنهم لم يتعرّضوا لأيّ ممارسة غير قانونيّة. من جهته، أكّد ********* أن بلحسن الطرابلسي حاول منذ سنوات ابتزاز شركة ألمانيّة تختصّ في الإنتاج الموجّه للتصدير خاضعة للديوانة "أوفشور"، لكن بعد تدخّل السفارة الألمانية، وقع تحذير الطرابلسي من الاقتراب من المؤسّسات الديوانيّة (الأوفشور). وعلى الرغم من التصريحات حول تنامي الاستثمار المحلّي، فإن الحكومة التونسيّة تواصل تركيزها على استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة داخل البلاد، خاصّة في قطاع "الأوفشور". ومع ذلك، فإنّ العديد من الشهادات والأمثلة تؤكّد تعرّض المؤسسات الأجنبية أو المستثمرين إلى ضغوطات لمشاركة الشريك "الصحيح". ويبقى مثال ماكدونالد الأبرز حين فشلت في الدخول إلى تونس. فعندما اختارت ماكدونالد أن تمنح امتيازا احتكاريّا لتونس، ألغيت الصفقة بكاملها بسبب رفض الحكومة التونسية منحها التراخيص اللازمة وعدم رغبة ماكدونالد في لعب اللعبة بمنح الامتياز إلى متنفّذين في العائلة. ------- نعليق ------- ثالث عشر: رغم كون الفساد مستشر في البلاد جميعها، إلا أن تجاوزات عائلة الرئيس بن علي تثير حنق التونسيّين. وما يزيد الوقود فوق النّار هو التباين الصّارخ بين استعراض الثروات الطائلة والإشاعات حول الفساد مع ما يسود الوضع العام للتونسيّين من تضخّم وارتفاع معدّلات البطالة. وتقدّم الاحتجاجات الأخيرة في المنطقة المنجميّة بقفصة مؤشّرا واضحا على حالة السخط التي ما زالت تعتمل تحت السطح. وفي الوقت الذي أسّست فيه هذه الحكومة شرعيّتها على قدرتها على رفع نسق نموّ الاقتصاد، يرى الكثير من التونسيّين أن من يقبعون في القمّة يحتكرون الفوائد لأنفسهم. رابع عشر: إن الفساد هو مشكلة مشتركة بين ما هو سياسيّ وما هو اقتصاديّ. وغياب الشفافية والمحاسبة الذي يميّز سياسة النظام التونسي، يدمّر مناخ الاستثمار ويشجّع ثقافة الفساد. ورغم كلّ الخطب عن المعجزة الاقتصادية التونسية ورغم الأرقام الإحصائية الإيجابيّة، فإنّ حقيقة إدبار المستثمرين التونسيّين تقول الكثير عن الوضع. إن الفساد هو "الفيل الموجود في الغرفة"، إنه المشكلة التي يعرفها الجميع، لكن لا أحد يصرّح بما يعرفه. نهاية التعليق 8 جوان