يشهد البنك المركزي التونسي منذ يوم الخميس الفارط حركة احتجاجية هدفها حسب مصادر نقابية بالبنك المذكور، إقالة المحافظ االسيد مصطفى كمال النابلي، و نائبه السيد إبراهيم سعادة ، اللذين لم يتعاونا مع أهداف الثورة على حد قول المحتجين الذين استندوا في ذلك إلى شهادة الهيئة الوطنية حول الرشوة و الفساد، ونفوا في نفس الوقت أن تكون مطالبهم اجتماعية، كما شددوا على أن الاحتجاج لم يؤثر على النسق العادي لعمل البنك المركزي. ويتهم المحتجون إدارة البنك بعدم اتخاذها أي إجراء ملموس من أجل تطهير القطاع البنكي و الكشف عن ملفات الفساد و أن هناك مؤشرات لطمس الحقائق و عدم فتح ملفات ناهبي أموال الشعب رغم كل الوعود التي قطعها محافظ البنك في هذا الصدد. كما أوضح المحتجون في رسالة توجهوا بها إلى الرئاسات الثلاثة أن هناك مساعي إلى ترسيخ أزلام النظام السابق داخل المؤسسة البنكية ممن تفننوا في مضايقة الأعوان بكل أشكال الإذلال والقهر و كانوا استماتوا في تقديم الولاء المطلق للرئيس المخلوع إما عبر المؤسسات السياسية التي ألحقوا بها أو عبر تمرير الملفات المشبوهة للمتنفذين من رموز الفساد المالي وهذه النقطة هي التي أفاضت الكأس حسب ما صرح لنا السيد منصف السلايمي أحد القيادات النقابية بالبنك و هي التي جعلتهم يتحركون في هذه الفترة . هذه المطالب التي استعرضناها تبين أن التحرك الاحتجاجي رغم أن المكتب النقابي هو الذي يقوده ليس بالتحرك النقابي المطلبي للظفر بمكاسب اجتماعية ، بل أن مطالبه سياسية بالأساس خاصة و أن المحتجين يطالبون بتغيير محافظ البنك و نائبه و يصرون على ذلك وهم مصرون على مواصلة تحركهم حتى تحقيق هذا الطلب . كما أن أطرافا من خارج النقابة و لا تربطها صلة بالبنك شاركت في الوقفة الاحتجاجية التي شهدها الطابق الثامن بالبنك أين يوجد مكتب المحافظ و التي طالب فيها المحتجون بضرورة مغادرته للبنك رافعين في وجهه الكلمة الشهيرة "ديقاج" حسب ما صرح الناطق الرسمي باسم البنك، الأمر الذي دفع بالمحافظ بالاستنجاد بالأمن لإخراجهم. و هذا ما يدفع بالتساؤل حول من يقف وراء هذه الاحتجاجات و من المستفيد من إقالة المحافظ في هذه الفترة خاصة بعد أن اتفقت الحكومة المشكلة مؤخرا على الإبقاء عليه نظرا للكفاءة التي يتمتع بها السيد مصطفى كمال النابلي الخبير السابق بالبنك الدولي و في عدة مؤسسات مالية دولية و عربية . الأمر لم يقتصر على إبقائه في مركزه فقط بل تم تعزيز الاستقلالية التي طالب بها باعتبارها شرطا لا غنى عنه لنجاح السياسة المالية العامة و وباعتبار أن البنك المركزي التونسي لا يمكن أن يضطلع بدوره كاملا إذا لم يتمتع بالاستقلال التام في صنع القرار. لكن المتتبع للشأن العام ببلادنا و للحالة الاقتصادية يلاحظ أن الأمور تسير يوما بعد يوم نحو التأزم خاصة في ظل كثرة الاعتصامات و الاحتجاجات النقابية و المطلبية و غلق الطرقات وهو الأمر الذي يؤدي إلى تردي الأوضاع أكثر مما عليه. كما تفيد التقارير الصحفية أن البنك المركزي لم يقم بواجبه على أكمل وجه و لم يبادر منذ اندلاع الثورة إلى حد الآن بالقيام بإصلاحات مصرفية . كما أن المتتبع لتقارير البنك المركزي قبل الانتخابات و بعدها يلاحظ تغييرا كليا فيها ، فقبل الانتخابات أعلن البنك المركزي أن الوضع الاقتصادي يسير نحو الانفراج لكن ما أن تم الإعلان عن نتائجها التي أسفرت فوز حركة النهضة بالأغلبية ،انقلبت التوقعات الصادرة عن البنك كليا و أصبحت التقارير الصادرة الواحدة تلو الآخر تتحدث عن وضع كارثي تعيشه البلاد و هو ما فنده العديد من الخبراء الماليون. وأمام هذه المعطيات فإنه أصبح من الجلي أن مصطفى كمال النابلي أصبح غير مرغوب فيه خاصة من طرف حركة النهضة التي تقود الحكومة رغم إبقائها عليه في أول الأمر على مضض رغبة منها –ربما- في جلبه إلى صفها ،لكن الواقع بيّ ن عكس ذلك ،فالمتتبع للشأن السياسي يعرف أنه يتم في الكواليس تداول فرضية أن يشكل و يقود محافظ البنكي المركزي الحالي قطبا سياسيا قادر على منافسة النهضة مستقبلا و على سحب البساط من تحت أقدامها . و هو الأمر الذي دفع بحركة النهضة إلى محاولة إزاحة النابلي من داخل البنك عبر المكتب النقابي بعد أن سقطت حساباتها الأولية في الماء ونستند في كلامنا هذا إلى قرب بعض العناصر النقابية من الحركة الإسلامية ،وغايتها في ذلك تعيين شخص آخر لا يكون عائقا أمام رغبتها في المضي قدما نحو تعزيز قدرتها على حكم البلاد عبر النهوض بالاقتصاد الذي لن يكون إلا عبر الإصلاح.