تعيش البلاد منذ " ما بعد الثورة" ظاهرة مرضية تفاقمت حدتها حتى باتت مقلقة لما تشكله من خطورة على مستقبل البلاد ألا وهي ظاهرة العنف هذه الآفة المتعددة العوامل والمركّبة التي بدأت تنخر نسيج مجتمعنا قد لا يكفي استنكارها أو التنديد بها بقدر ما يسود الإعتقاد بوجوب فهم هذه الظاهرة فهما معرفيا عميقا ودقيقا وكنه عوامله ومسبباته للتفكير في وضع دراسة استراتيجية لمشروع وطني متكامل بهدف اجتثاث هذه الظاهرة المجتمعية من جذورها باعتبارها عائقا يقوّض مكاسب المجتمع ويعرقل مسار الحياة الإجتماعية والتنموية والسياسية. مفاهيم العنف: العنف "لغة" هو عكس الرفق ومعناه اللوم والعتاب ثم إلحاق الأذى بالآخر وهو أنواع متعدّدة سوى على مستوى الفرد أو الجماعة فهناك العنف المادي، المعنوي، الرمزي، التمييز، التدافع الإجتماعي، صراع القوى السياسية وغيرها. العنف من منظوره الاجتماعي: هو سلوك إذائي قوامه إنكار الآخر كقيمة مماثلة "للأنا" أو "للنحن" ويرتكز على استبعاد الآخر عن حلبة المغالبة إمّا بإخضاعه وتطويعه أو نفيه خارج حلبة اللّعبة أو تصفيته جسديا أو معنويا وهو بالتالي عدم الاعتراف بالآخر ورفضه. العنف من منظور علم النفس: هو سلوك عدواني في النفس البشرية نتيجة صراعات داخلية واحتقان نفسي يؤدي إلى إذاء الآخر يظهر بانعدام التوازن عند الفرد أو الجماعة في غياب الرقيب – الأنا الأعلى – وهو سلوك ملتسق بالغريزة يؤتى للدفاع عن النفس وحب البقاء. كيف نفسّر ظاهرة العنف عندنا؟ إذا كانت تونس تعيش منذ أكثر من خمسين سنة تحت نير طغمة حزب واحد وظواهر دولة احتكرت السلطة للإستحواذ على كل المؤسسات البنيوية في المجتمع وتمترست تحت نظام كلياني غيبت فيه كل المبادرات الدافعة لبناء هياكل المجتمع المدني فأفرغتها من نوابض شرعية الوجود حتى أمسى المجتمع ممزقا بين حزب منهار متآكل وفئة حاكمة انتفاعية فاسدة وأمّة محكومة مقصاة مهمشة وفقيرة بلغت نسبة الفقر المدقع 1/10 وجاءت الثورة فجأة فاهتزت كل أركان ما يسمى ظاهرة الدولة وكانت ردة فعل المجتمع الذي حاول أن يثأر لنفسه قوية فخرج إلى الشارع بشعار "Dégage" لينتزع السلطة بشرعية الثورة وتصاعد العنف الشعبي مع الأيام وكثرت العصابات وجرائم السرقات والسطو المسلح وغيره في ظلّ انفلات أمني واضح والتهبت نعرة القبلية والعروشية وكان لغياب الدولة - إلا لماما حيث حضرت لتأمين امتحانات الوطنية في البكالوريا وحماية صابة الحبوب – ضلع كبير في تفاقم أزمة التدافع الاجتماعي والصراع السياسي وانعدام التوازن بين كافة القوى بوقوفها موقف المتفرّج أحيانا والمستنكر أحيانا أخرى. فمورست على المجتمع كل أشكال العنف وها نحن مازلنا إلى يوم الناس هذا نشهد مظاهر العنف الاجتماعي والسياسي والإعلامي تمارس ماديا ومعنويا على الحرمة الجسدية والفكرية نتيجة هذا الانفجار المجتمعي النرجسي العنيف رغم وجود ما يقرب عن 119 حزبا تلك التي كان من المنتظر أن تخلق ديناميكية إيجابية نخبوية لبناء صرح الديمقراطية الضّالة وجرت الرياح بما لم يشته ربابنة السفن إذ خلقت توترا اجتماعيا أسهم في تعميق هوّة الفرقة الاجتماعية. ما المطلوب؟ إن مرحلة الإنتقال الديمقراطي وبناء الدولة الحديثة يستوجب استحضار كل القوى الحيّة عبر فضاءات عمومية للحوار من خلال : - عقد الندوات العلمية لتشخيص مختلف أشكال العنف المستفحل واعداد الدراسات العلمية والبحث عن آليات وحلول مناسبة تتناول مختلف القطاعات الاجتماعية لتحدّ من فضاعات هذه الآفة كتطوير المنضومة التشريعية بتفعيل الجانب الإصلاحي بالتوازي مع الجانب الزجري. - مراجعة أساليب التربوية بإعداد مختصّين في الميدان البيداغوجي وتفعيل دور الإعلام في نشر ثقافة السلم الاجتماعي. - النهوظ المنظمات الشبابية وإعادة هيكلتها واستقطاب الشباب وإشاعة ثقافة الحوار.