نشاهد يوميا حلقة من حلقات مسلسل العنف الموجه ضد الأطفال أو المرأة وبجميع أشكاله ماديا ومعنويا، والملفت للانتباه أن العنف في المجتمع التونسي يتناقل عبر الأجيال فالزوج يعنف زوجته والزوجة تعنف الأطفال والأطفال يعنفون أصدقاءهم في المدرسة. وقد حوصلت المنظمة العالمية للصحة سنة 2002 مختلف مفاهيم العنف الاجتماعية والنفسية بكونها «الاستعمال المقصود أو التهديد المقصود باستعمال القوة المادية أو السلطة ضد الذات أو ضد شخص آخر أو ضد مجموعة أو فئة، يلحق أو من شأنه أن يلحق الجرح أو الموت أو الضرر المعنوي أو النمو السيئ أو الحرمان». ولا يولد العنف إلا عنفا، فالشاب الناشئ في جو عائلي مشحون بالعنف يكتسب سلوكا عنيفا يمارسه على زوجته مستقبلا ويصعب عليه التخلص من هذا السلوك الذي رضعه في حليب أمه المعنفة. وأفضل دليل ما يرويه النسوة في برنامج «عندي ما نقلّك» على قناة «تونس 7» إذ أن هناك فئة كبيرة من النساء يتعرّضن للعنف من قبل أزواجهن والأخطر من ذلك تسترهن في أغلب الحالات عن جرائم أزواجهن ويعنف الرجل زوجته عادة عند غياب لغة الحوار فتحضر لغة العنف وبالنسبة الى الرجل التونسي تعنيف زوجته هو إثبات لرجولته وهو سلوك ينمّ عن الجهل الثقافي والاجتماعي والقانوني لما فعل، كما أن العقلية الاجتماعية في المجتمع التونسي لا تزال تعتبر العنف سلوكا عاديا يحدث بين الزوجين بل تشرعه أحيانا «يربّي في مرتو» هذا علاوة على العنف اللفظي وتأثيره النفسي في الزوجة والأطفال أيضا. وأغلب الأزواج يمارسون العنف بدافع فرض السلطة ولا يسمعون غير أصواتهم ويغيبون صوت المرأة والطفل. ورأينا فعلا شريحة من الأطفال المعنفين في برنامج المسامح كريم على شاشة قناة «حنبعل»، وهو طفل ذاق ذرعا من تعنيف أبيه له فاضطرّ الى مغادرة البيت والقرية باتجاه تونس العاصمة وتحديدا محطة برشلونة التي آوى إليها لإنقاذ طفولته المهددة وافترش الأرض والتحف السماء لا لشيء إلا للاحتماء من عنف أبيه، وأوضح الطفل وعلى وجهه ملامح البراءة أنه يريد فقط العيش في أمان ومواصلة دراسته. ونلوم لاحقا لماذا استفحلت ظاهرة النشل والانحراف والطلاق وغيرها؟ ولا يفوتنا القول ان تونس تضمن سيادة حرمة الفرد ضمن الفصل الخامس من الدستور باعتباره المرجع الأساسي في البلاد. وأخذ القانون التونسي في مقاومة العنف اتجاهات عديدة ربما نكتفي بذكر بعضها: مقاومة العنف ضد الأزواج من خلال تنظيم الزواج والانفصال بلوائح قانونية محددة، منع العنف الموجه ضد الأطفال وخاصة بعد صدور مجلة حماية الطفل سنة 1995، منع العنف ضد الأصول، كما ضبطت منظومة قانونية ضمن المجلة الجزائية للتصدي للعنف داخل المجتمع. لكن تبقى المسألة مسألة عقلية اجتماعية أكثر منها ردعا قانونيا لأن مجتمعنا لا يزال في حاجة الى الوعي بمدى سلبيات العنف الأسري على أفراد العائلة وعلى المجتمع ككل.