الدروز: حصان طروادة لتقسيم سوريا    ساقية الزيت في «الفينال» بعزيمة الأبطال    ربيع الفنون بالقيروان يُنشد شعرا    عاجل/ قضية منتحل صفة مدير بديوان رئاسة الحكومة..السجن لهؤولاء..    في لقائه بوزراء .. الرئيس يأمر بإيجاد حلول لمنشآت معطّلة    الدوري الفرنسي.. باريس سان جيرمان يتلقى خسارته الثانية تواليًا    غدا: حرارة في مستويات صيفية    منير بن صالحة: ''منوّبي بريء من جريمة قتل المحامية منجية''    مؤشر إيجابي بخصوص مخزون السدود    صفاقس : المسرح البلدي يحتضن حفل الصالون العائلي للكتاب تحت شعار "بيتنا يقرأ"    بداية من 6 ماي: انقطاع مياه الشرب بهذه المناطق بالعاصمة    الأطباء الشبان يُهدّدون بالإضراب لمدة 5 أيّام    الرابطة الأولى: الاتحاد المنستيري يتعادل مع البقلاوة واتحاد بن قردان ينتصر    القصرين: قافلة صحية متعددة الاختصاصات تحلّ بمدينة القصرين وتسجّل إقبالًا واسعًا من المواطنين    سامي بنواس رئيس مدير عام جديد على رأس بي هاش للتأمين    طقس الليلة: الحرارة تصل الى 27 درجة    وزير النقل يدعو الى استكمال أشغال التكييف في مطار تونس قرطاج استعدادا لموسم الحجّ وعودة التّونسيين بالخارج    كلاسيكو اوفى بوعوده والنادي الصفاقسي لم يؤمن بحظوظه    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: المنتخب التونسي يضيف ثلاث ميداليات في منافسات الاواسط والوسطيات    منوبة: 400 تلميذ وتلميذة يشاركون في الدور النهائي للبطولة الاقليمية لألعاب الرياضيات والمنطق    "براكاج" يُطيح بمنحرف محل 26 منشور تفتيش    غدا.. قطع الكهرباء ب3 ولايات    إحالة رجل أعمال في مجال تصنيع القهوة ومسؤول سام على الدائرة الجنائية في قضايا فساد مالي ورفض الإفراج عنهما    دقاش: شجار ينتهي بإزهاق روح شاب ثلاثيني    بداية من الاثنين: انطلاق "البكالوريا البيضاء"    البنك الوطني الفلاحي: توزيع أرباح بقيمة دينار واحد عن كل سهم بعنوان سنة 2024    عاجل/ سرقة منزل المرزوقي: النيابة العمومية تتدخّل..    الكلاسيكو: الترجي يحذر جماهيره    "البيض غالٍ".. ترامب يدفع الأمريكيين لاستئجار الدجاج    بعد منعهم من صيد السردينة: بحّارة هذه الجهة يحتجّون.. #خبر_عاجل    وزير التربية يؤدي زيارة إلى معرض الكتاب بالكرم    الحج والعمرة السعودية تحذّر من التعرُّض المباشر للشمس    دراسة جديدة: الشباب يفتقر للسعادة ويفضلون الاتصال بالواقع الافتراضي    البطولة العربية للرماية بالقوس والسهم - تونس تنهي مشاركتها في المركز الخامس برصيد 9 ميداليات    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    عاجل/ ضحايا المجاعة في ارتفاع: استشهاد طفلة جوعا في غزة    بطولة الكويت : الدولي التونسي طه ياسين الخنيسي هداف مع فريقه الكويت    المأساة متواصلة: ولادة طفلة "بلا دماغ" في غزة!!    وفاة وليد مصطفى زوج كارول سماحة    جندوبة: استعدادات لانجاح الموسم السياحي    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    السلطات الجزائرية توقف بث قناة تلفزيونية لمدة عشرة أيام    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة    التلفزيون الجزائري يهاجم الإمارات ويتوعدها ب"ردّ الصاع صاعين"    الولايات المتحدة توافق على بيع صواريخ بقيمة 3.5 مليار دولار للسعودية    الاستعداد لعيد الاضحى: بلاغ هام من وزارة الفلاحة.. #خبر_عاجل    ترامب ينشر صورة بزيّ بابا الفاتيكان    غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف مواقع مختلفة في سوريا    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    تونس تستعدّ لاعتماد تقنية نووية جديدة لتشخيص وعلاج سرطان البروستات نهاية 2025    مقارنة بالسنة الماضية: إرتفاع عدد الليالي المقضاة ب 113.7% بولاية قابس.    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صلاحيات الدوائر المختصة للعدالة الانتقالية بقلم أحمد الرحموني
نشر في صحفيو صفاقس يوم 12 - 09 - 2015

العدالة "العادية" أو التقليدية تصدر عن المحاكم التي تصرح بالقانون وتبت في النزاعات.
كما تعتمد العدالة في المراحل االانتقالية على الآليات المتعددة التي لا تصرح فقط بالقانون بل تبحث عن الحقيقة ولا تستهدف بالضرورة العقاب بل تحدّد المسؤوليات وتعالج الانتهاكات المقترفة في النظام السابق وتكشف الحقيقة وتعرض صيغا عديدة لجبر الأضرار وإعادة الاعتبار.
والعدالة في ضوء ذلك يمكن أن ترتبط في مراحل الانتقال لا فقط بآليات قضائية بل أيضا بآليات غير قضائية.
كما يتضح وجود تكامل بين هيئات الحقيقة والقضاء الوطني في عدد من التجارب الدولية التي اعتمدت منظومة العدالة الانتقالية.
ويتضح أن القانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها قد انتهج سبيل التكامل بين هيئة الحقيقة والكرامة التي تمارس مبدئيا مهامها وصلاحياتها بحيادية واستقلالية تامة من جهة وبين دوائر قضائية متخصّصة بالمحاكم الابتدائية – لم تباشر اختصاصاتها إلى الآن – تنظر في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان من جهة أخرى، ويظهر هذا التكامل في أحكام متعددة من ذلك:
– المساءلة والمحاسبة من اختصاص الهيئات والسلطات القضائية والإدارية (الفصل 7).
– تتعهد الدوائر المتخصصة بناء على إحالة من هيئة الحقيقة والكرامة (الفصلان 8 و42).
– توقّف نظر الهيئات القضائية في النزاعات المنشورة أمامها عند تقديم اتفاقية تحكيم ومصالحة للجنة المختصة (الفصل 48).
– إكساء القرار التحكيمي بالصبغة التنفيذية بعد امضائه من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بتونس (الفصل 50).
وإضافة لذلك أقر القانون المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية صلاحيات البحث والتحقيق في الانتهاكات والاعتداءات الجسيمة أو الممنهجة إلى هيئة الحقيقة والكرامة (الفصل 38) وقد أوكل النظام الداخلي لتلك الهيئة – المؤرخ في 22 نوفمبر 2014 – لما يسمى بلجنة "البحث والتقصي" مهمة الابحاث في تلك الانتهاكات (الفصل 56) كما يتم تحديد قائمة الضحايا الذين لحقهم ضرر جرّاء تعرّضهم لانتهاك على معنى القانون الأساسي المؤرخ في 24 ديسمبر 2013 والقانون الأساسي المؤرخ في 12 جوان 2014 وذلك بواسطة لجنة متخصصة صلب هيئة الحقيقة والكرامة وهي لجنة جبر الضرر ورد الاعتبار (الفصل 61)
كما أقر المشرّع للدوائر المتخصّصة بالمحاكم الابتدائية صلاحيات محدّدة على مرحلتين:
– الأولى: أصلية بالقانون المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية.
– الثانية: خاصّة بالقانون الأساسي عدد 17 المؤرخ في 12 جوان 2014 المتعلق بأحكام متصلة بالعدالة الانتقالية وبقضايا مرتبطة بالفترة الممتدة بين 17 ديسمبر 2010 و28 فيفري 2011.
ويتبين من تلك الأحكام أنّ المشرّع قد أورد على التوالي القواعد العامة لاختصاص الدوائر المتخصصة (أوّلا) في القانون الأساسي المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية قبل أن يسن قواعد استثنائية لاختصاص تلك الدوائر (ثانيا) تتعلق بقضايا شهداء الثورة وجرحاها بمقتضى القانون الأساسي المؤرخ في 12 جوان 2014.
أوّلا: القواعد العامة لاختصاص الدوائر
اقتضى الفصل 8 من القانون المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية أنه "تحدث بأوامر دوائر قضائية متخصصة بالمحاكم الابتدائية المنتصبة بمقار محاكم الاستئناف … وتتعهد الدوائر المذكورة بالنظر في القضايا المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان على معنى الاتفاقيات الدولية المصادق عليها و على معنى أحكام هذا القانون…"
ويتضمّن القانون المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية الاحكام الأساسية التي تقر لتلك الدوائر ولاية عامة وحصرية للنظر في الانتهاكات الجسيمة (1) واضافة لذلك اقتضى نفس القانون عددا من الضمانات القضائية المرتبطة بتلك الدوائر بهدف تجسيم عناصر المحاكمة العادلة (2).
(1) ولاية النظر في الانتهاكات الجسيمة
يحيل النظام القضائي لهذه الدوائر على جملة من النقاط الأساسية و عددها خمسة:
أ‌- إحداث الدوائر:
ينص القانون المتعلق بالعدالة الانتقالية على أنّه تحدث بأوامر دوائر قضائية متخصصة بالمحاكم الابتدائية المنتصبة بمقار محاكم الاستئناف (الفصل8).
وتطبيقا لهذه المقتضيات صدر الأمر عدد 2887 المؤرخ في 8 أوت 2014 المتعلق بإحداث دوائر جنائية متخصصة في العدالة الانتقالية بالمحاكم الابتدائية المنتصبة بمقار محاكم الاستئناف بتونس وقفصة وقابس و سوسة والكاف وبنزرت والقصرين وسيدي بوزيد.
و قد تضمن الفصل الأول من الأمر أن أحكامه لا تنطبق على المحكمة الابتدائية بتونس 2 والمحكمة الابتدائية بسوسة 2 والمحكمة الابتدائية بصفاقس 2.
و يثير هذا التنظيم جملة من الملاحظات:
1. هذا الأمر ضيق من مجال اختصاص دوائر العدالة الانتقالية وذلك بإطلاق وصف "الدوائر الجنائية المتخصصة في العدالة الانتقالية" في حين أنّ القانون المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية لم يقتض إحداث دوائر جنائية فقط وهو ما يثير التساؤل حول إحداث دوائر مدنية خاصة بالعدالة الانتقالية؟
2. اتجه الأمر الصادر في 8 أوت 2014 الى إحداث دوائر جنائية بالمحاكم الابتدائية المنتصبة بمقار بعض محاكم الاستئناف وعددها 8 محاكم في حين أقصى عددا آخر من المحاكم وربما سهى عن غيرها (صفاقس1) وهو ما يتناقض مع معطيات القانون الأساسي المتعلق بالعدالة الانتقالية الذي نصّ على إحداث الدوائر بجميع المحاكم الابتدائية الكائنة بمقار كافة محاكم الاستئناف.
ب‌- الاختصاص النوعي للدوائر:
ينص القانون المتعلق بالعدالة الانتقالية على أنّ الدوائر المذكورة تتعهّد بالنظر في القضايا المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان ومنها خاصة ( القتل العمد والاغتصاب وأي شكل من أشكال العنف الجنسي والتعذيب والاختفاء القسري والإعدام دون توفر ضمانات المحاكمة العادلة) اضافة الى الانتهاكات المتعلقة بتزوير الانتخابات و الفساد المالي والاعتداء على المال العام والدفع الى الهجرة الاضطرارية لأسباب سياسية.
و يلاحظ في ضوء ما أورده المشرع بيانا للاختصاص النوعي للدوائر:
1. ان الأفعال موضوع نظر الدائرة هي انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان و ليس بالضرورة من صنف الجرائم وهو ما يتسع لوجود مسؤولية ذات صبغة مدنية أو غيرها.
2. انّ بعض الانتهاكات غير مجرمة بالقانون الجزائي التونسي (الاختفاء القسري، تزوير الانتخابات، الدفع الى الهجرة الاضطرارية …).
3. لم يشر القانون الى دعاوى عمومية أو مدنية أو غيرها و لا إلى عقوبات تصدر على تلك الدوائر.
4. أورد المشرع وصف "الانتهاكات الجسيمة" اضافة الى أمثلة عليها.
5. يلاحظ أنّ مشروعا لقانون أساسي يتعلق بإجراءات خاصّة بالمصالحة في المجال الاقتصادي والمالي قد تمّت إحالته على مجلس نواب الشعب بمبادرة رئاسية ويقترح إحداث لجنة للمصالحة برئاسة الحكومة للنظر في مطالب الصلح المرتبطة بالأفعال الخاصة بالفساد المالي والاعتداء على المال العام. ومن شأن ذلك نزع الاختصاص الموكول بمقتضى القانون المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية إلى الدوائر القضائية المتخصصة وإحالة النظر في ذلك إلى لجنة إدارية تفتقر إلى ضمانات الاستقلالية والحياد.
و يتبين أنّ القانون المتعلق بالعدالة الانتقالية قد ضبط تعريف الانتهاك على معنى هذا القانون و هو كل اعتداء جسيم أو ممنهج على حق من حقوق الانسان صادر عن أجهزة الدولة أو مجموعات أو أفراد تصرفوا باسمها أو تحت حمايتها وإن لم تكن لهم الصفة أو الصلاحية التي تخول لهم ذلك …" (الفصل3)
و من الواضح أنّ معايير جسامة الانتهاك أو فداحته تبقى موكولة للدوائر المتعهدة بناء على ما تقتضيه الاحكام القانونية الوطنية أو المعايير الدولية.
ج- الاختصاص الزمني:
لم يحدد القانون المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية مدة معينة لاستمرار الدوائر ولا الفترة التاريخية لاختصاصها خلافا لما أورده بيان هيئة الحقيقة والكرامة التي يغطي عملها الفترة الممتدة من الأوّل من شهر جويلية 1955 إلى حين صدور هذا القانون إضافة الى تحديد مدّة عملها بأربع سنوات بداية من تسمية أعضائها قابلة للتمديد مرة واحدة لمدة سنة (الفصلان 17 و18) وهو ما يدعو إلى التساؤل حول عدم تقيّد الدائرة بالاختصاص الزمني للهيئة وامتداد نظرها للفترة السابقة لشهر جويلية 1955؟!
د- القانون المنطبق
ينص القانون المتعلق بالعدالة الانتقالية على أن تلك الدوائر تتعهد بالنظر في القضايا المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان على معنى الاتفاقيات الدولية المصادق عليها وعلى معنى أحكام هذا القانون.
ويلاحظ في هذا الصدد:
1- أن المشرع نفسه قد أقر "بعض الأحكام الخاصّة والاستثنائية في معالجة تلك الانتهاكات من ذلك ما ورد بالدستور من عدم امكانية الدفع بعدم رجعية القوانين أو بوجود عفو سابق أو بحجية اتصال القضاء أو بسقوط الجريمة أو العقاب بمرور الزمن (الفصل 148 – تاسعا) وإضافة لذلك اقتضى الفصل 9 من القانون المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية انه "لا تسقط بمرور الزمن الدعاوى الناجمة عن الانتهاكات المذكورة بالفصل 8 من هذا القانون" كما اقتضى الفصل 42 من نفس القانون أنه لا تعارض الملفات التي تحيلها هيئة الحقيقة والكرامة على النيابة العمومية بمبدأ اتصال القضاء.
2- يمكن التساؤل إضافة لذلك حول مدى انطباق القانون الوطني – إلى جانب الاتفاقيات الدولية المصادق عليها – خصوصا وقد أغفل المشرع التنصيص عليه صراحة.
كما يتجه التساؤل عن امكانية تطبيق المبادئ العامة للقانون الوطني أو الدولي وقواعد الإنصاف، بالنظر لما يقتضيه القانون المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية من ان لجنة التحكيم والمصالحة صلب هيئة الحقيقة والكرامة يمكن لها أن تطبق "قواعد العدالة والإنصاف والمعايير الدولية" (الفصل 45).
ه- الاجراءات
من الملاحظ أن المشرع قد أغفل التنصيص على إجراءات التعهد والبت في القضايا المنظورة لدى الدوائر المتخصصة على خلاف ما أقرّه من أحكام تفصيلية مرتبطة باختصاص هيئة الحقيقة والكرامة من ذلك إغفاله:
– للقواعد الخاصة بمرجع النظر الترابي للدوائر أو بتطبيق القواعد العامة للاختصاص في هذا الصدد.
– للأحكام المتعلقة بدرجة القرارات الصادرة عن تلك الدوائر ومدى قابليتها للطعن (في ضوء الفصل 108 من الدستور الذي ينص على أنّ القانون يضمن التقاضي على درجتين)
– لإجراءات التقاضي وسير الجلسات …الخ
غير أن ذلك لم يمنع من التنصيص على أحكام جزئية تتعلق بإجراءات التعهد من ذلك:
– ما ينص عليه الفصل 42 من القانون الأساسي المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية من ان هيئة الحقيقة والكرامة تحيل "الى النيابة العمومية الملفات التي يثبت لها فيها ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان ويتم إعلامها بكل الاجراءات التي يتم اتخاذها لاحقا من قبل السلط القضائية".
– ما ينص عليه الفصل 8 من نفس القانون من ان الهيئة تحيل على الدوائر القضايا المتعلقة بتزوير الانتخابات وبالفساد المالي والاعتداء على المال العام والدفع الى الهجرة الاضطرارية.
(2) الضمانات القضائية
من الواضح أن الأشخاص المحالين على الدوائر المتخصصة يجب أن يتمتعوا بجملة من الضمانات الأساسية والاجرائية التي تستهدف تحقيق شروط المحاكمة العادلة وممارسة حقوقهم وحرياتهم الانسانية.
ويتبين أن جملة من تلك الضمانات وأساسا الاجرائية قد تمّ تكريسها بالقانون الوطني اضافة الى الاحكام الواردة بما يسمّى "أدوات حقوق الانسان" كالإعلان العالمي لحقوق الانسان والضمانات والمبادئ الأساسية بالقانون الدولي الانساني.
ويمكن الاشارة أيضا الى انطباق الأحكام الجديدة للدستور التونسي المتعلقة على سبيل المثال :
– باعتبار القضاء سلطة مستقلة يضمن حماية الحقوق والحريات (الفصل 102)
– بعدم امكانية إيقاف شخص أو الاحتفاظ به إلاّ في حالة التلبس أو بقرار قضائي (الفصل 29)
– بضرورة اعلام الشخص الموقوف أو المحتفظ به بحقوقه وبالتهمة المنسوبة اليه وإمكانية أن ينيب عنه محاميا (الفصل 29)
– بحق كل شخص في محاكمة عادلة في أجل معقول (الفصل 108)
– بضمان حق التقاضي وحق الدفاع والحصول على الإعانة العدلية (الفصل 108)
– بعلنية الجلسات والتصريح بالحكم بجلسة علنية (الفصل 108)
كما يمكن الاشارة إلى مبدأ أساسي تم تكريسه في القانون الدولي الانساني من جملة الضمانات القضائية وهو حق الشخص المتهم في أن يحاكم امام محكمة مستقلة ومحايدة ودون تأخير مفرط.
وتطبيقا لهذا المبدأ اقتضى الفصل 8 من القانون الأساسي المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية ان الدوائر القضائية المتخصصة "تتكون من قضاة يقع اختيارهم من بين من لم يشاركوا في محاكمات ذات صبغة سياسية"
كما اشترط المشرع – بالنظر الى تخصص الدوائر- تكوينا حقوقيا للقضاة في مجال العدالة الانتقالية (الفصل 8) وهو ما يندرج في شروط الكفاءة والقدرة والصفات الشخصية التي أقرها الفصل 103 من الدستور.
كما يلاحظ أخيرا أن المشرع لم ينص على إجراءات خصوصية اضافية لتسمية القضاة وهو ما يحيل الى الأحكام العامة التي تعطي الاختصاص حاليا في تسمية القضاة الى الهيئة الوقتية للقضاء العدلي (القانون الأساسي عدد 13 لسنة 2013 المؤرخ في 2 ماي 2013 المتعلق بإحداث هيئة وقتية للإشراف على القضاء العدلي) ولاحقا إلى المجلس الأعلى للقضاء طبق الفصل 106 من الدستور.
ثانيا: القواعد الاستثنائية لاختصاص الدوائر
تتعلق هذه القواعد الاستثنائية بقضايا معيّنة عرفت بقضايا شهداء الثورة وجرحاها التي اختار المشرع – وسط جدل كبير- اخضاعها لمقتضيات العدالة الانتقالية بموجب القانون الأساسي عدد 17 لسنة 2014 المؤرخ في 12 جوان 2014.
وقد برز التمسك بهذا الحل على إثر صدور الأحكام في قضايا شهداء وجرحى الثورة عن محكمة الاستئناف العسكرية بتاريخ 12 افريل 2014 رغم وجود تيار قوي لدى الرأي العام يدعو إلى نزع الاختصاص من المحكمة العسكرية وإحالة تلك القضايا إلى محاكم الحق العام وأن يتم التخلي عن القضايا المنشورة لدى المحاكم العسكرية إلى الجهات العادية من نفس الدرجة ومن شأن هذا الاقتراح أن يحقق مبادئ القضاء الطبيعي وضمانات المحاكمة العادلة.
إلاّ أن اختيار المشرع قد اتجه إلى إحالة الاختصاص إلى الدوائر القضائية المنصوص عليها بالفصل 8 من القانون الأساسي المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية.
ويشار في هذا الصدد إلى أنّ الدائرة العسكرية بمحكمة التعقيب التي تعهدت بالنظر في الأحكام الصادرة عن محكمة الاستئناف بتاريخ 12 أفريل 2014 قد نقضت هذه الأحكام في قرارها الصادر بتاريخ 29 أفريل 2015 وأحالت القضايا على الدائرة الجنائية بمحكمة الاستئناف العسكرية استنادا إلى أنّ الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية لم يتم إرساؤها.
ورغم أنّ المشرّع قد اعتبر أن الاعتداءات المفضية الى سقوط شهداء الثورة أو إصابة جرحاها انتهاكات جسيمة على معنى الفصلين 3 و8 من قانون العدالة الانتقالية – وهو ما يحيل على القواعد العامة للاختصاص – إلاّ أنه أفرد القضايا الخاصة بالشهداء والجرحى لقواعد استثنائية أهمها:
أولوية التعهد من قبل الدوائر المتخصصة بقضايا شهداء الثورة وجرحاها (1) وإجراءات خاصة بهذه القضايا (2).
(1) أولوية التعهد بقضايا شهداء الثورة وجرحاها
ينص الفصل 3 من القانون الأساسي المؤرخ في 12 جوان 2014 على أنّه "بمجرد إحالة النيابة العمومية الملفات الى الدوائر المتخصصة فإنّها تكون صاحبة أولوية التعهد بها مهما كان الطور الذي تكون فيه"
ويتضمّن ذلك جملة من النتائج المترتبة عن إحالة النيابة العمومية لتلك القضايا إلى الدوائر المتخصصة بناء على طلب من هيئة الحقيقة والكرامة:
– الاختصاص النوعي للدوائر المتخصصة في قضايا شهداء الثورة وجرحاها طبق شروط معيّنة في صورة إحالة هيئة الحقيقة والكرامة ملفات إلى النيابة العمومية عملا بالفصل 42 من القانون الأساسي المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية المذكور.
– أولوية تعهد الدوائر المتخصصة لتلك القضايا في صورة "التنازع" بينها وبين جهات قضائية أخرى كأن تكون القضايا في طورها الابتدائي أو لدى التحقيق أو بمختلف درجات الحكم.
– ضرورة تخلي الجهات القضائية الأخرى عن القضايا المذكورة لفائدة الدوائر المتخصصة "مهما كان الطور الذي تكون فيه" ومؤدى ذلك أن القضايا المنشورة حاليا إمّا لدى التحقيق أو المحاكم الابتدائية أو الاستئنافية العسكرية أو حتى لدى الدائرة العسكرية بمحكمة التعقيب يجب أن يؤول الاختصاص فيها إلى الدوائر المتخصصة في صورة إحالتها عليها من قبل النيابة العمومية.
وإضافة لذلك تقتضي شروط التعهد الخاصة بذلك الصنف من القضايا توفر 3 شروط على الأقل في الاعتداءات موضوع نظر الدوائر المتخصصة:
– الشرط الأوّل: أن يصدر الاعتداء بمناسبة الثورة وفي هذا يمكن أن نشير إلى أنّ الثورة تهدف – حسب التعريف المتداول – إلى تغيير السلطات القائمة لكي يمكن إدارج المبادئ التوجيهية التي تجسمها الأفكار الجديدة في النظام الاجتماعي. فالثورة بهذا المعنى هي حلول نظام قانوني جديد محل نظام آخر وتمثل في الأخير ظاهرة قوة، غير ان الثورة ليست مجرد واقعة فهي أيضا ظاهرة قانونية.
ومن الواضح أنّ المقصود بالثورة هي تلك الأحداث التي اندلعت بداية من 17 ديسمبر 2010 والتي وصفت بثورة الحرية والكرامة:
) راجع المرسوم عدد 97 لسنة 2011 المؤرخ في 24 أكتوبر 2011 المتعلق بالتعويض لشهداء ثورة الحرية والكرامة: 17ديسمبر 2010 – 14 جانفي 2011 ومصابيها – توطئة الدستور التي تنص على " اعتزازا بنضال شعبنا من أجل الاستقلال وبناء الدولة: وتحقيقا لأهداف ثورة الحرية والكرامة، ثورة 17 ديسمبر 2010 – 14 جانفي 2011 )
وينص القانون المؤرخ في 24 ديسمبر 2012 المنقح والمتمم للمرسوم المؤرخ في 24 أكتوبر 2011 على الفترة الزمنية المقصودة بأحداث الثورة وهي تلك الممتدة من 17 ديسمبر 2010 إلى 28 فيفري 2011 وهو ما يؤكده القانون الأساسي المؤرخ في 12 جوان 2014 الذي أورد – في سياق تعرضه إلى عدم المؤاخذة الجزائية عن أفعال الثورة – "انه لا تخضع للمؤاخذة الجزائية الأفعال التي تم القيام بها من أجل تحقيق الثورة وانجاحها في الفترة الممتدة بين 17 ديسمبر 2010 و28 فيفري 2011"
– الشرط الثاني: أن يصدر الاعتداء ضد أحد شهداء الثورة أو جرحاها وهو ما يدعو إلى التساؤل عن تعريف شهيد الثورة وجريحها؟
وفي هذا يقتضي المرسوم المؤرخ في 24 أكتوبر 2011 – كيفما تم تنقيحه – انه "يقصد بشهداء الثورة ومصابيها: الأشخاص الذين خاطروا أو ضحوا بحياتهم من أجل تحقيق الثورة ونجاحها واستشهدوا أو أصيبوا بسقوط بدني من جراء ذلك".
كما يضيف نفس المرسوم أنّ صفة شهيد الثورة أو جريحها تكتسب – على الأقل فيما يتعلق بالتعويض – بإدراجه فيما يسمى "القائمة النهائية لشهداء الثورة ومصابيها" التي تعدّها لجنة تحدث لدى الهيئة العليا لحقوق الانسان والحريات الأساسية تسمى "لجنة شهداء الثورة ومصابيها"، ومن الواجب الإشارة إلى أن اللجنة لم تعلن إلى الآن نتائج أعمالها رغم إحداثها منذ حوالي 4 سنوات.
– الشرط الثالث: أن يفضي الاعتداء إلى سقوط أحد شهداء الثورة أو جرحاها.
وبناء على ذلك يمكن أن تشمل الانتهاكات المقصودة جرائم الاعتداء على الاشخاص وجرائم الجرح كالقتل العمد والقتل غير العمد والعنف والجرح وغير ذلك من الأفعال الخاضعة للتجريم بمقتضى القانون الوطني أو الاتفاقيات الدولية.
(2) اجراءات خاصة بقضايا شهداء الثورة وجرحاها
تقتضي الاجراءات الخاصة بصنف القضايا المذكورة والمتعلقة بسقوط شهداء الثورة أو إصابة جرحاها:
– تقديم طلب من المعنيين بالأمر إلى هيئة الحقيقة والكرامة التي تتولى – بواسطة لجنة البحث والتقصي – القيام بكل الأبحاث والتحقيقات حول الاعتداءات الجسيمة المتعلقة بالشهداء والجرحى (الفصل 56).
– إحالة هيئة الحقيقة والكرامة للملفات المتعلقة بتلك القضايا إلى النيابة العمومية إذا ثبت لها ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان (الفصل 42 من القانون المتعلق بالعدالة الانتقالية).
– إحالة النيابة العمومية للملفات المذكورة – آليا – للدوائر المتخصصة تبعا لإحالتها من قبل هيئة الحقيقة والكرامة (الفصل 3) ويتضمن ذلك أن النيابة العمومية ليس لها امكانية حفظ الشكايات المقدمة في هذا الخصوص أو الاجتهاد في تقرير مآلها
– تواصل اجراءات القضية لدى الدوائر المتخصصة بما في ذلك الإذن بالأبحاث


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.