…قدموا من كل مكان، من الأرياف ومن المدن، أتوا من كل فج عميق لنصرة قضية عادلة، هبوا هبة رجل واحد، شيبا وشبابا، نساء وصغارا… تحت شعار واحد "لا تفاوض، لا إستسلام، لا تراجع…" غلق المصب مطلبنا ولن نحيد عنه". هكذا يبدوا المشهد داخل خيمة المعتصمين، المرابطين منذ خمسة أيام عند مدخل مدينة عقارب، يمنعون شاحنات" الموت" من المرور إلى مصب الفضلات، بطرق سلمية بعيدة عن العنف والعنجهية، بعد أن نفذ صبرهم وإستنفذوا كل الطرق السلمية والوسائل القانونية والأحكام القضائية التي كانت لصالحهم والقاضية بالغلق الفوري للمصب. وتنفيذا لأحكام الدستور، الذي ربط حقوق الأجيال القادمة بالحقوق البيئية وحقوق التنمية المستدامة و "ضرورة المساهمة في سلامة المناخ والحفاظ على سلامة البيئة بما يضمن إستدامة مواردنا الطبيعية". إنهم يتحركون في إطار القانون وعلويته، وتطبيقا للدستور والمعاهدات الدولية، المنظمة للأمن البيولوجي وحماية الطبيعة من كل أنواع التلوث، حتى تُسلّم للأجيال القادمة على أحسن حال، وما من شأنه أن يجنبهم أخطاء الأجيال الحالية. معتصمون همهم الوحيد الإنسان، الحياة والبيئة. يريدون مدينة يطيب فيها العيش، يبحثون عن حياة كريمة لأبنائهم وعائلاتهم وللأجيال القادمة. معتصمون يجمعون كل خصال القوة والعفة والإباء بحثا عن إنسانيتهم المسلوبة و إثباتا للذات في معركتهم مع الطبيعة التي لوثها الإنسان وإغتال جمالها. مرابطون ملوا الوعود الزائفة، يصرون على أنهم ماضون في تحقيق مطالبهم ولن يتراجعوا عن ذلك قيد أنملة، إنهم باقون ما بقي الزعتر والزيتون. إنهم رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه وماعاهدوا به كل أرواح الأبرياء الذين كانوا ضحايا للتلوث الذي عاشته المدينة لسنوات عديدة، رجال تركوا عائلاتهم ومشاريعهم وأموالهم من أجل غد أفضل. معتصمون لن يرضوا بالفتات الذي تحدث عنه الأستاذ بلقاسم الجدي في بيت شعري "لن نرضى بالفُتاتْ.. لأننا ليس بالمهاجرين ولا بالشتاتْ…". هؤلاء المعتصمون هم أحفاد المقاوم صيد عقارب وما يمثله من رمزية روحية وهي رمزية الحياة والصراع ضد دعاة الموت. و ستبقى عقارب كما قال عنها المؤرخ شمس الدين بن عمار " مثلما كانت في فترة الإمبراطور الروماني طريقا للتجارة وليس طريقا قاتلا للقمامة .ارفعو ا قمامتكم قبل أن ترفعوا رؤوسكم".