استنجدت السلطات الأمنية التونسية بقيادات أمنية عليا سابقة لتوليها مراكز صنع القرار الأمني في إطار خطة تهدف إلى الرفع من أداء الأجهزة الأمنية بمختلف أصنافها في مكافحة خلايا التنظيمات الجهادية، فيما أعلنت وزارة الداخلية أنها فككت خلال الأشهر الأخيرة 15 خلية تابعة للتنظيمات الجهادية الساعية الى بناء ما تقول انه "دولة خلافة". وقالت مصادر مقربة من دائرة صنع القرار السياسي والأمني إن عددا من الكفاءات الأمنية التي كانت شغلت مناصب عليا خلال فترة حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي مرشحة لتولي مواقع صنع القرار الأمني. واضافت ان كلا من الحبيب الصيد رئيس الحكومة وناجم الغرسلي وزير الداخلية توصلا إلى توافق يقضي بضرورة إجراء تغييرات هيكلية على الأجهزة الأمنية تكون كفيلة بالرفع من أدائها وتحييدها عن الخارطة الحزبية بالبلاد من أجل قطع الطريق أمام بعض الأحزاب التي تسعى إلى اتخاذ موطئ قدم لها في وزارة الداخلية. وتحدثت المصادر عن مشاورات بشأن إعادة خطة "المدير العام الوطني" وهي خطة تم الاستغناء عنها منذ تولي الغرسلي وزارة الداخلية والاكتفاء بتعيين كاتب دولة مكلف بالأمن لإدارة الأمن والتي تضم الأمن العمومي ووحدات التدخل والتفقدية العامة والمخابرات والثكنات الأمنية والإدارات الفرعية لمختلف اصناف الشرطة، غير أن الأحداث التي شهدتها البلاد خلال الأشهر الأخيرة أثبتت وجود العديد من الثغرات الأمنية وغياب التنسيق الكافي بينها الأمر الدي دفع بالسلطات إلى إعادة خطة المدير العام للأمن الوطني. وفي أعقاب هجومين دمويين اثنين استهدف الأول المتحف الأثري بباردو في مارس/اذار وخلف أكثر من 70 ضحية بين قتيل وجريح أغلبهم من السياح الأجانب، وإستهدف الثاني فندقا بمدينة سوسة الساحلية في يونيو/حزيران وخلف 38 قتيلا و39 جريحا من السياح الأجانب. وأثبتت التحقيقات التي أجرتها الأجهزة الأمنية ان الجهاديين الذين نفذوا الهجومين استفادوا كثيرا من وجود خلل في التنسيق بين الإدارات الأمنية وبقية الأجهزة الأخرى. وكشفت المصادر أنه تم ترشيح خمسة أسماء لتولي خطة المدير العام للأمن الوطني من بينهم عدد من الجنرالات كانوا ترأسوا سابقا أجهزة أمنية حساسة خلال فترة نظام حكم بن علي مشددة على أنه من بين أخطاء الأجهزة الأمنية هو إقالة أو تجميد كفاءات أمنية قادرة على صنع القرار خلال فترة حكم الترويكا عامي 2012 و2103. وتدعو قيادات نقابية أمنية إلى "ضرورة إعادة جهاز أمن الدولة الذي تم حله خلال الأشهر الأولى من انتفاضة 2011 بعد أن أكدت هجمات الجماعات الجهادية وجود خلل في عدد من الأجهزة التي كان يشرف عليها ويديرها جهاز امن الدولة. ومنذ تشكيل حكومة الحبيب الصيد أقيل أكثر من 20 قياديا أمنيا في مواقع صنع القرار الأمني كما تمت إقالة رجال أمن وتجميد عمل آخرين على خلفية هجمات الجهاديين التي شهدت خلال الأشهر الأخيرة نسقا تصاعديا. مشكلة معلومات وبحسب خبراء أمنيين فإن المعضلة الأساسية التي تواجهها الأجهزة الأمنية تتمثل في ثغرات كبرى بشأن المعالجة الأمنية والقضائية للظاهرة الجهادية سواء في ما يتعلق بالجانب الهجومي الذي يبدأ من مختلف مصالح الاستخبارات وجمع وتبويب وتحليل المعلومات وتقفّي آثار المجموعات والأشخاص من ذوي الشبهة وإعداد الخطط الهجومية التي تكلف الفرق الخاصة بتطبيقها على أرض الواقع أو الجانب الدفاعي الذي يتمثل في حماية الشخصيات والمنشآت المهددة من جهة وفي ضبط خطة أمنية وطنية للوقاية من مخاطر هجمات الجهاديين من جهة أخرى. ويشغل الخبراء الأمنيون خلال هذه الأيام جدل حاد بشان كيفية التعاطي الناجع مع الجهاديين العائدين. وشددت ألفة العياري الكاتبة العامة لنقابة السجون والإصلاح على أن السجون التونسية تواجه إشكاليات كبرى في التعامل مع سجناء أو موقوفين على خلفية قضايا إرهابية ملاحظة أن إيواءهم مع بقية سجناء الحق العام يتيح لهم الفرصة لاستقطابهم. وشددت العياري على أن المعالجة الظرفية غير كافية وفصل الإرهابيين الخطرين عن سجناء الحق العام "حل لن يصمد" ملاحظة أن خطر عودة الإرهابيين من بؤر التوتر مرتفع في ظل غياب إستراتيجية تضبط طرق المراقبة والإدماج والإيواء بالسجون. وخلال الأشهر الماضية نجحت الأجهزة الأمنية في تفكيك أكثر من 15 خلية جهادية منها خلايا متخصصة في العمل الدعائي للإرهاب وخلايا التسفير إلى بؤر التوتر خاصة في سوريا والعراق وأخرى مختصة في الإعداد لمخططات إرهابية، وذلك بحسب تصريحات أدلى بها وليد الوقيتي المكلف بالإعلام في وزارة الداخلية السبت ل"إذاعة موزاييك" التونسية الخاصة. وقال وليد الوقيني أن قوات الأمن الداخلي كشفت عن 3 مخيمات تدريب للعناصر الإرهابية المرابطة بجبال الشمال الغربي المحاذية للحدود الغربية مع الجزائر، مشيرا إلى أن الوحدات الأمنية تمكنت أيضا من النجاح في نصب كمائن لعدد من السيارات المفخخة التي كانت موجهة إلى التراب التونسي قادمة من الحدود الجنوبية الشرقية مع ليبيا. وتقر السلطات الأمنية التونسية أن الجهاديين العائدين من سوريا والعراق وليبيا باتوا يمثلون مشكلة أمنية وسياسية لا فقط على أمن البلاد واستقرارها وإنما أيضا على التجربة الديمقراطية الناشئة والهشة في ظل وضع داخلي تعصف به أزمة حادة على جميع الصعد ووضع خارجي تتحكم فيه الجماعات الجهادية المسلحة خاصة على الحدود الجنوبية الشرقية مع الجارة ليبيا. وبشأن مشروع قانون "توبة" الجهاديين العائدين خاصة من صفوف تنظيم الدولة، قال الحبيب الصيد إن "الدولة لا تستطيع منع أي مواطن يحمل الجنسية التونسية من العودة إلى بلاده" غير أنه شدد بالمقابل على أنه "سيتم متابعة العائدين من بؤر التوتر في الشرق الأوسط وسيتم التحقيق معهم وكل من يثبت تورطه بالدليل القاطع في جرائم إرهابية سيطبق عليه القانون دون استثناء". وكان كاتب الدولة لدى وزير الداخلية المكلف بالشؤون الأمنية رفيق الشلي قال في وقت سابق إن عدد الجهاديين العائدين من سوريا والعراق "يمثلون مشكلا كبيرا" مشيرا الى أن "المعالجة الأمنية لا تكفي وأن التعامل معهم يتطلب تدخل أطراف أخرى منها الاجتماعية والدينية والصحية". وتقدر السلطات الأمنية التونسية عدد الجهاديين العائدين ب500 شخص نظموا صفوفهم وهم ينشطون في شكل خلايا نائمة، فيما يقول خبراء في الجماعات الجهادية أن عددهم أكثر من ذلك بكثير ويفوق الف شخص تسللوا خلال السنوات الثلاث الماضية عبر الشريط الحدودي الجنوبي مع ليبيا بعد أن تلقوا تدريبات إضافية في معسكرات تقع في صحراء ليبيا.