نحن الجيل الذي نقوم في الصباح الباكر، فنقف في الطابور الطويل امام " النادي"، للحصول على نصيبنا من فطور الصباح المجاني : رغيف خبز وقطعة جبن و "كار" حليب، هدية من الشعب الامريكي الصديق، ثم نهرع إلى محطة الحافلات ل0نتظار الحافلة الهرمة ذات الصرير المفزع، التي ستقلنا إلى المعهد. يطول انتظارنا في البرد وتحت هطل المطر شتاء، أو تحت لهيب الشمس صيفا، وإن صادف وأقبلت فمترنحة تكاد تسقط، وهي مثقلة بالركاب حد الإختناق، وأحيانا لا تقف وتمر تاركة الجميع يجري وراءها دون جدوى. نحن الجيل الذي نبقى في انتظار حافلة ثانية قد تأتي وقد لا تأتي، وإن أتت فلن توصلنا إلى حيث ندرس قبل صافرة دخول الأقسام ابدا، فنضطر للمرور على القيم العام ، الذي يشبعنا توبيخا، قبل ان يسلم لنا بطاقة دخول مصحوبة بعقوبة " احتجاز " باربع ساعات يوم الأحد. نحن الجيل الذي لا نشتري الكتب لضيق ذات اليد، فنستعيرها من النوادي والإتحادات ودور الثقافة والشباب والمكتبات العمومية، نحن الجيل الذي لا حق لنا يحفظ امام الاستاذ والقيم العام والقيم و موظف الإدارة والحارس، وحتى عابر السبيل، فنحن دوما ظالمون ونستحق الزجر والعقاب حتى وإن كانت الدماء تنزف منا. نحن الجيل الذي نفطر في القيلولة بعشرين مليم فقط، تدسها لنا امهاتنا في جيوبنا كل فجر، على إيقاع تلاوة القرآن والمدائح والأذكار التي تبدأ بها الإذاعة إرسالها :اربعة عشر منها ثمن ربع خبزة، والستة الباقيات ثمن نصف ملعقة هريسة. نحن الجيل الذي نجني الزيتون في عطلة الشتاء، ونحصد الخضر الطرية في عطلة الربيع، و نساعد البحارة على دفع مراكب الصيد في البحر، ثم نجر معهم الشباك مقابل بضعة سمكات نحيلات نسرع بوضعها فوق كانون أعرج، نضرم فحمه ب " طاسة صليحة " المقعورة. نحن الجيل الذي نهب في كل صيف للعمل في النزل السياحية، ونقبل بكل ما يعرض علينا : حارس، نادل، عون استقبال، منشط، مرافق اطفال، مقابل بضعة دنانير في الشهر، وفرص صداقة وسهر مع بعض السائحات الصبايا الشقراوات. نحن الجيل الذي نقف امام المطعم الجامعي : " يا رفيق ticket " ، " يا رفيقة سيڨارو " " يا رفاق AG في السابعة " . نحن الجيل الذي قهرنا الحرس الجامعي "vigiles" وأجبرناهم على التواطئ معنا في مواجهة البوليس. نحن الجيل الذي نملأ قاعتي الفن الرابع والفن السابع لمشاهدة الأفلام الثقافية الطويلة بمائة مليم فقط، ثم نتجمع امام مقهى " علي بابا " فيمر نجوم الفن والإبداع : زبير التركي، المنصف السويسي، عمر خلفة، عمار الخليفي، نور الدين القصباوي، عبد المجيد الأكحل ... فيتوقفون للدردشة معنا، ويدعوننا لحضور معارضهم ومسرحياتهم وافلامهم ...ثم يدسون في أيدينا ما به نلتحق بالفلورانس ولونيفار و chez les nègres و"بار" نور الدين، للإرتواء بما تيسر من قوارير جعة " الستلا " المحدبة. نحن الجيل الذي نمرعلى المبيت الجامعي باردو 1 للإناث لنطمئن على أخواتنا وحبيباتنا وصديقاتنا ورفيقاتنا، قبل ان نلتحق بمبيتي باردو 2 وراس الطابية للمراجعة والإسترخاء والسمر والنوم. نحن جيل الملاحم المصغرة في شارع 9 افريل والمركب الجامعي بالمنار خلال مواجهاتنا الدامية مع الخوانجية. نحن الجيل الذي كانت الصحف والمجلات تتسابق للفوز بمساهماتنا فيها مقابل بضعة دنانير، سرعان ما تصبح " ثروة " عندما تضاف للمنحة الجامعية الشهرية ( ثلاثون دينارا ) . نحن الجيل الذي واجه الصعاب وتآلف مع الأوجاع وخبر مسالك الجهد ومداومة الجهد، ولم يشتك يوما، بل تباهى بتجاربه ومعاناته. نحن الجيل الذي اسس مع الجيل الذي سبقه نواة " النخبة الوطنية " الطلائعية في الأدب والفكر والفن والسياسة. نحن الجبل الذي يقف اليوم سدا منيعا ضد الخوانجية والشعبويين والإنتهازيين والخونة وباعة الوطن والمرتزقة.